قام الرئيس الفلسطيني محمود عباس بزيارة نادرة هي الأولى منذ عشر سنوات إلى داخل إسرائيل، والتقى خلالها وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس لإجراء محادثات بشأن قضايا اقتصادية وأمنية.
وقال الجانب الفلسطيني: إن الزيارة تهدف إلى خلق أفق سياسي يؤدي إلى حل وفق قرارات الشرعية الدولية.
يأتي ذلك في وقت تحدثت فيه مصادر إسرائيلية عن تسهيلات اقتصادية ستمنحها الحكومة الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية، صنفتها في خانة إجراءات بناء الثقة.
تبادل هدايا ووعود
ووفق وزارة الدفاع الإسرائيلية، نوقشت على طاولة البحث في منزل غانتس قضايا أمنية فحسب.
وعلى تلك الرواية تضيف الصحف الإسرائيلية أنهما تبادلا الهدايا كما الوعود باستتباب الأمن وبمنح تل أبيب للسلطة المزيد من المساعدات.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي قد خبِر الطريق إلى رام الله قبل أشهر قليلة، حين زار الرئيس الفلسطيني بحثًا عن تسوية ما.
وهذه التسوية يصرّ فلسطينيون أن مبتدأها إحياء المفاوضات المفضية إلى حل الدولتين، وهو حل لا يبدو واردًا في ظن الإسرائيليين الباحثين عن تثبيت الوضع القائم.
غضب فلسطيني
وكانت رمزية لقاء عباس وغانتس اليوم في مخيال الفلسطينيين باعثة على الغضب.
وفي هذا الصدد، تواترت بيانات الإدانة عن الفصائل الفلسطينية. ففي التعريف قالت حركة حماس: إن اللقاء لا يخدم إلا الإسرائيليين. أما في التوصيف فعدته حركة الجهاد الإسلامي تنسيقًا أمنيًا في لحظة فلسطينية حرجة.
ومن حيث التصنيف، فإن اللقاء في رأي الحركة الشعبية "رهان خاسر".
"الزيارة رسالة إلى الاحتلال"
تعليقًا على التطورات، يوضح رئيس المكتب الإعلامي لحركة فتح منير الجاغوب أن زيارة عباس اليوم كانت رسالة من السلطة الفلسطينية وعلى رأسها محمود عباس إلى الاحتلال الإسرائيلي بأن الشعب الفلسطيني ضاق ذرعًا بالاحتلال وممارساته اليومية.
ويعدد في حديث إلى "العربي" من رام الله، من هذه الممارسات حصار قطاع غزة وتهويد القدس وقضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والتنكيل بالفلسطينيين وإفلات المستوطنيين في الشوارع وإعدام الفلسطينيين في كل مكان.
ويردف: "قال لهم إن الانفجار قادم. نحن لا نبحث فقط عن مدخل سياسي، بل عن حل سياسي للقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية".
ويضيف: "قد يُعيب البعض على الرئيس هذه الخطوة، ولكنه سيذهب إلى آخر العالم ليبحث عن أي حل للقضية الفلسطينية".
وبينما يشير إلى احتياجات يومية معروفة للشعب الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، يلفت إلى أن "الكثير من المشاكل التي يعاني منها الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده هنا وفي الشتات تمت مناقشتها".
"لقاء تنسيق أمني لا أكثر"
بدوره، يعتبر الناطق باسم حركة "الجهاد الإسلامي" داوود شهاب أن لسان حال الغضب الفلسطيني والمواجهات التي يخوضها الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وكل مكان يقول إن الأمور قابلة للانفجار، بل منفجرة أصلًا وأن الانتفاضة تشتعل الآن.
وعليه، يؤكد في حديث إلى "العربي" من غزة، أن "لا حاجة للذهاب إلى الداخل الفلسطيني المحتل ولقاء بيني غانتس الذي يعطي الأوامر للجيش الإسرائيلي بقتل أبناء الشعب الفلسطيني على الحواجز".
وإذ يلفت إلى تصريح وزارة الحرب الإسرائيلية لجنود الاحتلال بتوسيع صلاحيات إطلاق النار على المدنيين الفلسطينيين، يذكر بأن من اتخذ هذا القرار هو بيني غانتس.
ويشدد على أن العنوان الحقيقي للقاء عباس وغانتس هو "لقاء تنسيق أمني" لا أكثر، والتأكيد على الوظيفة الأمنية للسلطة الفلسطينية، رافضًا "تجميل الصورة".
ويؤكد أن الرسالة التي يجب أن تصل إلى العدو الإسرائيلي هي وحدة الشعب الفلسطيني، وإعلان تشكيل قيادة وطنية موحدة للتصدي للاحتلال والتغول الاستيطاني والاستعماري ولمشاريع الضم.
وإذ يتوقف عند ما ورد في بيان الجانب الفلسطيني من حيث البحث عن أفق سياسي وكسر الجمود في عملية التسوية، يسأل: لِم نكسر الجمود في عملية التسوية، وما الذي جرّته علينا عملية التسوية والمفاوضات مع العدو الإسرائيلي على مدار أكثر من ربع قرن؟.
ويضيف: "بدلًا من الذهاب إلى قادة العدو ومجرمي الحرب وقتلة الأطفال يجب الذهاب إلى الداخل الفلسطيني"، مؤكدًا أنه "كان يمكن لإعلان تشكيل قيادة وطنية موحدة ـ وفق ما جاء في مخرجات اجتماع الأمناء العامين للفصائل ـ أن يكون أقوى رد ورسالة للعدو الإسرائيلي".
"استراتيجية تعزيز قوة السلطة الفلسطينية"
من ناحيته، يذكر مدير عام مركز "مدى الكرمل" للأبحاث في حيفا مهند مصطفى بأن "الحكومة الإسرائيلية الحالية كانت قد أعلنت أنها لن تذهب إلى تسوية سياسية مع السلطة الفلسطينية، وبأن رئيسها نفتالي بينيت صرّح بأنه لن يلتقي أبو مازن".
ويلفت في حديث إلى "العربي" من أم الفحم، إلى أن هذا الملف أُوكل إلى غانتس.
وبينما يشير إلى أن اللقاء هو الثاني بين غانتس وعباس، وكان سبقه لقاء أول في نهاية أغسطس/ آب الماضي، يوضح أن لقاء هاما حصل بين التاريخين لم يتم الحديث عنه كثيرًا، جمع رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" وأبو مازن.
ويشرح أن الإستراتيجية الإسرائيلية الحالية بالتعامل مع السلطة الفلسطينية هي تعزيز قوة هذه الأخيرة، لأن ذلك ينسجم مع المنظومة السياسية للحكومة الحالية التي تنادي حاليًا باستتباب الوضع الأمني في الضفة الغربية، وإعطاء الفلسطينيين نوعًا من الرفاهية الاقتصادية، وتعزيز الاقتصاد الفلسطيني، وتحسين الأوضاع الفلسطينية اليومية.
ويلفت إلى أن ذلك يدخل بما يسمى الآن في إسرائيل بفكرة تقليص الصراع، وهي ذات جانبين: الأول تعزيز قوة السلطة الفلسطينية مدنيًا وأمنيًا، والثاني تحسين المكانة الاقتصادية والحياة اليومية للفلسطينيين".
ويوضح أن "هذا الأمر يضمن نوعًا من الهدوء في الضفة الغربية، وهو ما تريده إسرائيل من أجل: تعزيز سيطرتها، وتخفيف التوتر الأمني، والبناء الاستيطاني".