أكد قائد قوات الدعم السريع السودانية محمد حمدان دقلو "حميدتي" مساء الخميس، أنه لا يزال ملتزمًا بما جرى التوقيع عليه في الاتفاق الإطاري لتسليم السلطة للمدنيين، مشددًا على حرصه على تعزيز الاستقرار في البلاد.
ويشهد السودان تطورًا لافتًا في ظل خلافات الجيش وقوات الدعم السريع، حيث أثار انتشار جزء من قوات حميدتي في مدينة مروي حفيظة الجيش، كما حركت قيادة الدعم السريع آليات عسكرية وأعادت نشرها في معسكراتها في الخرطوم.
وفي مؤتمر صحافي، رأى المتحدث باسم الجيش السوداني نبيل عبد الله، أن إعادة تمركز القوات تخالف مهام ونظام عمل قوات الدعم السريع، وفيها تجاوز واضح للقانون ومخالفة لتوجيهات اللجان الأمنية المركزية والولائية، معتبرًا أن استمرارها سيؤدي حتمًا إلى المزيد من الانقسامات والتوترات.
وبينما يعبر بيان الجيش في حدته عن خلاف عميق قد يودي بالبلاد إلى مهالك عدة، وسط ترقب وحذر شديدين، حيث إن البعض يعتقد أن نيران الحرب أصبحت أقرب من أي وقت مضى، تنادت القوى السياسية إلى دار حزب الأمة، وقررت الدخول على خط التهدئة.
وأوضح رئيس حزب الأمة فضل الله برمة ناصر، أن القوى السياسية كلها أمل بأن المرحلة التي يمر بها السودان رغم حساسيتها، يمكن تجاوزها، فهذه ليست المرة الأولى، مرت علينا ظروف مشابهة كثيرة.
#السودان.. الأطراف السياسية تحاول إنهاء الأزمة بين الجيش وقوات الدعم السريع#العربي_اليوم تقرير: التيجاني خضر pic.twitter.com/8jfnRHb7ls
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) April 13, 2023
كذلك أجرى قادة الحركات المسلحة اتصالات للتهدئة بين الطرفين، إذ يرجع البعض احتقان الأوضاع بين المكونات العسكرية إلى قرب موعد التوقيع على الاتفاق السياسي الذي يعمل البعض على إفشاله بأي ثمن.
وفي هذا الصدد، يرى المحلل السياسي الهضيبي يس، أن هذه التوترات هي دليل على أن العلاقة ما بين الجيش وقوات الدعم السريع بناء على هذه العملية السياسية باتت شبه معدومة على مستوى الثقة.
إذًا تتسارع الأحداث، وتنبئ التحركات بقرب اندلاع صدام مسلح بين الجيش والدعم السريع، وهو ما تعمل عدة أطراف على تفاديه، وربما قد تنجح المساعي في نزع الفتيل، لكنها قد لا تفصل الأزمة من جذورها، حسب مراسل "العربي".
ما أسباب تأجيج الوضع في السودان؟
وفي هذا الإطار، يعرب الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء عبد الهادي عبد الباسط عن اعتقاده بأن ما يحدث من تطورات في السودان، هو الخطة "ب" للمبعوث الأممي فولكر بيرتيس الذي بدأها منذ حكومة رئيس الوزراء السوداني السابق عبد الله حمدوك الأولى والثانية بالتضامن مع أحزاب هامشية في المجتمع السوداني.
وفي حديث لـ"العربي" من العاصمة الخرطوم، يوضح أن خطة فولكر كانت تتمثل بتفكيك القوات المسلحة، وتفكيك قوات الدعم السريع التي كانت تتهم في ذلك الوقت بأنها قوة منتهكة للقانون، مشيرًا إلى أنه حين فشل في تفكيك القوات المسلحة وتمرير الأجندة الدولية بفرض أحزاب ضعيفة لحكم السودان لجأ إلى الخطة "ب"، وهي تأجيج الخلافات بين الدعم السريع والقوات المسلحة. ونجح في استدراج الدعم السريع عن طريق الاتفاق الإطاري الذي رسخ لانقسام القوات المسلحة.
تتركز مهامها في التصدي للهجرة غير النظامية.. إليكم أبرز المعلومات عن قوات الدعم السريع في #السودان 👇 pic.twitter.com/Ps36JAYaAX
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) April 13, 2023
وذكر عبد الباسط أن القانون كان ينص على أن قوات الدعم السريع تتبع للقائد العام ما قبل الاتفاق الإطار، ولم تكن هناك خلافات كبيرة، ولكن بعد الاتفاق الذي نص بصورة واضحة على أن قوات الدعم السريع تتبع لرأس الدولة، تم استدراج قوات الدعم السريع عن طريق إغراءات وبإطفاء بعض الملفات التي تهدد بها الدعم السريع، ونجح في استقطابها مع أحزاب هامشية صغيرة للوقوف ضد القوات المسلحة، ولذلك أصبحت قوات الدعم السريع تتحرك خارج إطار القوات المسلحة، وهذا ما أجج هذا الصراع بحسب تعبيره.
ويرى أن حزب الأمة الذي يتحرك الآن، ويدعي أنه يريد نزع فتيل الأزمة هو جزء من أحزاب الاتفاق الإطاري التي رسخت هذا الانقسام بين القوتين.
كما يعتبر أن الإشكالات بدأت بتحريض من قوى سياسية، مشيرًا إلى أن بيان القوات المسلحة كان متأخرًا وهادئًا جدًا، ولا يدعو للتصعيد، وأن القوات المسلحة لا ترغب في صدام مع قوات الدعم السريع، لافتًا إلى أن الأطراف التي تساند قوات الدعم السريع هي التي تدفعها لهذا الصدام.
ما مصير الاتفاق الإطاري؟
من جهته، يشير أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الرشيد محمد إبراهيم إلى أن الفترة الانتقالية واحدة من إيجابيات الفترة السابقة، وأن المنظومة الأمنية كانت متكاملة ومترابطة، لافتًا إلى هناك خلافات لم تظهر إلى العلن إلا في إطار الاتفاق الإطاري الذي نص على عملية الدمج في القوات المسلحة.
وفي حديث لـ"العربي" من العاصمة الخرطوم، يوضح أنه عندما اختبرت هذه الجزئية في ورشة الإصلاح العسكري والأمني اصطدمت بأفكار طول مدة الدمج، وأثيرت قضية التبعية، معتبرًا أن هذا التطور يهزم فكرة الجيش الواحد، لأنه لا يمكن الحديث عن أن القوات المسلحة تتبع للقائد العام، بينما تتبع قوات الدعم السريع إلى رأس الدولة أو رئيس الوزراء.
وبشأن مصير الاتفاق الإطاري، يرى إبراهيم أن المشهد الحالي سيضعف فرص إنفاذ الاتفاق باعتبار أنه عملية متكاملة، بحيث يلعب الجيش فيها دورًا محوريًا وحاسمًا، مشيرًا إلى أنه لا يمكن تصور عملية سياسية، من دون أن يكون الجيش طرفا فيها.
وفي 5 أبريل/ نيسان الجاري، أعلنت أطراف العملية السياسية إرجاء توقيع الاتفاق النهائي بين الفرقاء "لأجل غير مسمى"، بسبب استمرار المباحثات بين الأطراف العسكرية.
وهذا هو التأجيل الثاني لتوقيع الاتفاق السياسي النهائي الذي كان مزمعًا في 6 أبريل/ نيسان الحالي، بعد أن كان مقررًا مطلع الشهر نفسه، بسبب خلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وانطلقت في 8 يناير/ كانون الثاني الماضي، عملية سياسية في السودان بين الموقعين على "الاتفاق الإطاري" في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2022، وهم مجلس السيادة العسكري الحاكم وقوى مدنية أبرزها "الحرية والتغيير ـ المجلس المركزي"، للتوصل إلى اتفاق يحل الأزمة السياسية بالبلاد.
وتهدف العملية السياسية الجارية إلى حل أزمة ممتدة منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حين فرض قائد الجيش البرهان إجراءات استثنائية منها حل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعلان حالة الطوارئ.