الثلاثاء 19 نوفمبر / November 2024

لم يخدم في الجيش.. سيرغي شويغو وزير الدفاع الذي يقود حملة روسيا على أوكرانيا

لم يخدم في الجيش.. سيرغي شويغو وزير الدفاع الذي يقود حملة روسيا على أوكرانيا

شارك القصة

"انا العربي" يوثّق الحروب والتدخلات العسكرية التي خاضتها روسيا في عهد بوتين (الصورة: غيتي)
عسكرة المجتمع الروسي وإعادة تشكيل الجيش في عهد شويغو، قدما لبوتين إغراءً للهجوم على أوكرانيا لا يمكن أن تبطئه مخاوف المخابرات أو الاعتبارات الدبلوماسية.

في 25 فبراير/ شباط 2022، بعد 24 ساعة فقط من أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالهجوم على أوكرانيا، وصلت القوات الروسية إلى كييف. كانت سرعة التقدّم العسكري مذهلة حتى مع الأخذ في الاعتبار القوة النارية المتفوّقة لروسيا، وأبرزت أهمية دور الجيش في الدفع باتجاه الحملة العسكرية.

وذكرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية أن هجوم أوكرانيا "لم يكن مدفوعًا من جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (FSB)، بل تشكّل منذ البداية من خلال إبراز القوة العسكرية على الطراز القديم: أولًا من خلال حشد قوة ساحقة على الحدود، ثم استخدام هذه القوة بسرعة وكفاءة أمام أنظار العالم".

ومن خلال منحه الجيش مثل هذا الدور الحاسم، يعمل بوتين على تعزيز التحول الدراماتيكي الذي حصل في التسلسل الهرمي الأمني في الكرملين خلال العقد الماضي.

التحوّل في عهد شويغو

لسنوات خلت، لم يشارك الجيش في صنع السياسة الروسية، وظل تابعًا للأجهزة الأمنية. لكنّه اكتسب أهمية جديدة، في السنوات الأخيرة، ليس فقط في تفاعلات روسيا مع الدول المجاورة، ولكن أيضًا في كيفية تشكيل السياسات. وفي الوقت نفسه، اكتسب دعمًا شعبيًّا جديدًا في الداخل لم يكن يتمتع به في السابق.

وأصبح الجيش الروسي مجهزًا بجيل جديد من التكنولوجيا، ومدعومًا بمجمع صناعي عسكري يتمتع بقدرة متزايدة على الوصول إلى المجتمع الروسي. وبفضل نفوذه السياسي الجديد، برز الجيش بوصفه واحدًا من أهم المؤسسات في عهد بوتين.

وأوضحت المجلة أن هذا التحول داخل الجيش الروسي، قاده أحد أكثر أعضاء الدائرة المقرّبة لبوتين طموحًا: سيرغي شويغو الذي، وإن لم يحظ باهتمام كبير في الغرب، إلا أنه أحد المطلعين في الكرملين منذ فترة طويلة.

وعلى عكس جهاز الأمن الفيدرالي، الذي عانى من سلسلة من النكسات والإحراج في السنوات الأخيرة، حقّق جيش شويغو "نجاحات عسكرية" تمثّل أهمها في ضمّ شبه جزيرة القرم عام 2014.

وأكدت المجلة أن "كل من يسعى إلى فهم السبب وراء استعداد بوتين لإطلاق العنان للقوات والدبابات والطائرات الروسية في هجوم محفوف بالمخاطر على أوكرانيا، لا بد وأن ينظر أولًا إلى تحول المؤسسة العسكرية الروسية تحت قيادة شويغو".

"المسؤول الحيوي"

عام 2012، عُيّن شويغو وزيرًا للدفاع. وبتعيينه، بدأ التحوّل الدراماتيكي في الجيش الروسي.

برز اسم شويغو في التسعينيات، حين انهار الاتحاد السوفياتي بصفته حلَّالًا للعُقد. وأصبح وزيرًا لحالات الطوارئ، وهو منصب وزاري اخترعه هو نفسه.

وفي التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، رسم شويغو لنفسه صورة المسؤول الشجاع والحيوي الذي يزور كثيرًا مواقع الكوارث الطبيعية والتفجيرات مع فريق إنقاذ محترف من النخبة، حتى أنه قاد بعض عمليات الإنقاذ بنفسه.

في ذلك الوقت، لم يكن الشعب الروسي معتادًا أن يرتدي أحد أفراد النخبة السوفيتية زيًا ميدانيًا، ويتحدّث إلى ضحايا فيضان في سيبيريا أو تفجير في موسكو، كما فعل شويغو. وهذا ما أدى إلى ارتفاع شعبيته في صفوف القيادة والشعب على حد سواء.

سجل شويغو الناجح وشخصيته العامة المحبوبة جعلا منه حليفًا طبيعيًّا لبوتين. وسرعان ما وجده مفيدًا للكرملين خارج مهامه الطارئة.

عام 1999، اختار بوتين شويغو ليكون أحد قادة حزبه "روسيا المتحدة"، مما أتاح له الفرصة للقيام بجولة في البلاد وبناء قاعدة سياسية.

واعتبرت المجلة أن الأمر "الأكثر إثارة للدهشة" هو قرار بوتين عام 2012 بتعيين شويغو وزيرًا للدفاع، إذ لم يخدم شويغو أبدًا في الجيش، ولم يكن معروفًا في التسلسل الهرمي العسكري، كما أن أسلوبه الفظّ في القيادة لم يجعله محبوبًا في صفوف الحرس القديم.

يفضّل شويغو ارتداء العسكريين ملابس المعركة لا الملابس المكتبية. حتى أنه قام عام 2017، بتغيير الزي العسكري ليشبه الزي السوفيتي المستخدم عام 1945، والمعروف باسم "زي الفائز".

أما في ما يتعلق بالإستراتيجية العسكرية والاستعداد للمعركة، تبنّى شويغو الابتكار عالي التقنية، وشكَّل قيادة إلكترونية، ودمج القوة الجوية وقوة الفضاء في قوات الفضاء الروسية الجديدة، كما رفع رواتب الضباط. وفي الوقت نفسه، جعل من المستحيل تقريبًا على الشباب الروسي تجنّب الخدمة العسكرية.

نجاحان مبكران

ومع ذلك، أشارت المجلة إلى أن شويغو سجّل نجاحين عسكريين مبكرين أسهما في رفع أسهمه لدى الكرملين، وساعدا في كسب الجيش مكانة عسكرية جديدة داخل الحكومة.

"النجاح العسكري الأول" لشويغو كان في أوكرانيا عام 2014، عندما اندلعت "ثورة الميدان الأوروبي" في كييف ضد فيكتور يانوكوفيتش، الرئيس الأوكراني المدعوم من روسيا. فبعد أن فشل جهاز الأمن الفيدرالي في إيقاف المتظاهرين أو منع يانوكوفيتش من الفرار من العاصمة، لجأ الرئيس الروسي إلى الجيش. وتحت قيادة شويغو، ضمّ بوتين شبه جزيرة القرم بسرعة وكفاءة. وأظهر شويغو أن الجيش يمكن أن ينجح حيث فشل جهاز الأمن الفيدرالي.

وبعد فترة وجيزة، أُتيحت لشويغو فرصة أخرى لإظهار قوة الجيش. لكن هذه المرة، في سوريا في سبتمبر/ أيلول 2015. ونجح شويغو في تحويل مسار المعركة لصالح النظام السوري وبشار الأسد. 

وفي أعقاب النجاحات في شبه جزيرة القرم وسوريا، نما الدعم الشعبي الروسي للجيش، بينما بدأ شويغو يتمتع بميزانية عسكرية أكبر ومكانة متنامية في الكرملين.

ورأت المجلة أن هذه النجاحات قرّبت النخبة الروسية الحاكمة إلى الجيش وساعدت في إطلاق مجمع صناعي عسكري روسي جديد. ومن المفارقات أن هذا التأثير كان مدفوعًا بالعقوبات الغربية المفروضة على النخبة الروسية بعد ضم شبه جزيرة القرم.

وبسبب هذه العقوبات، كان العديد من الأوليغارشيين الروس يخسرون الأموال والعقود في الغرب. ولتعويض تلك الخسائر، سارعت الدولة الروسية لمساعدتهم من خلال تزويد شركاتهم بعقود عسكرية ضخمة.

وبفضل هذا المزيج من الدعم الشعبي المتزايد والعلاقات القوية بين النخبة الروسية، ظهر الجيش بحلول عام 2017 باعتباره واحدًا من أقوى المؤسسات في روسيا.

الطريق نحو كييف

خلال العام الماضي، عندما بدأ بوتين بالتخطيط لحملته على أوكرانيا، كان من الواضح أنه لم يعد يتطلع إلى جهاز الأمن الفيدرالي لقيادة الحملة. وبدلًا من ذلك، كان شويغو والجيش الذي جرى تحديثه من سيقودان هذه الحملة.

وعندما اجتمع مجلس الأمن الروسي عشية الهجوم، بدا الجيش أقرب إلى بوتين أكثر من مسؤولي مخابراته، وكان شويغو واثقًا ومستعدًا لقيادة روسيا في المعركة بعد أن أمضى معظم العقد الماضي في بناء الجيش وتحويله إلى قوة سياسية قوية.

وفي الأسابيع التي سبقت الهجوم الروسي، شكّك العديد من المحللين في أن بوتين سيشنّ بالفعل مثل هذه الحرب. ولكن المجلة اعتبرت أن عسكرة المجتمع الروسي وإعادة تشكيل الجيش في عهد شويغو، قدّما لبوتين إغراءً لا يقاوم، وهو إغراء لا يمكن أن تبطئه مخاوف المخابرات أو الاعتبارات الدبلوماسية.

والآن بعد أن بدأ الهجوم بعنف وفي ظل التداعيات المحتملة، سألت المجلة: "هل سيفهم شويغو، الذي لم يشهد حتى الآن سوى نجاحات، أن الانتصار في ميدان المعركة، مهما كان مثيرًا للإعجاب، يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى هزيمة سياسية أكبر؟".

تابع القراءة
المصادر:
العربي - فورين أفيرز
Close