يدفع استمرار الحرب في أوكرانيا إلى تفاقم أزمة القمح في مصر، التي تعد أكبر مستورد له في العالم. فقد أدى ذلك الصراع الدائر بين الجارتين إلى تراجع إمدادات القمح للأسواق العالمية، وبخاصة القاهرة التي تعاني من نقص الاكتفاء الذاتي.
وتعتمد مصر في توفير 80% من حاجياتها على روسيا وأوكرانيا. فقد بلغت نسبة الواردات الروسية نحو 50%، في حين بلغت الأوكرانية 30% من إجمالي واردات مصر من القمح عام 2021.
وأحدثت الأزمة صدمة في السوق المصرية نتج عنها ارتفاع أسعار المواد الغذائية بما في ذلك الخبز، حيث بلغ التضخم أعلى مستوى في ثلاث سنوات. كما انخفض احتياطي البلاد الإستراتيجي من القمح إلى أدنى مستوياته.
ما هي خطط المواجهة؟
بعد أيام قليلة من الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي، أعلن المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، نادر سعد، أن بلاده تعمل على خطة لاستيراد القمح من مناطق أخرى بدلًا من روسيا وأوكرانيا، مشيرًا إلى أن بلاده لديها مخزون إستراتيجي من القمح يقترب من خمسة ملايين طن في الصوامع أو المطاحن.
وفي مطلع أبريل/ نيسان الفائت، أعلنت مصر أنها تجري مباحثات مع الأرجنتين وفرنسا والهند والولايات المتحدة لشراء القمح في المستقبل، مكتفية بالمحصول المحلي لتغطية احتياجاتها القريبة.
أزمة القمح في #مصر مستمرة والحكومة تُحذّر الفلاحين "ممنوع تداوله أو الاحتفاظ به في المنازل".. إليكم قصة الأزمة من البداية 👇 pic.twitter.com/b4bOsNvuH4
— أنا العربي - Ana Alaraby (@AnaAlarabytv) June 1, 2022
ولمواجهة الأزمة، حظرت مصر تصدير القمح إلى الخارج إلى جانب عدد من المواد الغذائية الأخرى. كما تقدمت الحكومة المصرية بشكل رسمي للبنك الدولي بطلب الحصول على قرض بمبلغ 500 مليون دولار لدعم واردات القمح في محاولة لسد النقص الحاصل في الأسواق المصرية.
الاعتماد على السوق المحلية
ولجأت مصر إلى زيادة مخزونها من السوق المحلية التي توفر 3.5 مليون طن من حاجيات البلاد لتبلغ 6 ملايين طن.
كما رفعت سعر شرائها للقمح بنسبة 22% مقارنة بالعام الماضي لتشجيع المزارعين المحليين على بيع كامل محاصيلهم إلى الدولة. إلّا أن العديد من المزارعين كانوا قد اعترضوا على بيع القمح للحكومة بسعر "أقل بكثير من الأسعار العالمية". وكانت الحكومة قد وعدت أيضًا بتوفير السماد المدعم لمن يبيع لها 90% على الأقل من محصوله.
وتعهّدت الحكومة بمعاقبة الذين يتداولون القمح بطريقة غير قانونية بالسجن من عام إلى 5 أعوام إضافة إلى غرامة تصل إلى 1000 جنيه.
وجاءت هذه الخطوات لدفع المزارعين لتزويد الحكومة بما لا يقل عن 60% من محصولهم من القمح، وذلك لمنعهم من إخفاء محاصيلهم لاستخدامها علفًا للحيوان، ومنع التجار من بيع القمح في السوق المفتوحة.
حظر تداول القمح المحلي
ومؤخرًا، حظرت الحكومة المصرية تداول القمح المحلي وحذّرت الفلاحين من الاحتفاظ به في المنازل ومنعت بيعه إلى جهات أخرى غير الحكومة.
فقد أعلنت الحكومة في 31 مايو/ أيار الفائت أن الحكومة المصرية تسعى لشراء كامل محصول القمح من المزارعين المحليين وحذّرت من أنها ستصادر القمح المتداول بشكل غير قانوني.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي: "أصدرنا قرارًا بمنع تداول القمح حتى آخر أغسطس/ آب، وأي محاولة لتوريد القمح بشكل غير قانوني سيتم مصادرته". وأضاف: أنه سيتم التعامل بكل حسم مع محاولات احتفاظ المواطنين بالقمح في منازلهم والامتناع عن توريده في إطار المنظومة الرسمية لتوريد القمح".
تعزيز الاكتفاء الذاتي
وقد تزامنت الإجراءات الجديدة مع الإعلان عن خطة وطنية لتعزيز الاكتفاء الذاتي من القمح وزراعة 3.62 مليون فدان قمحًا خلال الموسم الحالي.
ويتوقع المسؤولون أن يجني المزارعون 10 ملايين طن من القمح، يتم توريد 6 ملايين منها إلى صوامع التخزين.
وقد أعلن وزير التموين المصري علي المصيلحي يوم الإثنين لاماضي، أنه تم توريد 3.3 ملايين طن من القمح المحلي منذ بدء موسم الحصاد الحالي، فيما تهدف الحكومة شراء 5 ملايين طن، حيث يستهلك نحو 9 ملايين طن سنويًا ضمن برنامج الدعم الغذائي.
وتزامنت أزمة القمح مع إعلان هيئة الطاقة الذرية في مصر نجاحها في إنتاج صنف من القمح المعدّل وراثيًا، ودعت إلى استخدامه لمواجهة النقص في البلاد ما أثار جدلًا حول مدى سلامته ومخاطره على الصحة.