حديث عن "اتفاق مثالي" لوقف الحرب على لبنان.. إلى ماذا تسعى إسرائيل؟
ترشح معلومات أولية وتسريبات إعلامية إسرائيلية، بشأن وجود حراك نشط للتوصل إلى تسوية لوقف القتال مع حزب الله اللبناني.
فقد نقلت صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية عن مصدر سياسي، حديثه عن إحراز تقدم حقيقي في المفاوضات، مشيرة إلى أن الاتفاق المتوقع يعتبر جيدًا جدًا لتل أبيب، ويلبي مصالحها بشكل مثالي.
كما نقلت القناة 12 الإسرائيلية عن مصادر قولها: إن "وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر توجه إلى واشنطن لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق".
تفاؤل لبناني حذر بالتوصل لوقف إطلاق نار مع إسرائيل
في المقابل عبر مسؤولون لبنانيون خلال الفترة الماضية وبشكل حذر عن أملهم في التوصل لوقف لإطلاق النار مع إسرائيل خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة.
من بين هؤلاء، رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ونائب رئيس مجلس النواب إلياس بو صعب، وذلك على الرغم من تحذيرات وجهتها بعض الأطراف السياسية في لبنان من أن الحديث الإسرائيلي عن قرب التوصل لاتفاق هدفه شراء الوقت من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قبل تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترمب للحكم، وذلك رغم الخسائر الكبيرة التي يتكبدها الجيش الإسرائيلي على الجبهة الشمالية وحاجة نتنياهو السياسية للتهدئة.
إلى ذلك، لم تتضح حتى الآن ملامح أو ترتيبات أي اتفاق محتمل بين الطرفين، لكن حزب الله والمسؤولين اللبنانيين ما انفكوا يؤكدون على ضرورة أن يحفظ أي اتفاق السيادة اللبنانية.
وهنالك من يرى في بيروت أن المفتاح لذلك هو التطبيق الشامل والمتوازي لقرار مجلس الأمن 1701، لكن العقدة تكمن في آلية التطبيق، وضمان التزام الطرفين فيه.
وقد يكون انعدام الضمانات المتعلقة بتطبيق القرار 1701 من الأسباب التي دفعت المبعوث الأميركي إلى لبنان آموس هوكستين إلى الإعراب عن قناعته بأن القرار هو الأساس لإنهاء النزاع لكنه ليس كافيًا، على حد وصفه.
اتفاق "مثالي" يلبي كل شروط إسرائيل
وفي هذا الإطار، أشار الخبير في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، إلى أن صحيفة "يسرائيل هيوم" التي تعتبر الناطقة باسم نتنياهو، هي التي تحدثت عن اتفاق "مثالي" يلبي كل شروط إسرائيل.
وفي حديث للتلفزيون العربي من عكا، عدّد أنطوان شلحت الشروط التي تلبي إسرائيل، وهي إعادة ما أسماهم سكان الشمال إلى منازلهم بأمان، وتطبيق القرار 1701، الذي يشمل انسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني، بالإضافة إلى الحفاظ على منطقة أمنية عازلة.
وبالإضافة إلى هذه الشروط، أشار شلحت إلى شرط رابع تم الحديث عنه في الأيام القليلة الفائتة، وهو أنه في حال عدم تنفيذ الاتفاق، تكون لإسرائيل الحرية في أن تتدخل، لكي تفرض تنفيذ الاتفاق.
ولفت إلى أن هناك حديثًا أيضًا عن ضرورة أن يتدخل الجيش اللبناني بقوة أكبر من السابق في منطقة جنوب لبنان تنفيذًا للقرار 1701، وكذلك تعظيم دور قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في لبنان "اليونيفيل"، التي تعتبرها إسرائيل لا تقوم بالمهمات المنوطة بها.
وعلى الرغم من الحديث عن الاتفاق المثالي، قال أنطوان شلحت: "حتى الآن لم يتم التوصل إلى تفاهمات بين الطرفين الرئيسيين المعنيين بهذا الاتفاق"، مضيفًا أن تواتر الحديث عن هذا الاتفاق يأتي على خلفية عدد من المستجدات.
ومن هذه المستجدات حسب أنطوان شلحت، دخول رئيس جديد إلى البيت الأبيض، وإعلان الكثير من وسائل الإعلام الإسرائيلية أن هناك رسائل ضمنية من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، مفادها أنه يتعين على تل أبيب أن توقف الحرب في لبنان وغزة إلى حين تسلم ترمب سدة الرئاسة.
وأضاف أن هناك حديثًا في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن قيام الإدارة الأميركية الحالية بممارسة الضغط على تل أبيب من أجل التوصل إلى تسوية سياسية.
ولفت شلحت إلى أن إسرائيل تخشى أن يتخذ مجلس الأمن قرارًا جديدًا لا يتجاوب مع الإملاءات التي تحاول فرضها، وألا تستخدم واشنطن حق النقض "الفيتو" ضد هذا القرار، لذلك هي تحاول أن تناور من خلال الحديث عن اتفاق مثالي.
وأوضح أن إسرائيل تسعى من هذا الاتفاق إلى أن تحقق ما لم تستطع تحقيقه عسكريًا، مشيرًا إلى موقف للمؤسسة الأمنية يلمح إلى أنه لا يمكن القضاء على حزب الله.
نقاط مفخخة في الاتفاق
من جهته، رأى مسؤول القسم السياسي في صحيفة "المدن" منير الربيع، أن إسرائيل لم تتكبد حتى الآن الخسائر اللازمة التي تدفعها إلى الألم والتراجع عن قيامها بالعملية العسكرية في لبنان.
وأضاف في حديث للتلفزيون العربي من العاصمة اللبنانية بيروت، أنه قد تكون هناك نقاشات داخل إسرائيل حول عدم القيام بتوسيع العملية البرية لعدم تكبد خسائر كبيرة، وعدم تكرار تجربة حرب تموز عام 2006، موضحًا أن هذا الأمر لا يعني وقف الحرب أو العمليات الجوية العسكرية، وعمليات الاغتيال.
وأشار الربيع إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي تعمد فيها إسرائيل إلى تسريب مثل هذه الأجواء، لافتًا إلى أن النقاط المسربة في الاتفاق مفخخة وتدمج ما بين اتفاقين، اتفاق أميركي مع لبنان، واتفاق آخر جانبي بين واشنطن وتل أبيب يتعلق بحرية الحركة الإسرائيلية في لبنان، ما يعني تحويل لبنان إلى ضفة غربية.
وأردف أن هذا الأمر لا يمكن لا لبنان أو حزب الله الموافقة عليه، لا سيما أن هذا الأخير يعتبر أن موازين القوى حتى الآن لا تسمح للإسرائيليين بفرض شروطهم بمثل هذا الشكل.
ورأى الربيع أن تسريب الاتفاق بهذا الشكل هو محاولة لرمي الكرة في ملعب لبنان، وتحميله مسؤولية الرفض، مشيرًا إلى أن الشرط المفخخ الذي برز اليوم بأن الجيش اللبناني هو من سيعمل على تفكيك البنية التحتية لحزب الله، هو محاولة لزرع الشقاق بين الجيش اللبناني وحزب الله.
وفيما أعرب عن اعتقاده أن نتنياهو لم يحقق الأهداف التي أعلن عنها لوقف الحرب، استبعد الربيع أن يوقفها قبل دخول ترمب إلى البيت الأبيض، مشيرًا إلى أن نتنياهو سيحتاج بعد ذلك لشهر أو اثنين لمواصلة العمليات، كي يهدي لترمب "وقفًا لإطلاق النار".
كيف ستتعامل إدارة ترمب مع نتنياهو؟
من جانبها، لفتت رئيس معهد "نيو لاينز" للإستراتيجيات والسياسات كارولين روز إلى أن نتنياهو يحاول الآن قراءة إدارة ترمب وسياستها الخارجية، وكيف ستبدو عليه، مشيرة إلى أن ترمب قد بدأ بإرسال رسائل واضحة مفادها أن النزاع يجب أن ينتهي قبل 20 يناير/ كانون الثاني المقبل، وهذا ما يتهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وفي حديث للتلفزيون العربي من نيويورك، أضافت روز أن ترمب سيؤكد على توفير المساعدات إلى إسرائيل في الأمد القصير، فيما سيحاول نتنياهو أن يرى كيف يمكنه المماطلة في المفاوضات.
وأعربت عن اعتقادها أن الإدارة الأميركية القادمة سيرتبط أداؤها ببعض المقتضيات والقيود بخلاف إدارة جو بايدن، مشيرة إلى أن نتنياهو يشبه ترمب لأنه واجه قضايا قانونية ومحاكم، ويحاول أن يتشبث بالسلطة، كما أن هناك علاقة شخصية بين الرجلين.
وأشارت روز إلى أن ترمب سيدعم إسرائيل بـ"شيك على بياض"، من خلال دعم أمني وعسكري، لكنه سيمارس ضغوطًا للتوصل إلى صفقة تميل إلى شروط تل أبيب.
ولفتت كارولين روز إلى أن إدارة ترمب تريد التوصل إلى صفقة سريعة، لكي يعتبر ذلك نصرًا لإدارة الرئيس الأميركي الجديد.