بين رحيل وبقاء، ترتقب القوات الأميركية مصيرها تحت سماء العراق الحارقة بشمسها، وفوق أرضها المكتوية بحروبها القديمة والجديدة.
حوار استراتيجي يدور بين واشنطن وبغداد، قد يفضي إلى اتفاق بشأن انسحاب هذه القوات من البلاد بنهاية العام الجاري.
والحديث عن هذا الانسحاب يأتي بالتزامن مع الانسحاب الفعلي للقوات الأميركية من أفغانستان، ما يطرح تساؤلًا عن الاستراتيجية المختلفة لإدارة بايدن بشأن مهام القوات الأميركية في كلا البلدين.
وفيما أكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لنظيره العراقي أن العلاقة مع العراق أبعد من محاربة تنظيم الدولة، شدد الوزير العراقي على حاجة بلاده إلى التعاون مع التحالف الدولي لمواجهة التنظيم.
إلى ذلك، تحدثت صحافية "بوليتيكو" الأميركية عن إمكانية تحويل مهمة نحو 2500 جندي أميركي في العراق من قتالية إلى استشارية.
فمن سيملأ الفراغ في العراق بعد انسحاب القوات الأميركية، وهل ستخلي الأخيرة الساحة تمامًا أمام إيران، ومن سيقف في وجه تنظيم الدولة الذي أصبح يطل برأسه من جديد في العراق، وهل القوات العراقية قادرة على الوقوف في وجهه؟.
"نريد خروج المستشارين العسكريين"
تعليقًا على التطورات، يشير مستشار رئيس الوزراء العراقي حسين علاوي إلى أن لدى القائد العام للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي خطة في إدارة القوات الأمنية العراقية.
ويشير في حديثه إلى "العربي" من بغداد، إلى أن العراق قاتل تنظيم الدولة، ولم تشاركه القوات الأميركية على الأرض، بل كانت داعمة جويًا واستخباريًا ولوجيستيًا ومن حيث التجهيزات العسكرية التي ساهمت في القضاء على التنظيم.
ويلفت إلى أن "هذا ما يجعل الحكومة العراقية تريد أن تنقل العلاقات العراقية ـ الأميركية بعد 18 عامًا من مسارها وارتكازها على البعد العسكري والأمني، إلى الارتكاز على البعد الشامل، وبالتالي العودة إلى مرحلة ما قبل الموصل؛ أي اتفاقية الاطار الاستراتيجي التي سترتكز عليها العراقات بين البلدين".
ويقول: "نحن نريد أن يخرج المستشارون العسكريون، الذين خفّضنا عددهم من 5200 إلى 2500 مستشارًا خلال جولتي الحوار الأولى والثانية. ثم أفضت الجولة الثالثة إلى وضع جدول زمني".
ويشرح أنه "يجري الآن وضع الجدول الزمني لإخراج المستشارين لأنهم كانوا يقدمون الاستشارة في الحرب على داعش، التي لم يبق منها سوى الفلول القليلة جدًا وهم من المحليين وتقاتلهم حاليًا القوات العراقية؛ أكانت في الجيش العراقي أم جهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي".
ويؤكد أن "القوة الجوية العراقية وطيران الجيش فعال جدًا في عملية المواجهة، ونحتاج إلى التدريب وبناء القدرات وكذلك المعلومات الاستخبارية التي نتبادلها مع الجانب الأميركي من خلال اتفاقية الإطار الاستراتيجية والتحالف الدولي".
"تهديد العراق اليوم من إيران"
من ناحيته، يشير الباحث في المركز العربي في واشنطن عبدالوهاب القصاب إلى أن قوات التحالف الدولي والقوات الأميركية لم تأتِ إلا بطلب من الحكومة العراقية، بعد الكارثة الكبرى التي تسببت بها حكومة رئيس الوزراء الأسبق، للمساعدة في إزاحة تنظيم الدولة.
ويلفت في حديثه إلى "العربي" من واشنطن، إلى أن الذين يطالبون الآن بانسحاب هذه القوات هم نفسهم كانوا قد طالبوها بالمجيء.
ويوضح أن "الكارثة التي وقعت في الموصل سببها سوء الإدارة العسكرية، التي كان في حينها نوري المالكي القائد العام للقوات المسلحة ورئيسًا للوزراء"، مشيرًا إلى أن أوامر الانسحاب صدرت من مكتبه كما يقال.
ويضيف أن "أمور التحقيق الذي جرى في كيفية وقوع هذه الكارثة لا زالت طي الكتمان، ولا نعرف ما هي نتائجها".
ويؤكد أن "داعش ليست هي التهديد الآن، إذ تم القضاء عليها ولم يبق منها سوى الفلول، والتهديد الحقيقي الحالي هو من مجموعة من الميليشيات غير المنضبطة والخارجة عن القانون، والتي تمثل أجندات دولة خارجية ولا تمثل أجندة الدولة العراقية".
وإذ يردف بأن هذا ما قيل أكثر من مرة على لسان رئيس الوزراء نفسه، يقول: إن هذه الميليشيات هي الموجودة في الشارع وتضرب وتهدّد، وطوّقت واحتلت المنطقة الخضراء وبيت رئيس الوزراء.
ويضيف: "التهديد الذي يتعرّض له العراق في هذه المرحلة هو تهديد من دولة جارة تقع إلى الشرق من العراق؛ هي إيران بالتأكيد".
"تغيرات في المهام"
بدوره، يعرب مساعد وزير الدفاع الأميركي سابقًا مارك كيميت عن اعتقاده بأن "قوات الأمن العراقية، الشرطة والجيش، لديها الأعداد والمعدات التي تحتاجها، وكذلك القتال بشكل جيد، وهي نجحت بذلك في قتال داعش".
ويشير في حديثه إلى "العربي" من واشنطن، إلى "بعض الفجوات في القدرات التي تحتاج إلى الدعم".
ويقول: "هم يحتاجون إلى الدعم الاستخباراتي واللوجستي، وكل ذلك يمكن تقديمه من خارج البلاد. لكن هناك أشياء لا بد من القيام بها داخل البلاد؛ فلا يمكن إصلاح دبابة في الخارج".
ويلفت إلى القوات الـ 2500 التي ما تزال متواجدة في العراق لافتًا إلى أنها "تقدم الدعم اللوجيستي والاستخباراتي وأيضًا الدعم الجوي"، مردفًا: "لن نرى فرقًا كبيرًا بسبب الأعداد، ولكننا سنرى تغيرات في المهام".
ويشرح: "بالنسبة لتقديم الاستشارات، هناك تغيّر في المهام".
ويؤكد أن "الولايات المتحدة ستبقي على بعض القوات في الشرق الأوسط"، لافتًا إلى أن "هناك 45 ألفًا من القوات، في دول مثل الكويت والبحرين، ولا أرى تغيرًا في المهام".
ويوضح أن "هناك مصالح وطنية، وأخرى مشتركة في الشرق الأوسط"، مضيفًا: "قد تتغير مهام القوات في العراق، لكن لا أعتقد أن هناك ما يشير في الوقت الحالي إلى أن إدارة الرئيس بايدن لديها تغير في سياستها".