مع عودة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى المنطقة، بادر بإلقاء اللوم على حركة حماس في تعطيل الوصول لاتفاق حول وقف النار في غزة، مطالبًا دول المنطقة بممارسة ضغوط إضافية على الحركة للقبول بالمقترح الموضوع على الطاولة، بعد تأكيده موافقة الحكومة الإسرائيلية.
في المقابل، وفي إطار التعامل مع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي انسحب منها الوزيران بيني غانتس وغادي آيزنكوت، قال مسؤول أميركي لشبكة "إن بي سي"، إن إدارة جو بايدن تدرس إمكانية تفاوضها بشكل أحادي مع حماس للإفراج عن 5 محتجزين أميركيين.
من جهتها، ردت حركة حماس على تصريحات وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، واعتبر رئيس الدائرة السياسية في الخارج سامي أبو زهري أن تصريحات بلينكن منحازة إلى إسرائيل، وتشكل عقبة حقيقية أمام التوصل إلى اتفاق، مشيرًا إلى أنها تمثل غطاء للمحرقة التي يمارسها الاحتلال في غزة.
بالتزامن مع ذلك، أكد بيان مشترك لحماس والجهاد الإسلامي موقفهما تجاه أي اتفاق، وهو وجوب أن يتضمن وقفًا دائمًا للعدوان وانسحابًا شاملًا من القطاع، وإعادة الإعمار وإنهاء الحصار وصفقة تبادل جادة.
وفي ظل تعقد المشهد السياسي في إسرائيل، تتضاءل فرص حلحلة المفاوضات الراكدة، بالتوازي مع تحذيرات غربية من تداعيات استقالة الوزير بيني غانتس، خاصة مع زيادة ملحوظة في مكاسب اليمين المتطرف.
ونقلت صحيفة "هآرتس" العبرية عن دبلوماسي غربي قوله إن الجميع يدرك أنه سيكون من المستحيل تقريبًا القيام بصفقة تبادل في ظل حكومة إسرائيلية تعتمد كليًا على المتطرفين، وهو ما تشهد عليه تصريحات كل من وزيري الأمن والمالية إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، التي تذهب إلى حد الاحتفال بانسحاب غانتس.
على ماذا يعتمد نتنياهو؟
وفي هذا الإطار، أوضح الباحث في الشأن الإسرائيلي شادي الشرفا أن موقف نتنياهو يتماهى كليًا مع موقف الإدارة الأميركية، رغم بعض الاختلافات والتباينات الناتجة من سعي واشنطن في الفترة الأخيرة إلى استمالة مواقف جزء كبير جدًا من الشباب في أميركا الذين يرفضون حرب الإبادة، ويعتبرون أن الإدارة الأميركية شريكة في الحرب على قطاع غزة.
وفي حديث إلى "العربي" من القدس، أضاف الشرفا أن المناكفة التي يقوم بها نتنياهو مع الولايات المتحدة الأميركية ليست إستراتيجية، بل هي على تكتيكات فقط، موضحًا أن الموقف الأميركي المعلن يتماهى مع الموقف الإسرائيلي في مسألة "القضاء على حركة حماس".
وتابع أن نتنياهو تاريخيًا كان يستفيد من المناكفات مع الولايات المتحدة الأميركية من ناحية القاعدة الشعبية اليمينية المتطرفة التي تعتبره الشخص الوحيد، الذي يستطيع أن يقول لا للإدارة الأميركية.
الشرفا أشار إلى أن استطلاعات الرأي تعطي نتنياهو المزيد من القوة عندما يعارض الأميركيين، وهو ينتظر بفارغ الصبر خطابه في الكونغرس الأميركي، لأنه يعتمد على تأييد واسع جدًا من الجمهوريين الأيديولوجيين المقتنعين بالأهداف الإسرائيلية وجزء من أعضاء الكونغرس لدرجة أنه صرح بأنه لا يوجد مدنيون بريئين في قطاع غزة.
وأوضح أن هذا التماهي مع الجمهوريين وجزء أيضًا من الديمقراطيين هو مصدر قوة نتنياهو، بالإضافة إلى أن هناك قوى ولوبي صهيوني قوي جدًا موجود في الولايات المتحدة الأميركية.
وقال الشرفا: إنه "من الصعب جدًا التكهن بمصير نتنياهو السياسي، لأنه بناء على استطلاعات الرأي الإسرائيلية بدأت شعبيته تصعد من جديد، لافتًا إلى أن مسألة الإطاحة به ليست مرتبطة فقط بالانتخابات، لأن الائتلاف الذي يدعم نتنياهو بناء على كل استطلاعات الرأي يحصد ما بين 52 إلى 54 مقعدًا، وهذا غير كاف لتشكيل حكومة.
وتابع أن المعارضة لنتنياهو لا تستطيع أن تحصد المقاعد الكافية لإسقاط هذا الأخير، إلا إذا اعتمدت على الأصوات العربية، وهذا مستبعد لأن عدة شخصيات قالت إنها لن تعتمد على الأصوات العربية.
هل ترضخ حماس للضغط الأميركي؟
من جهته، تحدث الكاتب السياسي أحمد الحيلة، عن أن "السيمفونية" التي تأتي على لسان بلينكن هي نفسها التي كنا نسمعها قبل 6 أيار/ مايو الماضي، عندما كان يتحدث هو ذاته عن وجود عرض سخي على حماس أن تقبله، وعندما قبلته هذه الأخيرة، رفضته إسرائيل.
وأضاف في حديث لـ"العربي" من اسطنبول، أن بعد ذلك التزمت الإدارة الأميركية الصمت، ولم تكن لديها الجرأة بأن تقول إن إسرائيل هي التي عطلت مسار المفاوضات.
ولفت الحيلة إلى أن الإدارة الأميركية تضع في ميزان حساباتها الانتخابات، أي إذا كان إرضاء إسرائيل يمكن أن يدفع أو يعطي دفعًا للمسار والسباق الانتخابي لبايدن، إذًا لا بد من إرضاء تل أبيب حتى لو كان على حساب دماء الفلسطينيين.
الحيلة الذي استبعد أن تغير حماس موقفها بوقف الحرب نتيجة الضغط الأميركي، لأن الإدارة الأميركية لا تملك أوراقًا للضغط على الحركة، أعرب عن اعتقاده أن الدول العربية مستاءة من الموقفين الأميركي والإسرائيلي لأنه واضح للوسطاء تمامًا أن التعنت الإسرائيلي هو السبب في التعطيل وليس حماس.
وأكد الحيلة أن موقف حماس واضح وهو المطالبة بوقف إطلاق النار وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما يطالب به الرئيس الأميركي، مشيرًا إلى أن ذهابه إلى مجلس الأمن يشكل نوعًا من ضغط على نتنياهو.
ونبه إلى أن هناك بندًا في مشروع القرار الأميركي يقول إن الوسطاء يعطون غطاء لاستمرار المفاوضات أثناء تطبيق إطلاق سراح الرهائن، بمعنى أنه يريد أن يأخذ الرهائن ويبقي مسألة وقف إطلاق النار تحت مظلة المفاوضات التي يمكن أن تأخذها تل أبيب لعشرات السنوات إلى الأمام دون الوصول إلى نتيجة.
مفاوضات بين "أميركا وحماس"
وبشأن استعداد واشنطن لإجراء مفاوضات مع حماس بعيدًا عن إسرائيل، أوضح الحيلة أن هذا له دلالة كبيرة جدًا تتمثل في أن الإدارة الأميركية يائسة من نتنياهو ومن حكومة الاحتلال الإسرائيلي.
واستبعد أن تعطي حماس الولايات المتحدة الأميركية، وتحديدًا إدارة الرئيس بايدن، هدية بالمجان، وتساءل ماذا يمكن أن تقدم واشنطن للفلسطينيين؟
وأعرب الحيلة عن اعتقاده أن هذه مناورة في محاولة لأخذ الأسرى مزدوجي الجنسية الأميركيين للترويج في الدعاية الانتخابية لبايدن على حساب دماء الفلسطينيين.
لماذا لا تضغط واشنطن على تل أبيب؟
من ناحيته، قال المخطط الإستراتيجي للحزب الديمقراطي ريتشارد غودستين: إن "الإدارة الأميركية ترى أن إسرائيل ليست في أمان مع وجود حركة حماس".
وفي حديث لـ"العربي" من واشنطن، أضاف غودستين، أن واشنطن تفرض ضغطًا على إسرائيل، مشيرًا إلى أن هناك أسلحة لن يتم إرسالها إلى تل أبيب.
ورأى غودستين أنه إذا تم الاتفاق على المقترح الجديد من قبل حماس، فسوف يتوقف القتال فورًا، لكن ليس بشكل دائم، مشيرًا إلى أن موقف نتنياهو هو القضاء على حماس.
وقال: "لا أعلم إذا ما كانت الولايات المتحدة الأميركية يمكنها فرض رغبتها على نتنياهو، لأن هذا الأخير لم يكن صديقًا للرؤساء الديمقراطيين في البلاد".
وأردف غودستين أن نتنياهو يأمل في أن يعود دونالد ترمب إلى سدة الحكم، ما قد يمنحه الضوء الأخضر لبناء أكبر عدد من المستوطنات، إضافة إلى الضغوط على المسلمين في الولايات المتحدة.
وشكك في إمكانية أن تتفاوض واشنطن مع حركة حماس بشأن إطلاق محتجزين أميركيين، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لن يساعد بايدن سياسيًا.