لم تطل مهمة فولك برنادوت بوصفه وسيطًا من الأمم المتحدة في قضية فلسطين في عام النكبة، إذ سرعان ما اغتالته العصابات الصهيونية التي أثارت توصياته غضبها.
وكان برنادوت اختير بوصفه أول وسيط للأمم المتحدة في العام 1947، وكُلف من قبل مجلس الأمن الدولي "لوضع تسوية عادلة للحالة التي ستكون عليها فلسطين في المستقبل"، وفق ما جاء في أحد تقاريره التي وثقتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية.
وفي 17 سبتمبر/ أيلول من العام 1948 تم اغتياله، بعد يوم واحد فقط من تقديم تقريره الذي يحمل توصيات، زاد حنق الصهاينة عليه تشديده في إحداها على ضرورة عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم.
وفي ذلك الوقت، كانت العصابات الصهيونية قد ارتكبت مجازر وحشية بحق الفلسطينيين، فاستُشهد فيها من استُشهد وهُجر من هُجر من أهل الأرض؛ بينها مذبحة دير ياسين ومجزرة اللد والصفصاف والحولة.
من هو الكونت فولك برنادوت؟
كان فولك برنادوت نبيلًا سويديًا وُلد في ستولكهولم في 2 يناير/ كانون الثاني من العام 1895.
والرجل الذي انحدر من العائلة الملكية السويدية هو حفيد أوسكار الثاني، الذي كان ملك السويد والنرويج.
قبل تسلمه مهام الوساطة في قضية فلسطين، لعب الدبلوماسي دورًا فاعلًا إبان الحرب العالمية الثانية.
ويشير موقع "الأمم المتحدة" إلى أن فولك برنادوت شغل بين العامين 1943 و1944 منصب نائب رئيس الصليب الأحمر السويدي، ونظم الجهود لإطلاق سراح أسرى الحرب من المعسكرات النازية وعودتهم إلى السويد.
ويسلط المصدر نفسه، الضوء على ما قيل من أن فولك برنادوت أنقذ في العام 1945، 15.000 شخص من معسكرات الاعتقال من العديد من الجنسيات.
اغتيال الكونت فولك برنادوت
بعدما كُلف فولك برنادوت بأن يلعب دور وسيط السلام في فلسطين، جاء بين توصياته في تقرير قُدم في 16 سبتمبر 1948 وجوب وضع القدس تحت إشراف هيئة الأمم، وأن يمتد خط من الفالوجة إلى الشمال ثم الشمال الشرقي من اللد والرملة اللتين ينبغي أن تخرجا من أراضي الدولة اليهودية.
كما أوصى بوجوب أن "تؤكد منظمة الأمم المتحدة حق الناس الأبرياء، الذين شردوا من بيوتهم بسبب الإرهاب الحالي في العودة إلى ديارهم، وأن تُدفع تعويضات عن الممتلكات لمن يرغب منهم في العودة".
غير أن خطة السلام التي اقترحها الرجل أثارت حفيظة المتطرّفين الصهاينة، فعمدت الصحف اليهودية إلى مهاجمته والتحريض عليه.
وفي 17 سبتمبر، اغتالت عصابة "شتيرن" المتطرفة - بزعامة إسحاق شامير الذي أصبح لاحقًا رئيسًا للوزراء – فولك برنادوت ومساعده العقيد الفرنسي أندريه سيروت (1896-1948) في مدينة القدس.
وبرصاصات قاتلة رحل وسيط السلام في كمين نُفذ في وضح النهار. وقد أُفيد بأن قاتل الكونت ويُدعى يهوشوا كوهين، عُين لاحقًا مسؤولًا عن الأمن الشخصي لرئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون.
لكن بحسب أرشيف صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن كوهين الذي توفي في العام 1986 نتيجة أزمة قلبية، لم يؤكد علنًا أو حتى ينكر تورّطه في كمين اغتيال الكونت فولك برنادوت.
أما جوشوا زتلر، القيادي في "شتيرن"، والذي وصفته وكالة "فرانس برس" بأنه العقل المدبر للاغتيال، فقد أقر في مقابلة في العام 1993 بأنه أصدر الأمر بتنفيذ العملية. ولم يحاسب أحد على هذه الجريمة.