ما تزال الآثار الاقتصادية والمالية على إسرائيل من جرّاء "طوفان الأقصى"، العملية العسكرية التي قادتها فصائل فلسطينية والحرب الإسرائيلية على غزة، في بداياتها.
مع ذلك، فإن نتائجهما الأولية بدأت بالظهور، ويمكن أن تندرج في قسمين: آثار وقعت أو تقع حاليًا، وأخرى ممكنة الحدوث.
تراجع الأسهم وتخبط حركة الطيران
في ما يخصّ ما وقع بالفعل من الآثار الاقتصادية والمالية على إسرائيل من جرّاء العملية العسكرية التي قادتها فصائل المقاومة الفلسطينية والحرب الإسرائيلية على غزة، يمكن الحديث عن تراجع قيمة الأسهم في البورصة الإسرائيلية بنسب متفاوتة من 3 إلى 9% في اليوم الأول بعد افتتاح البورصة عقب عملية الفصائل الفلسطينية.
وكانت من أكثر الأسهم تراجعًا المصرفية منها، وذلك عند تراجع قيمته 9%، ولا سيما مع إعلان بعض المصارف، خصوصًا الأجنبية منها، وعلى رأسها JPMorgan طلبها من موظفيها الـ200 في إسرائيل مواصلة العمل من منازلهم في انتظار معرفة كيفية تطور الأوضاع الأمنية.
بدورها، تعرّضت حركة الطيران لتخبط كبير بعد العملية. فعلى الرغم من إبقاء عدد كبير من شركات الطيران الدولية رحلاتها قائمة إلى إسرائيل، إلا أن أغلب تلك الشركات أصدرت بيانات عن مراقبتها للأوضاع في إسرائيل في الأيام الآتية لاتخاذ قرار بمواصلة الرحلات أم لا.
وأعلنت شركات على غرار: Cathay Pacific, Easy Jet, Lufthansa ،Delta Airlines وUnited Airlines عن وقف رحلاتها في انتظار جلاء الوضع، مع إعلان إسرائيل أنها في حالة حرب.
الآثار الاقتصادية والمالية على إسرائيل
في ما يخص المدى الأبعد، وما يمكن أن يحدث من آثار اقتصادية ومالية على إسرائيل من جرّاء العملية العسكرية التي قادتها فصائل فلسطينية والحرب الإسرائيلية على غزة، لا بد من النظر إلى جانبين: تراجع قيمة العملة الإسرائيلية "الشيكل" على أثر التطورات الأمنية، وارتفاع أسعار النفط عالميًا بعد عملية الفصائل الفلسطينية وإعلان إسرائيل الحرب، وهو ما لا تطال مفاعليه الاقتصاد الإسرائيلي وحده، بل تكون انعكاساته عالمية.
على صعيد تراجع قيمة العملة الإسرائيلية الشيكل، فقد بلغت ما نسبته 2% لتقارب 3.9 شيكل للدولار، وهو أدنى مستوى وصلته منذ عام 2016.
وكانت أفضل مستويات الشيكل في السنوات الأخيرة مع نهايات عام 2021، عندما وصل إلى حوالي 3.1 شيكل للدولار.
وقد سبق التراجع التدريجي للشيكل الحرب على غزة، لأسباب أبرزها الصراع السياسي الحاد داخل إسرائيل بين اليمين القومي واليمين الديني.
ويُعد أبرز مواقع الصراع الأخيرة محاولة اليمين الديني مع حكومة نتنياهو فرض التعديلات القضائية، التي سبّبت مظاهرات اعتراضية ومواقف دولية مندّدة. ثم أتت بعد ذلك الحرب لتضيف على خوف المستثمرين من الصراع الداخلي واقعًا أمنيًا خطيرًا.
وعلى الأثر، أعلن المصرف المركزي الإسرائيلي استعداده للتدخل بعرض للعملات الأجنبية من احتياطاته وصولًا إلى 30 مليار دولار، لطمأنة السوق ووقف تدهور سعر الصرف.
وبالنظر إلى حجم الاحتياطي الإسرائيلي بالعملات الأجنبية البالغ 203 مليارات دولار، يظهر أن إسرائيل - في المدى المنظور والمتوسط - قادرة على ضبط عملتها.
تبعات على المجمع الصناعي العسكري
إلى ذلك، لا بد أن تكون التبعات الأهم بإصابة المجمع الصناعي العسكري الذي تتحلّق حوله مجموعة كبيرة من الصناعات التقنية المتطورة؛ ولا سيما أن إسرائيل كانت مع كل حرب تستخدم القتال لتسويق تفوّق تقنياتها العسكرية والاستخبارية لتسليعها لاحقًا على نطاق عالمي.
فالخسارة التي ستتكبّدها على صعيد صورة تفوّق معداتها وتقنياتها العسكرية والأمنية لا بد أن تكون هائلة، خصوصًا بعد الفضيحة على الصعيد المخابراتي والأمني بإمكانية اختراق حركة مسلحة في قطاع محاصر من كل الجهات للتحصينات الإسرائيلية، وقيام تلك الحركة بعمليات عسكرية وعمليات أسر ثم العودة إلى القطاع بنجاح.
واذا كانت دبابة ميركافا "ضحية" حرب يوليو/ تموز عام 2006، إذ تم تدميرها في ذلك الحين بعدما كانت إسرائيل تسوّقها على أنها غير قابلة للاختراق، وهو ما تطلب إعادة هندستها لإعادة تسويقها، فإن الأضرار الناجمة من عملية "طوفان الأقصى" ستكون كبيرة.
وسيطال ذلك أولًا تقنيات الأمن السيبراني الإسرائيلي والقدرات الاستخبارية والتجسسية بشكل عام، وذلك بصورة أكبر حتى من مخاوف المستثمرين من الواقع الأمني الإسرائيلي.
كما سيزيد الخسائر الإسرائيلية تعقيد الواقع السياسي الداخلي بالمقارنة مع العقود السابقة. فإذا كان تقدير الخسائر الإسرائيلية عام 1973 حوالي 10 مليارات دولار، فإن الجو السياسي الداخلي في ذلك الوقت كان أكثر تماسكًا، مع وجود حزبين يتنافسان على السلطة توصلا في منتصف الثمانينيات إلى تأليف حكومة وحدة وطنية لإدارة الأزمة المالية التي واجهتها إسرائيل.
تصدّع القيادة واستدعاء الاحتياط
أما اليوم، فحتى وإن تمكنت الأطراف في هذه الأخيرة - وتحت هول المخاطر - من تأليف حكومة وحدة وطنية، إلا أن تصدّع القيادة الإسرائيلية إلى فرق عدة يُعد الصراع في ما بينها أكبر من أي وقت مضى، سيصعّب إمكانية التحوّل السلس في أعقاب الحرب.
ومع الإعلان الإسرائيلي عن استدعاء 360 ألفا من جنود الاحتياط، ليضافوا إلى نحو 180 ألف عسكري آخر نشطين في جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهو الرقم الأكبر في تاريخه، يجدر معرفة أن من تم استدعاؤهم هم من الإسرائيليين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و45 سنة.
ويعني استدعاء هؤلاء تحويلهم من أعمالهم العادية إلى العسكر، أي تراجع حجم القوة العاملة بنسبة 10.3% ليصبح في المقابل حجم القوات المسلحة حوالي 15.4% من حجم القوة العاملة.
وسيترك تحويل كهذا أثرًا على إنتاجية اقتصاد تُعد إحدى إشكالياته امتناع عدد كبير من الصهيونيين المتطرفين، الحريديم، عن العمل أو الخدمة في الجيش بشكل عام.
ماذا عن أسعار النفط؟
أما على صعيد أسعار النفط، فاللافت أنه بدأ يشهد، بعد وصول سعر برميل النفط نهاية شهر سبتمبر/ أيلول الماضي إلى قرابة 98$، انخفاضًا سريعًا نسبيًا مع بداية شهر أكتوبر/ تشرين الأول.
وقد وصل عشية عملية "طوفان الأقصى" إلى أقل من 84$ للبرميل. ثم عاد ليرتفع بعد عملية الفصائل الفلسطينية وإعلان إسرائيل الحرب إلى 89$.
وبمراجعة تأثير الحروب الإسرائيلية منذ عام 2000 وحتى اليوم على الفلسطينيين، لم يحدث أن أثرت تلك الحروب على أسعار النفط، بالنظر إلى كون المنطقة لا تُعد من مصادر النفط الأساسية في العالم، ولا تُعتبر خطًا أساسيًا من خطوط نقل النفط عالميًا.