يستقبل المسلمون في عدد من دول العالم أول أيام شهر رمضان المبارك يوم غد الإثنين. غير أنّ الحرب على قطاع غزة والمجاعة التي يُعانيها سكانه، تُلقي بظلالها على المعتاد من مظاهر الاحتفال.
من جهة أخرى، يُكافح الكثيرون أيضًا لشراء الغذاء، حيث لا يزال التضخّم مرتفعًا في العديد من البلدان ويتفاقم في بعضها.
القدس.. حداد
تغيب مظاهر الاحتفال بشهر رمضان في القدس المحتلة، بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي دخل شهره السادس.
وعلى النقيض من السنوات السابقة، لم تشهد البلدة القديمة الزخارف المعتادة، وسادت أجواء كئيبة مماثلة في البلدات بأنحاء الضفة الغربية المحتلة، حيث استشهد نحو 400 فلسطيني برصاص الاحتلال أو المستوطنين منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفرض جيش الاحتلال شروطًا على دخول المسجد الأقصى خلال رمضان. وتُعتبر الصلاة في المسجد خلال الشهر الفضيل "حلمًا لكل فلسطيني ومسلم وعربي"، وفقًا لما قاله للوكالة أكرم البغدادي، أحد سكان رام الله الذي تتوزع عائلته الممتدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
من جهته، قال عماد منى، الذي يملك مكتبة خارج البلدة القديمة: "هناك تخوف كبير بين الناس حول شكل رمضان هذا العام، وكيفية تصرف الشرطة الإسرائيلية فيما يتعلق بالدخول والخروج من المدينة".
الولايات المتحدة.. "الشعور بالذنب" تجاه غزة
في الولايات المتحدة، يُخيم الشعور بالذنب على العديد من الأميركيين المسلمين، بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي أدى إلى استشهاد أكثر من 31 ألف فلسطيني، وطرد معظم السكان من منازلهم، ودفع مئات الآلاف إلى حافة المجاعة.
وتسعى سونيا أودين، وهي أميركية باكستانية من الجيل الثاني تعيش في مقاطعة أورانج بولاية كاليفورنيا، للحفاظ على تقاليد والديها المهاجرين فيما يتعلّق بإحياء الشهر الفضيل من تقرّب إلى الله، وتواصل مع الأقرباء والأصدقاء.
وقالت: "بالنسبة لي، شهر رمضان هو شهر الابتعاد عن العالم الخارجي والتفرّغ لعلاقتي بالله. لكن هذا العام مختلف، لأنّه يتوجّب علي أن أواصل نشاطي لإسماع صوت الفلسطينيين الذين لا صوت لهم".
بدوره، أشار أحمد أيوب، أميركي من أصل فلسطيني يبلغ من العمر 20 عامًا، إلى أنّه يتطلع إلى قضاء أيام الجمعة في المركز الإسلامي بالمدينة وتناول الإفطار مع عائلته، لكنّ الشعور بالذنب بدأ يتسلّل بالفعل إلى داخله.
وقال أيوب: "سأعود إلى المنزل لأفطر وجبة كاملة، بينما يُعاني أفراد عائلاتنا وأقاربنا في فلسطين من المجاعة".
مصر.. اللحوم أصبحت ترفًا
الأسبوع الماضي، قامت الحكومة المصرية بتعويم عملتها كجزء من خطة إنقاذ طارئة من صندوق النقد الدولي، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
ومصر هي أكثر الدول اكتظاظًا بالسكان في العالم العربي، ويعاني عدد كبير من سكانها من الفقر. وحتى في السنوات الأخيرة، كافحت الطبقة المتوسطة لتغطية نفقاتها.
وبينما كان يشتري الخضار من حي السيدة زينب الشهير، قال عبد الكريم صلاح، وهو موظف حكومي وأب لأربعة أطفال، لوكالة أسوشييتد برس: "الوضع صعب للغاية. نحن نشتري فقط الضروريات، وبالنسبة لنا، وللكثيرين مثلنا، أصبحت اللحوم ترفًا".
السودان.. أكبر أزمة جوع في العالم
ويحل شهر رمضان في السودان، بينما يحتاج نصف السكان أي 25 مليون شخص، إلى المساعدة المنقذة للحياة، ويعاني حوالي 18 مليونًا من "انعدام الأمن الغذائي الحاد"، مع تسجيل تقارير عن وفاة أطفال بسبب سوء التغذية.
كما نزح 6.3 ملايين شخص داخليًا بحثًا عن الأمان من القتال المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل/ نيسان الماضي.
ويعتمد السكان في الخرطوم على المطابخ الجماعية التي يديرها متطوعون يقومون بتوزيع الطعام لأهالي كل حي.
وبما أنّها تعتمد على مساهمات الخيرين وعدد من المنظمات الإنسانية، تعاني هذه المطابخ الجماعية أيضًا من توقّف الدعم، بسبب انقطاع الاتصالات وخدمات التحويلات البنكية عبر تطبيقات الهواتف.
ليبيا.. اقتصاد شبه منهار
أما في ليبيا، فيحل شهر رمضان في ظل أزمة اقتصادية خانقة، حيث يشهد الاقتصاد الليبي انهيارًا بشكل كبير، بينما تواصل قيمة الدينار الليبي الهبوط.
وقال أحمد الشكري وهو موظف يعيل أسرته المكونة من سبعة أفراد لوكالة الأناضول: "الليبيون من أكثر الشعوب الإسلامية الذين يفضّلون الاستعداد لرمضان، بشراء جميع ما يلزم من مواد غذائية ولحوم وتوابل وغيرها".
وأضاف أنّ هذه العادات انخفضت بسبب ارتفاع الأسعار بشكل خيالي، ناهيك عن تأخر صرف الرواتب لأكثر من شهرين.
اليمن.. جيوب خاوية
من جانبه، يعيش اليمن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، جراء تداعيات الحرب. ويُواجه 17.6 مليون شخص من أصل 35 مليونًا انعدام الأمن الغذائي الحاد عام 2024.
ويستقبل اليمنيون رمضانهم العاشر دون أفق لحل الصراع في البلاد، إضافة لاستمرار تدهور العملة المحلية والارتفاع الحاد في الأسعار.
وقال المواطن عبد الله ناصر لوكالة الأناضول: "نستقبل رمضاننا العاشر ونحن نعيش أسوأ أوضاع معيشية في العالم، فلم نعد نملك قوتنا اليومي بسبب الحرب، لم نشتر أي شيء من متطلبات شهر رمضان، فنحن لا نملك المال".
لبنان.. حرب وأزمة اقتصادية
إلى ذلك، تراجع الاهتمام بزينة رمضان في عدة مدن رئيسية بلبنان، في ظل التصعيد على الجبهة الجنوبية المستمر منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توزايًا مع العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث أدى القصف الإسرائيلي إلى سقوط عدد من الشهداء ودمار واسع في عدد من القرى اللبنانية.
كما تترك الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يمر بها لبنان أثرها على غياب الاحتفالات إلى حد بعيد بمناسبة حلول الشهر الفضيل؛ ففي ظل الأزمة الاقتصادية فقدت الليرة 95% من قيمتها منذ عام 2019، ما أدى إلى انهيار القدرة الشرائية للبنانيين.
سوريا.. خيم مهترئة وغلاء غير مسبوق
ووسط غلاء وارتفاع غير مسبوق في الأسعار، حلّ شهر الصوم على مئات آلاف النازحين السوريين في الشمال السوري وعدد من البلدان التي لجأوا إليها.
فقد أثقل العجز المالي كاهل النازحين خاصة مع حلول الشهر الفضيل، الذي يصطحب معه بعض الضروريات الأساسية من المؤن والغذاء.
ونقلت "الأناضول" عن محمد فيصل النازح السوري الضرير والأب لخمسة أولاد، قوله: "لا أستطيع إعداد وجبة الإفطار بسبب الفقر، فالظروف المعيشية في المخيمات سيئة للغاية، ولا أستطيع تلبية احتياجات أطفالي كما أن المخيمات باردة جدًا في الشتاء وحارّة جدًا في الصيف".
إندونيسيا.. ارتفاع الأسعار يهدد الأعياد
في إندونيسيا، التي تضمّ أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم، تختلف طقوس رمضان حسب المنطقة، ما يعكس ثقافة البلاد الغنية والمتنوعة. ويحتفل الكثيرون بتناول لحم الرندانج المطهو ببطء في حليب جوز الهند والتوابل المحلية.
لكن خلال هذا العام، قد لا يتمّكن الكثيرون من إحياء هذا التقليد، حيث تعاني البلاد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب التضخّم في جميع أنحاء العالم وضعف محصول الأرز المحلي.
ووقفت ساري يانتي (أم لثلاثة أطفال)، في طابور طويل عند إحدى نقاط التوزيع العديدة في العاصمة جاكرتا، لشراء الأرز المدعوم من الدولة وغيره من السلع الأساسية.
وقالت لوكالة أسوشييتد برس: "الأسعار ترتفع بشكل كبير، وأي شيء يتعلّق بالطهي آخذ في الارتفاع". وتُنظّم المساجد والجمعيات الخيرية في البلاد وجبات إفطار مجانية للفقراء.