تشهد إسرائيل حالة من الترقب، تحسبًا لردّ فصائل المقاومة الفلسطينية المرتقب على اغتيال قادة حركة "الجهاد الإسلامي" إذ ألغت الدراسة في نطاق المستوطنات الواقعة على بعد 40 كليو مترًا من القطاع، وبدأت عملية لإجلاء الآلاف من سكان مستوطنات "غلاف غزة" إلى فنادق في مدن إسرائيلية أخرى.
ومنذ فجر الثلاثاء، شن الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية ضد قطاع غزة أطلق عليها اسم "الدرع والسهم" أسفرت عن استشهاد 15 فلسطينيًا بينهم 4 أطفال و4 نساء، و3 من قادة "سرايا القدس" الجناح العسكري لحركة "الجهاد الإسلامي".
ولطالما كان الهاجس الأكبر لإسرائيل خلال عدوانها على قطاع غزة والضفة الغربية "الحرب على جبهات عدة"، في تحد حاولت تل أبيب مرارًا تفاديه خلال حروبها مع فصائل المقاومة، وفصل مواجهاتها على ساحة قتال واحدة.
وعلى ضوء التصعيد الإسرائيلي المتواصل خلال السنوات الأخيرة، برزت إلى الواجهة معادلة وحدة الساحات التي تبنتها فصائل المقاومة لتأكيد وحدة الأراضي الفلسطينية، ومنع الاحتلال من الاستفراد بأي جبهة من جبهات المقاومة، وعزل المناطق الفلسطينية عن بعضها.
في سياق ذلك، فإنّ تطور مفهوم وحدة الساحات لم يكن عفويًا، بل كان نتاج عمل منظم انخرطت فيه جميع فصائل المقاومة وأذرعها، لمقارعة تصعيد الاحتلال الإسرائيلي، ومحاولته في تفكيكها عبر وضع القادة الإسرائيليين على المستوى الأمني والسياسي في مواجهة جبهات القتال.
لماذا تتفادى إسرائيل الحرب على عدّة جبهات خلال مواجهاتها مع فصائل المقاومة؟#العربي_اليوم تقرير: أحمد بوطاف pic.twitter.com/1H4u6nzXvN
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 9, 2023
إلى ذلك، فإن جولات التصعيد الإسرائيلية الأخيرة كانت اختبارًا لثبات وحدة الساحات التي كرستها فصائل المقاومة ومدى تكتلها، فمن غزة إلى القدس والضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، كان الرد متناسقًا بما يعكس وحدتها.
وترى أوساط إسرائيلية أن تل أبيب ورغم قوتها العسكرية، إلا أنها غير مؤهلة لخوض حروب على عدة جبهات، وهو ما ظهر جليًا في سعيها إخراج فصائل عن المواجهة، واستهداف فصيل بشكل مكثف دون آخر.
كما يرى مسؤولون إسرائيليون أن وحدة الساحات بات مصدر القوة الأساسي في ردع عملياتها ضد الفلسطينيين، وتحقيق انتصارات للمقاومة، فالاحتلال أصبح يخشى الدخول في معارك غير محسوبة قد تكون تكلفتها مرتفعة.
ردّ المقاومة وساعة الصفر
لا يعني ما تقدّم أنّ ردّ المقاومة الفلسطينية مؤجّل، إذ إنّ القرار بحصوله "اتُخِذ يقينًا"، لكنّها لن تفصح "ساعة الصفر" له، الذي قد يكون اليوم أو غدًا أو بعد غد أو في أيّ وقت، بحسب مسؤول الإعلام في لجان المقاومة محمد البريم.
وفي حديث إلى "العربي"، أوضح البريم أنّ تأخر رد المقاومة له علاقة بسيناريوهات وضعتها قيادة غرفة العمليات المشتركة وقيادة المقاومة منذ اللحظة الأول لحدوث الاغتيال المباغت والغادر الذي قام به الاحتلال والمجزرة التي ارتكبها.
وكشف أنّ المقاومة بنت على عدّة سيناريوهات وهو ما أربك حسابات الاحتلال كثيرًا، خصوصًا أنّه كان يتوقع في كل لحظة حصول الردّ، وبات هذه الليلة وهو يقف على قدم واحدة في هذه المواجهة المفتوحة التي فرضها الاحتلال.
وأعلن أنّ المقاومة يقينًا اتخذت قرارًا واضحًا بالرد لكنّها لن تفصح عن توقيت وساعة الصفر لردّها المرتقب الذي ربما يكون اليوم وربما غدًا وربما بعد عد.
وتحدّث البريم في هذا السياق عن "تكتيك جديد" للرد على الاحتلال له علاقة بعمل المقاومة الفلسطينية وبغدر الاحتلال، مشدّدًا على أهميته "طالما أنّ خصمك في قمة استعداده وفي قمة عدوانه وفي قمة إجرامه وهو متربص لسيناريو معين".
هل سترد المقاومة الفلسطينية؟
وبشأن موقف المقاومة الفلسطينية من العدوان الإسرائيلي، يرى الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين، أن هناك نضوجًا نوعًا ما بردود المقاومة الفلسطينية إزاء كل الاستهدافات التي يقدم عليها الاحتلال، خصوصًا عندما تكون إسرائيل هي من يختار ساعة الصفر، مشيرًا إلى أن المقاومة تحاول في هذه المرحلة أن تقول إنها تعي أن إسرائيل في حالة تأهب وجاهزة لأي سيناريوهات مفاجئة.
وفي حديث لـ"العربي" من مدينة حيفا، يوضح جبارين، أنه في حال أقدمت المقاومة على أي رد في هذه المرحلة، فهي عمليًا تنجر وراء الظروف التي كتبتها إسرائيل، لافتًا إلى أن هنالك نوعًا من الانضباط لدى المقاومة، ونوعًا من الإستراتيجيات، وأن صمتها يربك الجيش الإسرائيلي.
ويضيف أن إسرائيل تريد تحييد الجهاد الإسلامي وحركة حماس وغرف العمليات المشتركة، وهي تحاول في هذه المرحلة أن تعيد صورة الهيمنة والعربدة الإسرائيلية بأن تضرب وتعطي بعض الضربات للجهاد الإسلامي دون غيره، وتستفرد بها.
وبشأن مدى استعداد إسرائيل لفتح جبهة حرب طويلة الأمد، يذكر جبارين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يقم بأي حرب طويلة الأمد على الأقل في أية جبهة من الجبهات. مشيرًا إلى أن إستراتيجيته هي "اضرب واهرب"، وإستراتيجية الاغتيالات في الضفة.
ويردف أن نتنياهو، كان دائمًا يسعى لأيام حرب، وليس لحرب في معارك استنزاف، يستنزف بها الفصائل الفلسطينية، ويخرج بها بأقل الأضرار الممكنة.
"حروب هي رمادية هجينة مختلطة"
من جهته، يرى الباحث في الشؤون العسكرية والإستراتيجية مأمون أبو نوار، أن هذه حروب هي رمادية هجينة مختلطة فيها كثير من الأمور المعلوماتية، تعتمد على عامل المفاجأة من خلال عدم معرفة النوايا، موضحًا أن القيادة الإسرائيلية الآن هي في حالة إرباك كبيرة، لأن من عادة المقاومة الفلسطينية أن ترد كما حدث في معركة "سيف القدس"، أو في معظم العمليات التي تقوم بها.
وفي حديث لـ"العربي" من لندن، يضيف أبو نوار أن حركة حماس معنية بالرد على إسرائيل، معربًا عن اعتقاده أن ضربات المقاومة قادمة.
ويتوقع أن يبدأ رد المقاومة في مناطق الغلاف ومن ثم تمتد إلى مناطق أخرى، كما أن رد المقاومة يعتمد على رد إسرائيل بهذا الخصوص، مشيرًا إلى أن حماس أثبتت للشعب الإسرائيلي أن القبب الحديدية لن تحميهم.