مع رحيل صباح فخري، يطوي المغنى الطربي في العالم العربي صفحة من صفحات كبار المطربين الذين ساهموا في انتشار القدود الحلبية بشكل واسع في شتى أصقاع البلاد الناطقة بحرف الضاد.
ابن حلب الذي ولد وترعرع بواحدة من أهم المدن العربية الزاخرة بعلم المغنى والطربيات، واكب نخبة من أبرز الذين مروا على الساحة الطربية التي تملك وزنًا في أصول القدود والموشحات الشهيرة، كشيخ المطربين صبري المدلل، والمنشد حسن حفار، والكبير أديب الدايخ.
النشأة المثالية
وساهم إنشاء الإذاعة في حلب عام 1948 بانتشار ذلك النوع من الطربيات، وتضافرت كل العوامل لنشأة مثالية لفخري الذي كان والده منشدًا صوفيًا ومدرسًا للقرآن الكريم.
واستطاع فخري واسمه الحقيقي صباح أبو قوس، أن يلفت الأنظار منذ صغره، حتى قدمه الموسيقي الكبير سامي شوا وهو أبرز عازفي الكمنجة في تاريخ العالم العربي، ليغني أمام الرئيس السوري السابق شكري القوتلي وهو في سنته الثانية عشرة فقط.
ونهل فخري من علم القدود عن طريق كبار الأساتذة في حلب وأبرزهم الشيخ علي الدرويش، والشيخ عمر البطش، ومجدي العقيلي ونديم وإبراهيم الدرويش ومحمد رجب وعزيز غنّام.
ويقول المؤرخ والباحث في التراث الموسيقي العربي والموسيقى التراثية محمد قدري دلال، في حديث إلى "العربي": إن كنية فخري الذي لقب بها الفنان السوري، كانت بعد انتقاله لدراسة الموسيقى في المعهد الموسيقي بدمشق، والذي أسسه الأستاذ فخري البارودي، والذي أخذ صباح أبو قوس من اسمه الأول الكنية التي اشتهر بها.
الانتشار
ورغم الإرث الفني الثقيل الذي تركه المنشدون في حلب، ساهم فخري في انتشار هذا النوع من الموسيقى عبر رحلاته، لاسيما في العاصمتين اللتين كانتا أشبه بورشة فنية حقيقية خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وهما بيروت والقاهرة.
وما ساهم به صباح فخري فعليًا هو انتشار القدود الحلبية في أوسع حدود ممكنة عبر المشاركة في المهرجانات العربية الكبيرة، كجرش في الأردن وقرطاج في تونس وبيت الدين في لبنان، ما ساهم في تثبيت هذا الفن الغني ببعض القصائد العربية الشهيرة، لأهم الشعراء كأبي الطيب المتنبي، وأبي فراس الحمداني.
كما تقلد فخري عدة أوسمة عربية رفيعة الرتبة من كبار الشخصيات السياسية كالرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة، وسلطان عمان الراحل قابوس بن سعيد.
إنجازات
وضع فخري اسمه في موسوعة غينيس عام 1968، حين استمر في الغناء في مدينة كراكاس عاصمة فنزويلا من العاشرة ليلًا حتى الثامنة صباحًا دون توقف أو انقطاع.
ولحن فخري وغنى أهم القصائد ومنها ما هي من كلماته كـ"خمرة الحب"، التي نالت شهرة واسعة، ولمعت له أغاني انتشرت حول العالم بفضل الجاليات العربية كـ"يا مال الشام"، و"ابعتلي جواب"، و"مالك يا حلوة"، وموال "اللؤلؤ المنضود".
موقفه من النظام السوري
ولم يقف فخري عند حدود الطرب فقط، بل دخل العمل النقابي حيث تولى أكثر من مرة نقابة الفنانين في سوريا، كما شغل منصب نائب رئيس اتحاد الفنانين العرب سابقًا.
ويؤخذ على فخري لدى جمهور سوري واسع تقربه من النظام السوري لاسيما في ظل حكم البعث برئاسة حافظ الأسد ثم ابنه بشار لاحقًا. خصوصًا أن فخري انتخب عضوًا في مجلس الشعب عام 1998 تحت مظلة الأسد الأب. كما قلده رئيس النظام السوري الحالي وسام الاستحقاق.
والتزم فخري منذ بداية الثورة السورية الصمت ولم يصرح بموقفه منها.
لكنه قال في تصريحات صحافية له، بعد عودته من رحلة علاج في ألمانيا استمرت خمسة شهور، عام 2011: إنه كان يتابع أخبار الوطن بشكلٍ دائم ويطمئن عليه عبر الاتصال بالمعارف والأصدقاء.
وأضاف: "قلبي ووجداني مع وطني الذي أتمنى أن يظل بخير دائما؛ فسوريا في قلوبنا ووجداننا ولا نستطيع العيش بعيدا عنها، وهي أيقونة الروح".