تتصاعد وتيرة التحذيرات الدولية من التصعيد في الشرق الأوسط، ومعها تجدد إيران عزمها الردّ على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أراضيها مع إبقاء الموعد ضبابيًا.
فبحسم ودون تردد، تخرج تصريحات "سياسية وعسكرية" من طهران لتبقي إسرائيل في حالة من التوتر تنعكس ارتداداتها على قيادة تل أبيب سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا.
وفي ظل هذا، تعلن طهران عن اجتماع طارئ في جدة لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، وتستقبل وزيرَ الدفاع الروسي السابق وأكبر مسؤول أمني في موسكو، سيرغي شويغو، الذي أكّد استعداد موسكو للتعاون الشامل مع طهران في الشؤون الإقليمية وفق بيان عسكري إيراني.
في المقابل، يقول وزير الأمن في إسرائيل يوآف غالانت، ما ينسجم مع تصريحات رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو بأن استعداد الجيش الإسرائيلي قائم للتحول من الدفاع إلى الهجوم.
فالمواجهة مفتوحة على كل احتمال وفق المنطق الإسرائيلي الذي يرفع حالة التأهب لدى القوات وفي المرافق الحيوية إلى أقصى درجة تحسبًا للرد الإيراني.
حراك أميركي لكسر دائرة التوتر
وفي ظل هذا المشهد، تستقبل تل أبيب قائدَ القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل كوريلا الذي يزورها لبحث الأوضاع في المنطقة.
وتؤكد المنصات الإسرائيلية، نقلًا عن دبلوماسيين أجانب، بأن تل أبيب تستعد لأيام من القصف المتبادل قبل أن يكون هناك احتمال لخفض التصعيد. وتنقل عن قيادات في الجيش أنّها اقترحت على المستوى السياسي توجيه هجوم استباقي لإيران وحزب الله.
وفي الأثناء، يبلغ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نظراءه في مجموعة السبع أن الولايات المتحدة تبذل جهودًا لكسر دائرة التوتر بمحاولة تخفيض رد الفعل الإيراني إلى أقصى حد ممكن ثم كبح رد الفعل الإسرائيلي.
وفي هذا السياق، يعتبر معاون مدير وكالة فارس الإيرانية مصطفى خوش تشم أن "إيران تحاول أن تسلط الضوء على وجهة نظرها أمام الدول المجاورة لإعلامها أنه يجب عدم السكوت بوجه الهجمات الإرهابية التي نفذتها إسرائيل وإنه عليها اتخاذ إجراءات بالإضافة إلى حراك طهران العسكري".
وفي حديث إلى "التلفزيون العربي" من طهران، يشير خوش تشم إلى أن إيران متمسكة بموقفها، وتقول لهذه الدول إنها لا تريد أذية أي منها إلّا في حال استخدمت وفتحت أراضيها لأميركا وإسرائيل لمهاجمة إيران.
"تهديد ومحاولة إقناع"
من جانبه، يرى المحاضر في الجامعة العربية الأميركية في جنين جمال زحالقة أن ما تقوم به طهران "تهديد ممزوج بمحاولة إقناع". لكنه يعتقد أن "هناك واجبًا على العرب وعلى إيران التي يفترض بها تصفير خلافاتها المفتوحة وتهديداتها لبعض الدول العربية التي ترتمي في الأحضان الإسرائيلية خوفًا من إيران".
وفي حديث إلى "التلفزيون العربي" من كفر قرع في حيفا، يقول زحالقة: "إن على الإيرانيين طمأنة العرب بأنهم لا ينوون لهم الشر ولا يسعون للسيطرة على دول عربية".
وإذ يعتبر زحالقة أن الواقع الحالي يستوجب على إيران "تغيير سياستها تجاه العالم العربي حتى تستطيع تحييد العرب في مواجهة إسرائيل"، يرى أنه من "العار والخزي أن تشارك دول عربية في الدفاع عن إسرائيل"، مشيرًا إلى أن هذه المعركة تفرض "تحولات إستراتيجية كبرى".
فإسرائيل التي لطالما قالت إنها تدافع عن نفسها بنفسها، تستعين اليوم بالولايات المتحدة وبريطانيا ودول عربية لكي تدافع عنها، حيث أن الوزن الأكبر في الخطة الدفاعية التي تُرسم الآن ليس لإسرائيل بل للمنطقة الوسطى للجيش الأميركي، بحسب زحالقة.
كما يعتبر أن هناك حاجة لتحالف إقليمي يضم مصر وتركيا وإيران لمحاصرة إسرائيل، مشيرًا إلى أن "مصلحة إيران الإستراتيجية تقتضي بتعاونها وتفاهمها مع العالم العربي وأن تطمئن جيرانها العرب بأنها لا تنوي ضربهم على الأقل".
كيف سترد إيران؟
من جهته، يلحظ مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مروان قبلان أن ما يجري يعكس حجم المأزق الذي تواجهه إيران والعرب وإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
وفي حديث من "التلفزيون العربي" من الدوحة، يقول قبلان: "إن إيران ما كانت لتتشاور مع أحد لو لم تشعر بعمق هذا المأزق، فهي تحتاج للرد على عملية اغتيال إسماعيل هنية التي حصلت على أراضيها حيث فشلت في حماية ضيفها، لكنها لا تعرف كيف سترد بطريقة لا تفتح المواجهة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية".
ويعتبر قبلان أن طبيعة الرد تمثل أحجية ومأزقًا بالنسبة لإيران، فتنفيذ رد شكلي كما حصل في أبريل/ نيسان الماضي سيقوض من مصداقيتها. كما لا تستطيع إيران القيام بالرد الذي يأمل به الكثيرون لأنها ستذهب إلى مواجهة شاملة غير مستعدة لها، بحسب قبلان.
كما يرى أن إيران تناشد الدول المجاورة والعربية دعم موقفها وليس تهديد هذه الدول. ويضيف: "إن إيران لا تحتاج في هذه المرحلة لصنع المزيد من العداوات والخصومات في المنطقة".