تعديلات وزارية روسية.. صحافة غربية تكشف كواليس إقالة شويغو وتأثيراتها
في خطوة مفاجئة، أقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزير الدفاع سيرغي شويغو من منصبه، وعيّن مكانه الخبير الاقتصادي أندريه بيلوسوف.
وقد جاء التغيير الحكومي في وقت لا تزال الحرب الروسية على أوكرانيا مستمرة لأكثر من عامين، وفي ظل حديث عن "عدم كفاءة" شويغو، في وقت سجّل الإنفاق العسكري الروسي تضخمًا وصل إلى 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي.
فلماذا أُقيل شويغو؟ وما أهمية تعيين بيلوسوف وزيرًا للدفاع؟ وما تأثير التعيينات الجديدة على حرب أوكرانيا؟، صحف غربية تحدثت عن "كواليس" التطورات الأخيرة في روسيا.
لماذا أُقيل شويغو؟
في هذا الصدد، أوردت صحيفة "تايمز" البريطانية أنّه منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، انتشرت شائعات عن عدم كفاءة شويغو وبذخه وتبذيره.
وعام 2015، كشف نشطاء مكافحة الفساد أنّ شويغو كان يعيش في مجمع على طراز الباغودا بقيمة 12 مليون جنيه إسترليني (15 مليون دولار أميركي) خارج موسكو، مسجّل باسم أخت زوجته، وتم بناؤه على أرض اشترتها ابنته البالغة من العمر 18 عامًا، لإخفاء أنّه المالك الحقيقي.
ومنذ بدء الحرب، انتشرت في أوساط الجيش بقيادة شويغو شائعات عن الإسراف وعدم الكفاءة.
وبرز الاستياء من أداء شويغو، خاصة في أعقاب الهجوم الروسي الفاشل على العاصمة الأوكرانية كييف عام 2022.
كما أنّ رئيس "فاغنر" الراحل يفغيني بريغوجين قاد تمردًا مسلّحًا ضد وزارة الدفاع الروسية عام 2013، احتجاجًا على أداء شويغو، حيث وصفه بأنّه "غير كفوء وفاسد".
وأشارت الصحيفة إلى أنّ إقالة شويغو، تأتي بعد إلقاء القبض في أبريل/ نيسان الماضي، على نائبه تيمور إيفانوف الذي "عاش لسنوات في بذخ صارخ متباهيًا بقدرته على اقتناء الفيلات واليخوت وسيارات رولز رويس".
وأوضحت أنّ توجيه اتهامات لإيفانوف بالرشوة، دفع بعض المحللين إلى اعتبار أنّها رسالة واضحة لشويغو.
ما أهمية تعيين بيلوسوف؟
أجمعت التحليلات على أنّ تعيين بيلوسوف وزيرًا للدفاع، يهدف إلى حد كبير لتحسين الكفاءة العسكرية والإنتاج، مع الحفاظ على الاقتصاد الروسي الإجمالي وتعزيز الولاء السياسي والحدّ من الفساد.
ونقلت "تايمز" عن تاتيانا ستانوفايا، الزميلة البارزة في مركز "كارنيغي روسيا أوراسيا"، قولها إنّ "هدف بوتين هو تعزيز فعالية إنتاج الأسلحة وتلبية الاحتياجات العسكرية على النحو الأمثل. وفي هذا السياق، فان بيلوسوف هو خيار منطقي".
وبينما اعتبرت الصحيفة أنّ تعيين بيلوسوف قد يكون مقدمة لعزل رئيس الأركان العامة للجيش الروسي فاليري غيراسيموف، اعتبر المُحلّل العسكري روب لي في حديث للصحيفة، أنّ تعيين بيلوسوف "كان على الأرجح انعكاسًا لثقة بوتين الشخصية فيه، وإلى حاجته إلى مدير داخلي أفضل للتعامل مع بيروقراطية وزارة الدفاع".
ورحّبت شركات صناعة الطائرات بدون طيّار الروسية بإقالة شويغو، الذي لم يكن راضيًا عن "معدات الطائرات بدون طيّار الجديدة، على الرغم من أنّها كانت بالضبط ما يحتاجه الجيش الروسي"، وفقًا لما نقلته "تايمز" عن أحد المصادر.
وأضاف المصدر: "يتمتّع بيلوسوف بالفهم الصحيح لهذه العملية، فهو يعلم أن هذه حرب طائرات بدون طيّار وتقنيات الحرب الإلكترونية. لذلك أعتقد أننا سنتمكن قريبًا جدًا من اللحاق بالركب، وسيتغيّر الوضع".
وفي هذا الإطار، أوضح صامويل بينديت، خبير التكنولوجيا العسكرية الروسية لصحيفة "تايمز"، أنّ بيلوسوف كان "مروّجًا كبيرًا لتطوير الطائرات بدون طيّار المحلية والطائرات بدون طيار، إلى جانب دعم البحث والتطوير المحلي في مجال التكنولوجيا الفائقة".
"خطوة تكنوقراطية"
من جهته، رأى معهد "ستراتفور" الأميركي، الذي يُعدّ أحد أهم المؤسسات الخاصة المعنية بقطاع الاستخبارات، أنّ تعيين بيلوسوف مؤشر إلى عزم موسكو على زيادة الإنتاج العسكري وتحسين توافق المجمع الصناعي العسكري مع الإستراتيجية الاقتصادية الأوسع للحكومة والجهود المبذولة للحد من الفساد.
وإذ أشار إلى أنّ بيلوسوف لقي استحسان بوتين كمدير اقتصادي على مدى العقد الماضي، رأى المعهد أنّ تعيينه وزيرًا للدفاع يُعتبر "خطوة تكنوقراطية لضمان إدارة وزارة الدفاع بواسطة فرد مهيأ بشكل أفضل لإدارة المسائل المعقدة المتعلقة بالإنتاج العسكري وإجراءات التعبئة وتفاعلها مع الاقتصاد الروسي الأكبر".
وفي تحليله لتعيين بيلوسوف، رأى المعهد أنّ بيلوسوف سيضع ميزانية الوزارة القياسية البالغة 10.8 تريليون روبل (117.2 مليار دولار) تحت إدارة أكثر كفاءة وسيطرة سياسية أكبر للكرملين، مضيفًا أنّه مع عدم وجود قاعدة سلطة سياسية أوسع خاصة به، سيسعى بيلوسوف أيضًا إلى تنفيذ أوامر الكرملين للحد من الفساد بشكل أفضل، حتى مع استمرار الإنفاق الدفاعي في الارتفاع.
وبالمقارنة مع العديد من التكنوقراط الاقتصاديين الآخرين في إدارة بوتين، يُعرف بيلوسوف بأنه مؤيد قوي لتوسيع دور الدولة في الاقتصاد وزيادة الإدارة التفصيلية للصناعة.
ما تأثير التعيينات الجديدة على حرب أوكرانيا؟
رأى "ستراتفور" أنّ تعيين بيلوسوف لن يؤثر في إستراتيجية روسيا بأوكرانيا، والتي ستستمر في التركيز على إضعاف الجيش والاقتصاد في البلد الذي مزّقته الحرب من خلال المزيد من الهجمات، بالرغم من أنه قد يؤدي إلى تحسين فعالية الجيش الروسي بشكل هامشي.
ورجّح أن لا يؤدي تعيين بيلوسوف ولا أي من المناصب الأخرى التي تم تعديلها في الحكومة الروسية والجيش، إلى أي تغيير في إستراتيجية موسكو الكبرى في أوكرانيا، وفي استعدادها لمواصلة حربها وتنفيذ أعمال هجومية تهدف إلى زيادة نفوذ روسيا قبل أي مفاوضات محتملة مع أوكرانيا.
كما رأى أنّ تسمية مسؤولين مختلفين لن تؤدي إلى تغيير الخيارات العسكرية الروسية هذا العام، لأنّ التعيينات الجديدة لن تُخفّف من القيود المفروضة على الإنتاج العسكري والقوى العاملة.
ومع ذلك، على المدى المتوسط إلى الطويل، رجّح "ستراتفور" أن يتمكّن بيلوسوف من تعزيز الجيش الروسي من خلال تعيين قادة أكثر فعالية وتنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها للحد من الفساد وإهدار الميزانية، مع ضمان وجود المحفزات الاقتصادية المناسبة في الاقتصاد المدني لتحفيز زيادة الإنتاج، مما يسمح في نهاية المطاف للجيش الروسي بإرسال المزيد من القوات إلى أوكرانيا.
ولكنّه في الوقت نفسه، رأى أنّ تنفيذ هذه الإجراءات ستستغرق وقتًا طويلًا، على الرغم من أن تأثيرها قد يكون كبيرًا على سير الحرب.