قبل مرور أسبوع على اغتيال قائدها السياسي إسماعيل هنية في العاصمة الإيرانية طهران، أعلنت حركة "حماس" اختيار يحيى السنوار خلفًا له على رأس مكتبها السياسي.
وأكد مصدر سياسي في الحركة للتلفزيون العربي أنها تقف موحدة خلف قيادتها، فيما نقلت هيئة البث الإسرائيلية أن تعيين السنوار "مفاجئ" ورسالة لإسرائيل بأن قيادة "حماس" قوية وقائمة.
وبهذه الخطوة، بات أحد أبرز المطلوبين لتل أبيب والشخص المخطط "لطوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر وفقًا لإسرائيل، والرجل الذي أفرج عنه الاحتلال عام 2011 ضمن صفقة "شاليط" بعد أن كان أسيرًا في سجونه لأكثر من 22 عامًا، اليوم رئيسًا للحركة.
وفي تعليقه على اختيار حركة "حماس"، قال مجلس الأمن القومي الأميركي إن يحيى السنوار الآن صاحب القرار الرئيسي في عملية التفاوض، مطالبًا بالعودة إلى المحادثات.
من جهته، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنه يتعين على السنوار أن يقرر بشأن وقف إطلاق النار في القطاع، مشيرًا إلى أنه كان ولا يزال صاحب القرار الأساسي في هذا الصدد.
وتؤكد التصريحات الأميركية بمختلف مستوياتها السياسية والأمنية وقوف واشنطن إلى جانب إسرائيل، وتصف المرحلة بأنها الأقرب لإنجاز اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
أما اختيار الحركة للسنوار فيأتي في الوقت الذي تدق فيه طبول مواجهة مفتوحة الاتجاهات في المنطقة، مع اشتباك لا تنقطع نيرانه في قرى الجنوب اللبناني والجبهة الشمالية لإسرائيل.
هذا بالتزامن مع حشد عسكري أميركي وتلويح إيراني برد وشيك. وفي هذا الإطار، اعتبر قائد الجيش الإيراني أن اختيار حركة "حماس" ليحيى السنوار رئيسًا لمكتبها السياسي يمثل "قتلًا للأمل الإسرائيلي بالنصر".
عناوين العهد الجديد لـ"حماس"
ومتابعةً لهذه التطورات يرى طارق حمود أستاذ العلوم السياسية بجامعة لوسيل أن المرحلة اليوم هي من تتكلم عن العناوين العريضة للسنوار، مشيرًا إلى أنه هو أصلًا من وضع العناوين العريضة للحركة قبل أن يتولى القيادة.
ويوضح حمود أن 7 أكتوبر هو العنوان العريض اليوم وأن كل التداعيات وما يجري يأتي في ظلال الحرب، وبالتالي ربما يكون السنوار قد فرض العناوين العريضة على أجندة الحركة قَبل انتخابه.
كما يلفت حمود في حديثه إلى التلفزيون العربي، إلى أن انتخاب يحيى السنوار يمثل رسالة صلبة لإسرائيل مفادها أن الاغتيال السياسي لا يؤثر على الحركة سلبًا، وإنما يمكن أن يأتي بنتائج عكسية.
فخروج شخصية مثل السنوار المعروف بصلابته وتشدده ووقوفه في الميدان، قد يكون الرسالة الأولى لإسرائيل على حد قوله.
وفيما يتعلق بالأجندة السياسية لحركة "حماس"، يقول حمود إنه من المبكر اليوم التحدث عنها، ولا يمكن التحدث عنها إلا في سياق انتهاء الحرب.
ويشرح من الدوحة: "ربما هذا هو الذي دفع حماس للذهاب إلى قطاع غزة من خلال اختيار السنوار.. والأجندة السياسية على جدول أعمال حماس لا يوجد عليها إلا إيقاف الحرب على غزة ".
ويردف أستاذ العلوم السياسية أن حركة "حماس" تنظيم لا مركزي وتتشكل من 3 أقاليم منذ 2009، وهي التي تشكل القيادة بشكل متساوٍ، وهي: الضفة الغربية، وقطاع غزة، والخارج.
أي أن حركة "حماس" تعمل بتنظيم شبكي لا مركزي وتتمتع فيها الأقاليم باستقلالية عالية، وكل منها يطرح أجندته الإقليمية، مشيرًا إلى أنه "لا شك بأن بعد حدث مثل 7 أكتوبر تصبح الأجندة الإقليمية هي أجندة عامة على مستوى السياسة الدولية".
صدى اختيار السنوار في إسرائيل
بدوره، يرى الدكتور بلال الشوبكي رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل أنه على الصعيد الرسمي لا يوجد توافق شبه عام في إسرائيل بشأن كيفية التعامل مع مثل هذا القرار من قبل حركة "حماس"، أي أن البعض يعتبر أنه يجب على إسرائيل مراجعة سياسة الاغتيالات.
ويوضح الشوبكي: "بمعنى أن مجرد قدرة حماس بكل تجانس على ملء فراغ هنية الذي تم اغتياله خلال أيام، فهذه رسالة لإسرائيل بأن سياسة الاغتيال لم تكن سوى عملية ثأر بمنطق عصبي لا علاقه لها بالإنجازات الأمنية والعسكرية".
وذكر الشوبكي في معرض حديثه أيضًا إلى التلفزيون العربي أن بعض المراقبين في إسرائيل يرون في ذلك أداة من أدوات إعادة تقييم المشهد برمته، ويقول: "إذا كانت حركة حماس حتى هذه اللحظة ما زالت قادرة على الاختيار بهذه الطريقة السلسة دون أن يظهر نوع من الارتباك على مشهدها التنظيمي معناه أن كل ما قيل خلال الأشهر الماضية حول قدرة إسرائيل على تفكيك التنظيم ذر للرماد في العيون".
ويردف الشوبكي من الخليل أن الإجماع على السنوار يدحض أيضًا محاولات تسويق المتحدثين الرسميين الإسرائيليين لوجود خلافات داخل قيادات "حماس" في الضفة وغزة والخارج، وفضح أوهام وجود أزمة ما بين الساسة والعسكر في "حماس".
ويتابع: "عندما يأتي اختيار السنوار على رأس المكتب وهو ذات صبغه عسكرية من الناحية التأسيسية.. يعني بشكل أو بآخر أن حماس تقول لإسرائيل إنها ما زالت قادرة على أداء أعمالها التنظيمية بشكل واضح".
ثقل السنوار
أما الدكتور حسن البراري أستاذ العلاقات الدولية فيتوقف عند حديث وزير الخارجية الأميركي عن أن السنوار هو اللاعب الذي يتخذ القرار، مؤكدًا أن لدى القيادي في "حماس" ثقل كبير جدًا في صناعة القرار لكونه المخطط للسابع من أكتوبر، وهو الذي يدير المعركة على أرض الميدان.
وبالتالي، هناك انطباع لدى واشنطن وبعض الدول العربية أيضًا بأن الذي كان يتشدد في الموقف هو السنوار وفق البراري، على اعتبار أن الحركة فيها جناح "معتدل" وآخر "متشدد" وفق الولايات المتحدة.
ويشير أستاذ العلاقات الدولية إلى أنه من وجهة نظر هؤلاء، فإن التنوع أو التغيير في الشخصيات سيفضي إلى موقف مغاير لما تقوم به "حماس".
ويستكمل البراري من عمان: "حماس هدفها الأول إيقاف العدوان على غزة.. واختيار السنوار استمرارية لتوجهات الحركة منذ فترة وهي الإصرار على إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة".