الخميس 5 Sep / September 2024

رواد الفن الحديث ضحية التزييف.. تجارة اللوحات المزورة تزدهر في العراق

رواد الفن الحديث ضحية التزييف.. تجارة اللوحات المزورة تزدهر في العراق

شارك القصة

تقرير سابق يسلط الضوء على رسام عراقي يبيع لوحاته على قارعة الطريق (الصورة: غيتي)
تعد أعمال رواد الفن العراقي الحديث التي تعود لأربعينيات القرن العشرين وخمسينياته وستينياته أولى ضحايا عمليات الاتجار والتزوير.

تواجه أعمال رواد الفن العراقي الحديث محاولات التزييف والتزوير وسط غياب القوانين الرادعة وارتفاع صخب السياسة وتراجع الاهتمام بالفن. 

ففي المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد، تعتبر "الموت للاستعمار" إحدى اللوحات النادرة الأصلية لشاكر حسن آل سعيد والتي نجت من الفوضى حين اندلعت في العراق عام 2003 مع الغزو الأميركي، وكانت فرصة لتعزيز أعمال التقليد والإتجار غير الشرعي بلوحات منهوبة.

"الموت للاستعمار"

وتُعدّ "الموت للاستعمار"، بدرجاتها الغامقة التي تتراوح بين الرمادي والأزرق، إحدى جواهر الفن العراقي. وتشهد هذه اللوحة التي أُنجِزت في سبعينيات القرن الفائت على هذه العقود المزدهرة للفنون التشكيلية العراقية، عندما كان شاكر حسن آل سعيد مع جواد سليم ومجموعة أخرى من الفنانين يعملون ضمن مجموعة بغداد للفن الحديث.

وتشرح الكاتبة تمارا الجلبي، مديرة مؤسسة "رؤيا" للفن المعاصر أن "لأعمال شاكر حسن آل سعيد أهمية كبيرة بالنسبة إلى الفن العراقي الحديث وحتى بالنسبة إلى الفن الشرق أوسطي".

وتصل أحيانًا أسعار لوحات الرسام الذي توفي عام 2004 عّن عمر ناهز 80 عامًا إلى 100 ألف دولار في غرف المزاد.

محاولات لتزييف أعمال محمود شاكر حسن

وقال نجله محمود شاكر حسن آل سعيد لوكالة "فرانس برس": إن عائلته، حرصًا منها على حماية تراثه، أدرجت "أرشيفاته كاملة" - نحو ثلاثة آلاف عمل إجمالاً- وهي في صدد إصدار كتالوغ جديد بالتعاون مع مؤسسة حسنين الإبراهيمي في عمان. و هذه الخطوة تعتبر "حصانة" ضد محاولات التزييف، على قوله.

ويقول الطبيب الذي يعيش في العاصمة بغداد: "بعد 2003 حصلت فوضى في العراق على الصعد كافة، وطالت الفنون طبعًا". وهذه الظروف أتاحت الفرصة "لبعض النفوس الضعيفة لمحاولة تقليد الأعمال والإفادة منها ماديًا".

ويؤكد الطبيب الخمسيني الذي يتواصل بشكل دائم مع دور المزادات والمعارض الدولية "لقد أوقفنا الكثير من محاولات بيع أعمال مزورة". 

"الموت للاستعمار" إحدى اللوحات النادرة الأصلية لشاكر حسن آل سعيد (تويتر)
"الموت للاستعمار" إحدى اللوحات النادرة الأصلية لشاكر حسن آل سعيد (تويتر)

ويضيف: "رصدنا في الآونة الأخيرة عملًا مزورًا في إحدى قاعات العرض في بغداد". وتواصل محمود شاكر حسن آل سعيد مع المعرض عبر شبكات التواصل الاجتماعي لمطالبته بازالة اللوحة، ولكن دون جدوى.

"مئات الآلاف من الدولارات" 

وتعد أعمال رواد الفن العراقي الحديث التي تعود إلى أربعينيات القرن العشرين وخمسينياته وستينياته والتي اختفت مع سرقة آلاف القطع من المتاحف والمؤسسات العراقية عام 2003، أولى ضحايا الاتجار والتزوير. 

وتبدو أفضل طريقة لتجنب عمليات الاحتيال في مجال فني صغير حيث يعرف الجميع بعضهم بعضًا هي التواصل مع عائلة الفنانين أو أصدقائهم، أو حتى الفنان نفسه إذا كان ما زال على قيد الحياة، أو مع الأكاديميين والخبراء، للتأكد من أصالة اللوحات.

ويقول سلطان سعود القاسمي، جامع التحف في الإمارات العربية المتحدة، إن "الفن العراقي الحديث أو المعاصر، من أهم مصادر الإنتاج الفني في الوطن العربي".

وتعتبر الأعمال العراقية من حيث ثمنها من ضمن "المرتبات العشر للأعمال الأعلى ثمنًا في المنطقة"، على ما يؤكد مؤسس مؤسسة "بارجيل" للفنون، وهو متحف في الشارقة يعرض فيه أكثر من ألف عمل من العالم العربي.

ولفت في تصريح لوكالة "فرانس برس" إلى أن "بعض الأعمال الفنية العراقية تباع اليوم بمئات الآلاف من الدولارات" مستشهدًا بأعمال كاظم حيدر أو ضياء العزاوي. وقال: "المقلدون يلاحظون نتائج المزادات، إنه حافز لصنع أعمال مزورة بحرفية أعلى وأعلى". 

يظهر لغز المصادقة والمطابقة في جميع أنحاء المنطقة- في مصر ولبنان وسوريا مثلاً وفي بعض الأحيان من الصعب التأكد من أصالة لوحة- لكن "المشكلة حادة بشكل خاص في العراق، بسبب حزمة التحديات: هجرة الفنانين، الحروب المتتالية"، وفق ما يقول سلطان سعود القاسمي.

أعمال فنية كثيرة كانت ضحية للسرقات والتزويير - غيتي
أعمال فنية كثيرة كانت ضحية للسرقات والتزويير - غيتي

آلاف الأعمال المسروقة 

ولا يزال المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد التابع لوزارة الثقافة يبحث اليوم عن أعمال مسروقة بحسب المدير السابق للمؤسسة علي الدليمي المتقاعد حديثًا.

ويقول الدليمي: "قبل عام 2003 كان لدينا ثمانية آلاف عمل واليوم يوجد نحو ألفَين". ويضيف أن المتحف اقتنى بعد الغزو الأميركي "أعمالاً فنية جديدة وأعمالاً مفقودة أعيدت" إليه.

ويلفت إلى أن التحديات ما زالت كثيرة. فقبل 2003 "لم تكن لدينا تقنية في حفظ الأعمال، كان التوثيق كتابيًا فقط، ولذلك لا نستطيع حاليًا أن نطالب بتلك الأعمال لأنها غير موثقة لدينا".

وفي عام 2017، وبسبب "خلاف حول الملكية"، أعلنت دار كريستيز أنها ستسحب من المزاد في دبي لوحة رسمها فائق حسن عام 1968. لكن رغم ذلك لم تتم إعادة اللوحة إلى العراق. وحينها أوضحت نائبة عراقية أن هذه اللوحة ربما عرضت في نادٍ تابع لوزارة الدفاع قبل تهريبها إلى الخارج.

الحاجة لرادع قانوني

ويطالب الناقد الفني صلاح عباس المؤسسة الحكومية الثقافية باللجوء إلى قضاة وقانونيين لسنّ القوانين لمواجهة ظاهرة تقليد الأعمال الفنية وتزويرها. ويقول: "في العراق نعيش صخب السياسة، لا توجد أية حماية للعمل الفني، مما حجب سنّ قانون يحدّ من ظاهرة التزوير". 

في معرضه الأنيق، يأسف حيدر هاشم ناجي من "كثرة تزوير الأعمال الفنية"، ملاحظًا أن هذه المسألة "أثرت سلبًا على سمعة الفن العراقي".

تابع القراءة
المصادر:
العربي- وكالات