كل أبوين في العالم يحلمان باليوم الذي يلتقيان فيه مولودهما الجديد، ليمسكا بيديه الصغيرتين ويدققا في ملامح وجهه ويشتما رائحته ويشعرا بدقات قلبه لأول مرة.
هذا الرابط الذي لا يفهمه إلا الوالدان ويبدأ قبل ولادة الطفل، ولا ينتهي حتى بموت أحدهم إلا أن المآسي الإنسانية التي يتسبب بها العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة غيرت مفهوم الأسرة وانتزعت الأطفال من أحضان أهلهم.
إبعاد الطفل يحيى عن والديه
فيحيى رضيع من غزة، ولد بعد 7 أسابيع من اندلاع الحرب على القطاع قبل الموعد المحدد لولادته بشهرين، وهو الأمر الذي أجبر والديه على تركه بمستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمالي غزة لتلقي الرعاية الصحية الخاصة هناك، والعودة إلى جباليا.
ولم يعرف والدا يحيى أن الأسابيع القليلة التي عاشوها مع ابنهما، سيتلوها فراق لا تعرف له نهاية، فمستشفى كمال عدوان حوصر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي نشر دباباته في كل حدب وصوب مانعًا أي شخص من الاقتراب.
وفي أحد الأيام، قررت قوات الاحتلال مداهمة المستشفى، فاضطر العاملون لإجلاء يحيى وآخرين معه من أقصى الشمال، إلى مستشفى الهلال الإماراتي في أقصى الجنوب.
وتفصل بين يحيى في رفح ووالديه في جباليا 30 كيلومترًا هي المسافة التي، تبدو وكأنها أبعد من 3000 كيلومتر مع انتشار حواجز الاحتلال ودباباته في مختلف النقاط المؤدية من الشمال إلى الوسط ومن ثم الجنوب.
لكن المسافة ليست وحدها العائق، فمع انقطاع الاتصالات مرت 3 أشهر قبل أن يتمكن والدا يحيى من التواصل مع المستشفى الذي يعالجه في رفح، والتأكد من أن رضيعهما بخير.
ألم الفراق
ويبلغ الطفل يحيى من العمر الآن 5 أشهر، ويتلقى الرعاية من الممرضين والطاقم الطبي في مستشفى الهلال الإماراتي في رفح.
أما والداه زكريا وسندس، فيقبلان صوره على الهاتف المحمول بحزن وشوق في منزلهما بمخيم جباليا، وتقول والدته إنها تتحمل ألم الفراق وترفض المخاطرة بالذهاب إلى الجنوب خشية أن ييتم طفلها ويستشهد أمل اللقاء، في حين يظل إرضاعه الحلم الذي تنتظره بفارغ الصبر.
أما والده زكريا، فيقول إن أمنيته الوحيدة التي يعيش من أجلها اليوم، هي احتضان مولوده.
ويحيى ليس أول طفل أو رضيع ينفصل عن والديه في غزة، إنما هو واحد من بين أكثر من 17 ألف طفل في غزة، باتوا أيتامًا أو انفصلوا عن عائلاتهم.
هذا الرقم نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف" بعد نحو 4 أشهر فقط من بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وتبقى الأيام وحدها كفيلة بكشف الأرقام الحقيقية لضحايا هذا العدوان المستمر.