كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغ مجلس الحرب أنّه سيُرسل الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن مطلع الأسبوع المقبل للتباحث بشأن رفح.
ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية قولها: إنّ نتنياهو أدرك أنه كان مخطئًا عندما ألغى سفر الوفد، احتجاجًا على عدم استخدام واشنطن حقّ النقض لمنع صدور قرار مجلس الأمن القاضي بوقف الحرب في غزة خلال رمضان.
كما نقلت الصحيفة عن مصادرها قولها إنّ معظم وزراء الكابينت اعتبروا التصرف غير صحيح منذ البداية.
مسار تصادمي
ويأتي ذلك في وقت حذّر فيه مسؤولون إسرائيليون من أنّ نتنياهو وضع إسرائيل على مسار تصادمي مع واشنطن، الأمر الذي قد يؤثر على الحرب التي تشنّها على غزة، بمساريها السياسي والعسكري.
واعتبرت الانتقادات لنتنياهو أنّ خلافاته مع البيت الأبيض مصطنعة، وهدفها تحقيق مآرب سياسية داخلية في مقدمتها إرضاء وزرائه الأكثر تطرفًا لمنع انفراط عقد حكومته.
لكن مصادر سياسية أخرى، قلّلت من شأن هذه التباينات وعدّتها عابرة على غرار الخلافات السابقة بين الطرفين، بدليل إفراغ واشنطن لقرار مجلس الأمن الأخير من فحواه باعتباره غير ملزم، وتأكيد البيت الأبيض أنّ واشنطن لم تغيّر سياساتها الداعمة لإسرائيل.
وسيزور الوفد الإسرائيلي واشنطن لمناقشة المخاوف الأميركية المعلنة المتعلقة بمصير نحو مليون و300 ألف فلسطيني موجودين في رفح أغلبهم نازحون.
في سياق ذلك، كشفت القناة 13 الإسرائيلية عن طلب أميركي من الاحتلال السماح لجنرالات أميركيين بالمشاركة في صياغة خطط "عملية رفح".
منطقة عازلة
كما كشفت صحيفة "هآرتس" عن مشروع إسرائيلي ضخم يتضمّن إقامة منطقة عازلة بالقرب من السياج الحدودي بين غزة والمستوطنات الإسرائيلية، من شأنها قضم 16% من مساحة القطاع، تمهيدًا على ما يبدو لمكوث جيش الاحتلال طويلًا في المنطقة.
بالتزامن مع ذلك، قالت مصادر في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" إنّ المقاومة بدأت تستعد لاجتياح رفح، وسط معلومات تُفيد بعزم جيش الاحتلال تنفيذ العملية في حال فشل مفاوضات التهدئة.
فما هي حقيقة وجود تباينات فعلية بين الإدارة الأميركية وإسرائيل على خلفية ملف اجتياح رفح وغيرها من القضايا ذات الصلة بالحرب ضد غزة؟ وماذا عن تحذيرات المسؤولين الإسرائيليين بشأن وصول الطرفين لمسار تصادمي؟ وما هي انعكاسات ذلك على مسار الحرب في القطاع؟
"خلاف إسرائيلي أميركي على أسلوب اجتياح رفح"
أوضح أنطوان شلحت، الباحث في الشأن الإسرائيلي، أنّ قرار نتنياهو إرسال الوفد إلى واشنطن هو تراجع عن موقف حاول فيه تصعيد تحدّيه لبايدن عقب موقف الولايات المتحدة في مجلس الأمن.
وقال شلحت في حديث إلى "العربي" من عكا، إنّ تراجع نتنياهو ينطوي أيضًا على تصاعد النقد الموجّه له من الكثير من شركائه في الحكومة والرئيس الإسرائيلي، حين قال إنه لا يجوز لإسرائيل المدعومة بشكل مطلق من الولايات المتحدة أن تصعّد التحدي بوجه واشنطن.
كما أشار شلحت في السياق عينه، إلى التطمينات الأميركية بأن موقف الولايات المتحدة بالامتناع عن التصويت في مجلس الأمن لا يعني تغييرًا في سياستها العامة وتأييدها للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة ولأهدافها البعيدة المدى وفي مقدمها "القضاء على حركة حماس".
وأضاف أن الخلاف الإسرائيلي-الأميركي في موضوع الهجوم على رفح هو خلاف على الأسلوب والخطة لا الهدف.
"هوة كبيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل"
من جهته، أوضح وليام لورانس، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية والمسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية، أنّ إدارة محور فيلادلفيا مرتبط بقرار سيادي مصري، ويعود إلى اتفاق عام 2005.
وقال لورانس في حديث إلى "العربي" من واشنطن: إنّ الولايات المتحدة تنتظر المصادقة على خطة إسرائيل لاجتياح رفح، لكنّها لا تريد أي غزو يُلحق الضرر بالمدنيين الفلسطينيين.
وأردف بأنّها "ترى أن هناك طرقًا أفضل للقيام باجتياح رفح، وأنّ أي حل في غزة يجب أن يكون مرتبطًا بمكوّن سياسي وعسكري عوضًا أن يكون هناك حل عسكري للوصول إلى حل سياسي"، وفق تعبيره.
وأشار إلى وجود هوة كبيرة بين الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا الخصوص، مؤكدًا ضرورة أن "تُردم خلال زيارة الوفد الإسرائيلي إلى واشنطن".
"إسرائيل تستعدّ للبقاء فترة طويلة في غزة"
بدوره لفت معين الطاهر، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، إلى أنّ قضم أراضي غزة لإقامة منطقة عازلة يندرج في إطار خطة إسرائيل لليوم التالي لما بعد حرب غزة.
وقال الطاهر في حديث إلى "العربي" من عمّان: إنّ إسرائيل تُعدّ البنية التحتية لإقامة منطقة عازلة في شمال غزة، وتجزئة القطاع إلى أجزاء مختلفة، مرجحًا أن تتزايد الخطة مستقبلًا لفصل كل جزء إلى أجزاء.
وأضاف أنّ إسرائيل تستعدّ للبقاء فترة طويلة في قطاع غزة، عبر ابقاء قواتها في مناطق مختلفة من القطاع، كنقاط ارتكاز تمهيدًا لدخول المرحلة الثالثة بعد عملية رفح، والتي تشمل عمليات على مستوى هدف محدد تستغرق يومين أو ثلاثة أو أسبوع يتوقف فيها القصف الجوي بالأحزمة النارية، مع الإبقاء على المسيرات والمروحيات وسلاح الجو والدبابات وجنود الوحدات الخاصة.