الخميس 21 نوفمبر / November 2024

حروب غزة "بقرة حلوب".. هكذا تستخدم إسرائيل الفلسطينيين لتسويق أسلحتها

طوفان الأقصى
حروب غزة "بقرة حلوب".. هكذا تستخدم إسرائيل الفلسطينيين لتسويق أسلحتها
الجمعة 3 نوفمبر 2023

شارك القصة

تستخدم إسرائيل الفلسطينيين كحقل تجارب لأسلحتها وتقنيات التجسّس والتعقب والسيطرة، بهدف تسليعها فيما بعد - رويترز
تستخدم إسرائيل الفلسطينيين حقل تجارب لأسلحتها وتقنيات التجسّس والتعقب والسيطرة، بهدف تسليعها فيما بعد - رويترز

إلى جانب المجازر التي أصبحت "ثابتة" كلّ الحروب الإسرائيلية على غزة، ثمّة "ثابتة" أخرى يكرّسها العدوان الحالي على القطاع المُحاصَر، تكمن في استخدام إسرائيل للفلسطينيين حقل تجارب لأسلحتها وتقنيات التجسّس والتعقب والسيطرة، بهدف تسليعها فيما بعد.

رغم أنّ الأمر قد يبدو لكثيرين "مبالغة"، إلا أنّه ليس كذلك. ففي العام 2020، تحدّث ضابط إسرائيلي يُدعى Oren matzliach صراحةً عن تطبيق يعمل على تطويره، لتمكين أيّ قائد عسكري من إرسال تفاصيل هدف ما عبر جهاز إلكتروني للجنود مباشرةً ليقوموا بتصفيته.

وفي كلامه عن التقنيات الحديثة المستخدمة في هذه العمليات، كان الضابط الإسرائيلي المذكور أكثر صراحةً، أو ربما وقاحة، حين شبّه استهداف الفلسطينيين بعملية "شراء كتاب على أمازون أو طلب بيتزا عبر الهاتف الجوال"، وفق توصيفه.

فكيف يُفهَم هذا التشبيه؟ كيف حوّلت إسرائيل الفلسطينيين إلى حقل تجارب من أجل تسويق أسلحتها وتصديرها، على مرأى ومسمع من العالم؟ وما حقيقة "العلاقة" بين تجارة الأسلحة الإسرائيلية والحروب الدائمة هنا وهناك؟

thumbnail Youtube (1)23.jpg

حرب غزة "بقرة حلوب لصانعي الأسلحة الإسرائيليين"

ليس الأمر عبارة عن نظرية مؤامرة، ولا حتى مجرّد رأي لمن يعادي الاحتلال الإسرائيلي، فالأمر يتباهى به الإسرائيليون أنفسهم من دون حدّ أدنى من الحَرَج.

تتعدّد النماذج على ذلك، ومنها قول موظّف في شركة أسلحة إسرائيلية إنّ "صناعة الأسلحة ستتضرّر إذا مضت 20 سنة من دون عملية عسكرية كبيرة تقوم بها إسرائيل".

وذهب مقال في صحيفة "هآرتس" عام 2014 أبعد من ذلك، في ذروة واحدة من الحروب على غزة، حين خلص إلى أنّ "حرب غزة هي بقرة حلوب بالنسبة لصانعي الأسلحة الإسرائيليين".

وجاء في المقال أنّ المصانع عملت على مدار الساعة لإنتاج الذخائر بينما كان الجيش يختبر أحدث أنظمته ضدّ عدو حقيقي، وأنّهم يتوقعون اكتساب زبائن جدد بعد اختبارها في المعركة.

هكذا، وبكلّ بساطة، تصبح فلسطين كناية عن "معرض سلاح" للإسرائيليين، وحجم القتل والدمار الذي يتسبّبون به يتحوّل إلى "مصدر زبائن في العالم" لهم.

ولذلك، لا تتردّد الشركات الإسرائيلية في الإعلان عن أسلحتها وتقنيات التجسس والتعقب التي تقدّمها مع شعار "battle tested"، أي أنّها مجرّبة على الأرض المعركة، وتحديدًا على الفلسطينيين.

خلص مقال في صحيفة "هآرتس" إلى أنّ "حرب غزة هي بقرة حلوب بالنسبة لصانعي الأسلحة الإسرائيليين"
خلص مقال في صحيفة "هآرتس" إلى أنّ "حرب غزة هي بقرة حلوب بالنسبة لصانعي الأسلحة الإسرائيليين"

كيف أصبح الفلسطينيون حقل تجارب للأسلحة الإسرائيلية؟

لا يُعَدّ ما تقدّم جديدًا، بل لعلّه شكّل على الدوام جزءًا لا يتجزّأ من الإستراتيجيات الإسرائيلية، وهو ما تكرّسه ورقة بحثية عن المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي، كتبت عام 1988، حيث يشير كاتبها بلير لابارج إلى أنّ أحد أسباب نجاح تسليع صناعة السلاح الثقيل الإسرائيلي هو أنّ مصدّري هذا السلاح يتباهون أنّه "جُرّب على أرض المعركة بنجاح".

حينها، كانت آخر التجارب التي استقطبت زبائن لإسرائيل هي دبابة الميركافا التي أدخلتها إسرائيل إلى الميدان في اجتياح لبنان عام 1982. ويواصل الاحتلال اعتماد التكتيك نفسه مع كل عدوان جديد، من خلال تجربة مجموعة أسلحة جديدة، إما لتصديرها، أو لتعديلها في حال ظهر أي إشكال فيها عند الاستخدام.

في العام 2020، تحدّث ضابط إسرائيلي يُدعى Oren matzliach صراحةً عن تطبيق يعمل على تطويره، لتمكين أيّ قائد عسكري من إرسال تفاصيل هدف ما عبر جهاز إلكتروني للجنود مباشرةً ليقوموا بتصفيته، بل إنّه شبّه استهداف الفلسطينيين بعملية "شراء كتاب على أمازون أو طلب بيتزا عبر الهاتف الجوال".

ومن الأمثلة الحيّة على ذلك أيضًا، أنّ شركة elbit systems، وهي إحدى أكبر شركات الأسلحة الإسرائيلية، والمنتجة لـ85% من مسيّرات الجيش الإسرائيلي، كانت تعرض في معرض باريس الجوي عام 2009، فيديوهات لطائرات حربية من دون طيّار من صناعتها لتسويقها، ولم تكن هذه الفيديوهات سوى لهذه المسيّرات تقصف غزة في حرب عام 2008.

وتكرّر الأمر نفسه في حرب 2009، التي سمّتها إسرائيل "الجرف الصامد"، وأسفرت عن سقوط 2174 شهيدًا، حيث جرّبت أسلحة جديدة من قنابل لقذائف مدفعية، إضافة إلى طائرة من دون طيّار اسمها Hermes، استُخدِمت في المجزرة الشهيرة التي وثّقتها الكاميرات على شاطئ غزة، وأسفرت عن استشهاد أربعة أطفال.

وبعد أسابيع قليلة على الحرب، عقدت إسرائيل مؤتمرًا لأنظمة التحكم غير المأهولة، بحضور ممثلين عن دول عدّة مهتمّة بشراء الأسلحة، وتمّ خلاله عرض الأسلحة الجديدة التي استخدمت في الحرب على أنها battle tested، ومن بينها Drone Hermes.

وكمكافأة على التجارب الناجحة على الأطفال الفلسطينيين، تطورت مبيعات صاروخ spike في السنوات اللاحقة، وأبرزها صفقة الـ500 مليون دولار التي أبرمتها الهند مع إسرائيل لشراء مجموعة من الأسلحة المجرّبة على الشعب الفلسطيني.

شركة elbit systems، هي إحدى أكبر شركات الأسلحة الإسرائيلية، والمنتجة لـ85% من مسيّرات الجيش الإسرائيلي
شركة elbit systems، هي إحدى أكبر شركات الأسلحة الإسرائيلية، والمنتجة لـ85% من مسيّرات الجيش الإسرائيلي

العلاقة بين تطور تجارة الأسلحة والحروب الدائمة

هكذا، يصبح منطقيًا الحديث عن العلاقة "المباشرة" بين تجارة السلاح الإسرائيلي، والحروب الدائمة التي يشنّها الاحتلال بين الفينة والأخرى، هنا أو هناك.

ويدلّ على ذلك بشكل واضح حجم صادرات الأسلحة الإسرائيلية وتطورها، والذي تؤكد الأرقام أنه يشهد تضخّمًا في سنوات الحروب والسنوات اللاحقة لها.

هكذا، سجّل هذا الحجم ارتفاعًا بعد 11 أيلول عام 2001، وكذلك بعد الإشكالات التي رافقت الانسحاب من غزة عام 2005، وبعد حرب تموز عام 2006، وحرب غزة 2008.

كما سجّل ارتفاعًا أيضًا بعد حرب غزة 2014، وكذلك بالتوازي مع الحرب الروسية على أوكرانيا، والأمر نفسه يسري على الإشكالات المكثفة من غزة لحي الشيخ جراح، حيث وصل حجم الصادرات العسكرية عام 2022 إلى 12 مليار و546 مليون دولار.

وفي حين لا يخفى على أحد أنّ جزءًا كبيرًا من العمليات المرتبطة بتجارة الأسلحة تكون سرية وغير معلنة، لا بدّ من الإشارة أيضًا إلى أنّ حقل التجارب على الفلسطينيين لا يقتصر على أيام الحروب على غزة، بل يشمل سائر الفترات أيضًا.

يشهد حجم صادرات الأسلحة الإسرائيلية تضخّمًا في سنوات الحروب والسنوات اللاحقة لها
يشهد حجم صادرات الأسلحة الإسرائيلية تضخّمًا في سنوات الحروب والسنوات اللاحقة لها

تجسس وتعقب ومراقبة في الضفة

في هذا السياق، قد يكون من المفيد التذكير بأنّ إسرائيل تحتل الضفة الغربية، وتُخضِعها لما يشبه الحكم العسكري، وهي بالتالي تستخدم المنطقة كاملة لتجربة تقنيات التجسس والتعقب والمراقبة حتى خارج فترات الحروب، بالمعنى المتعارف عليه.

على سبيل المثال، تستخدم شركة AnyVision الاحتلال لتدريب وتطوير تقنيات الرصد ومراقبة الناس، حيث جهزت الضفة بعدد كبير من كاميرات المراقبة غير المعلنة، وتجمع بين الذكاء الاصطناعي وتقنية التعرف على الوجوه وربطها بالمعلومات البيومترية للأشخاص.

يقول موظّف في شركة أسلحة إسرائيلية إنّ "صناعة الأسلحة ستتضرّر إذا مضت 20 سنة من دون عملية عسكرية كبيرة تقوم بها إسرائيل"، فيما تشير صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أن "حرب غزة هي بقرة حلوب بالنسبة لصانعي الأسلحة الإسرائيليين".

وفي السياق نفسه، كشف الضابط المتقاعد داني تريزا، وهو واحد من مهندسي جدار الفصل مع الضفة الغربية ومستوطن بالضفة، أنّ شركته Yozmot Limited تعمل على تطوير كاميرا يلبسها عناصر في الشرطة الإسرائيلية، وتستطيع التعرف على الوجوه في الحشود، حتى لو كانت معصوبة.

ومنذ العام 2019، يستخدم الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية تطبيق Blue Wolf الذي يصوّر وجوه الناس، من أجل مقاطعتها مع الداتا الخاصة بالشركة، التي تحتوي على المعلومات الشخصية لأغلب الفلسطينيين.

تستخدم إسرائيل الضفة الغربية لتجربة تقنيات التجسس والتعقب والمراقبة حتى خارج فترات الحروب
تستخدم إسرائيل الضفة الغربية لتجربة تقنيات التجسس والتعقب والمراقبة حتى خارج فترات الحروب

مقاومة الفظائع.. "إرهاب"؟

وليس خافيًا على أحد أنّ مثل هذا النوع من الرقابة على البشر بتعقبهم 24 ساعة على 24 في أيّ مكان آخر من العالم يتسبّب بأزمات وجودية، في حين أنّ أحدًا لا يعترض حين تكون هذه التجارب على الفلسطينيين.

قد لا يكون ذلك مُستغرَبًا، فمثل هذه التجارب ليس سوى غيض من فيض ما تمارسه إسرائيل بحق الفلسطنيين، من احتلال أرضهم، إلى استخدامهم كحقل تجارب، إلى حصارهم بالجدران والحواجز، وغير ذلك.

لكنّ الأنكى من كلّ ذلك أنه مع كلّ هذه الفظائع التي يمارسها الإسرائيليون جهارًا، تصبح مقاومة هذا الواقع هي الإرهاب بنظر المجتمع الدولي، الذي لا مشكلة معه في فتح معرض القتل من جديد، تحت ذريعة "محاربة الإرهاب".


في هذه الحلقة من برنامج "الرأس والمال"، نكشف كيف استخدمت إسرائيل غزة مختبرًا للأسلحة، وتأثير ذلك على صناعة الأسلحة الإسرائيلية. نستعرض التأثيرات الاقتصادية للحروب على غزة، وكيف أصبحت إسرائيل واحدة من أكبر مصدري الأسلحة عالميًا.
المصادر:
العربي