الخميس 21 نوفمبر / November 2024

من "لجنة الموت" إلى قصر باستور.. من هو إبراهيم رئيسي؟

من "لجنة الموت" إلى قصر باستور.. من هو إبراهيم رئيسي؟

شارك القصة

إبراهيم رئيسي
دائمًا ما يُذكَر اسم رئيسي باعتباره واحدًا من المرشحين لخلافة المرشد الأعلى علي خامنئي (غيتي)
يتّهم رئيسي بأنه كان واحدًا من القضاة الأربعة الأعضاء في ما أطلق عليه "لجنة الموت" التي كانت تقرر مصير المعارضين الذين اعتقلوا عقب الثورة الإسلامية.

وصل رئيس السلطة القضائية السابق، والمرشح الرئاسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة إبراهيم رئيسي إلى رئاسة الجمهورية في إيران، بعد نيله 62% من أصوات المقترعين، وفق نتائج رسمية غير نهائية.

وبحسب النتائج الأولية التي نقلها التلفزيون الرسمي الإيراني، حصل رئيسي على 17 مليون و800 ألف صوت، والمرشح المحافظ محسن رضائي على 3 ملايين و300 ألف صوت، والمرشح الإصلاحي عبد الناصر همتي على مليونين و400 ألف صوت، والمرشح المحافظ أمير حسين قاضي زاده على مليون صوت.

من هو إبراهيم رئيسي؟

في كل مرة يُحكى فيها عن مرحلة ما بعد المرشد الأعلى الحالي علي خامنئي، والبالغ من العمر 82 عامًا، يطوف اسم عالم الدين المحافظ إبراهيم رئيسي على السطح.

وفي الانتخابات الرئاسية عامي 2017 و2021، كان اسم رئيسي الأبرز من بين المرشحين للوصول إلى رئاسة الجمهورية. فمن هو إبراهيم رئيسي؟ ومن أين حصل على هذه الحيثية لكي يكون على هذا القدر من الأهمية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟

"افتقار للكاريزما"

‏‎يعمل رئيسي، الذي يرى منتقدوه أنه "يفتقر إلى الكاريزما"، بوحي الدروس الدينية والفقهية لخامنئي. ووفق سيرته الذاتية الرسمية، قام رئيسي، الذي يعرف بردائه الديني ونظارتيه الرفيعتين ولحيته المشذّبة التي غزاها الشيب، بتدريس مواد فقهية ودينية في الحوزات العلمية اعتبارًا من عام 2018، خصوصًا في مدينة مشهد المقدسة، مسقط رأسه.

وينظر إلى رئيسي كالمرشح الوحيد القادر على أن يجمع حول شخصه تأييد مختلف المعسكرات السياسية للمحافظين والمحافظين المتشددين "الأصوليين".

وفي الانتخابات الرئاسية هذا العام، كان الساكن الجديد لـ"قصر باستور"؛ القصر الرئاسي في إيران، من أبرز المرشحين حتى قبل إعلان ترشّحه وقبول أهليته من قبل مجلس صيانة الدستور.

وما سهّل الطريق أكثر أمام المرشح المحافظ، هو قرار مجلس صيانة الدستور، الذي منح أهلية خوض الانتخابات لـ7 مرشحين فقط، من أصل أكثر من 500 شخص قدّموا طلبات ترشيح في وزارة الداخلية.

تمهيد الطريق هذا، دعمه غياب المنافسة في الانتخابات، بعد استبعاد المرشحين الإصلاحيين. ويشبه هذا السيناريو ما حصل في الانتخابات البرلمانية بداية عام 2020، حين فاز المحافظون على الإصلاحيين، مع تسجيل أدنى مشاركة انتخابية في تاريخ الجمهورية الإسلامية.

إبراهيم رئيسي

صورة رئيسي في الحملة الانتخابية

ولد رئيسي في مدينة مشهد في نوفمبر/ تشرين الثاني 1960، وبدأ بتولي مناصب عامة في سن مبكرة؛ إذ عيّن مدعيًا عامًا في مدينة كرج قرب طهران وهو في الـ20 من العمر، وذلك بعد فترة وجيزة من انتصار الثورة الإسلامية عام 1979.

ويعكس رئيسي صورة رجل الدين الوقور، ويرسم لنفسه صورة المدافع عن الطبقات المهمّشة، وحامل لواء مكافحة الفساد.

وفي الانتخابات الأخيرة، لم يختر لونًا لحملته الانتخابية كما جرت العادة في إيران، واكتفى برفع شعار "مواجهة الفقر والفساد"، وألوان العلم الإيراني (على سبيل المثال، فإن اللون البنفسجي كان لون حملة الرئيس حسن روحاني؛ واللون الأخضر كان لون حملة الزعيم الإصلاحي مير حسين موسوي في انتخابات عام 2009، ومن هنا جاء لقب الثورة الخضراء).

ويعد رئيسي، البالغ من العمر 60 عامًا، الذي تولى رئاسة السلطة القضائية منذ 2019 حتى فوزه بالانتخابات الرئاسية، من السياسيين المحافظين المتشددين، ومدافعًا عن نظام الجمهورية الإسلامية منذ تأسيسها.

مناصب قضائية متعددة

أمضى رجل الدين الشيعي ذو العمامة السوداء قرابة ثلاثة عقود في هيكلية السلطة القضائية للجمهورية الإسلامية، متنقلًا بين مناصب عدة، منها مدعي عام طهران بين 1989 و1994، ومعاون رئيس السلطة اعتبارًا من 2004 حتى 2014، حين تم تعيينه مدعيًا عامًا للبلاد.

ففي عام 1981، شغل رئيسي منصب المدّعي العام لمدينة كرج، ثم تدرّج حتى بات على رأس المحكمة الخاصّة برجال الدين. وعام 1986 خلف رئيسي مدّعي محكمة الثورة في طهران، وتسلّم بعد ثلاث سنوات المسؤوليّة المباشرة للتحقيق في القضايا القضائيّة لمحافظات لرستان وكرمانشاه وسمنان.

‏‎وبعد وفاة مؤسّس الجمهوريّة الإسلاميّة روح الله الخميني، عيّن رئيس السلطة القضائيّة المؤقت محمد يزدي، إبراهيم رئيسي مدّعيًا عامًا للعاصمة طهران، وكان عمره 29 سنة فقط.

كما شغل منصب رئاسة منظمّة التفتيش لكلّ البلاد لمدة عشر سنوات، وعمل مساعدًا أوّل في السلطة القضائيّة في الدورة الثانية لرئاسة محمود شاهرودي لها، ثم بات مدعيًا عامًّا لكلّ البلاد بين عامي 2015 و2017.

وعام 2016، عينه خامنئي "سادن العتبة الرضوية المقدسة" في مدينة مشهد، خلفًا لعباس واعظ طبسي، وبذلك أصبح وصيًّا على أحد أهم الأوقاف وأغناها في إيران.

الساعات السوداء ولجنة الموت

شارك رئيسي في لجنة الإعدامات عام 1988، أو ما يُطلق عليه لقب "لجنة موت"، حيث وكَّله الخميني إلى جانب بور محمدي بتنفيذ أحكام إعدام لسجناء سياسيين بعدما وجه النظام لهم تهم "العمالة للعراق" إبان الحرب العراقية - الإيرانية.

ويصف الإيرانيون خارج البلاد فترة توليه مناصبه في القضاء بـ"الساعات السوداء"، وعلى ذلك فقد أضيف اسمه إلى قائمة العقوبات الأميركية بذريعة "انتهاك حقوق الإنسان وقربه من خامنئي".

وتعد تلك الإعدامات من الأحداث الأكثر سريّة في تاريخ إيران ما بعد الثورة، ولم يتم التحقيق فيها رسميًا.

وردًا على أسئلة وجهت إليه عامي 2018 و2020 على خلفية هذه الحقبة، نفى رئيسي ضلوعه في هذه الإعدامات أو المسار الذي أفضى إليها، لكنه أبدى تقديره لـ"الأمر" الذي أصدره الخميني لتنفيذ الإجراءات بحق هؤلاء الموقوفين.

‏‎دوره في أحداث انتخابات 2009

‏‎يُعتبر رئيسي أحد داعمي فرض الإقامة الجبريّة على زعماء الحركة الخضراء. وقال حينها: إن هذا الإجراء هو أحد علامات تسامح الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة مع معارضيها، بينما انتقده المعارضون لتبريره ذلك.

‏‎كان رئيسي على رأس هيئة مختصة بالتحقيق بتسعة اتهامات وجهها المرشّح للرئاسة آنذاك مهدي كرّوبي، حيث أشار الأخير إلى امتلاكه وثائق ومستندات تثبت تعذيب المعتقلين إثر أحداث 2009.

لكن رئيسي أعلن بعد ذلك أنّ ما قاله كرّوبي كان ملفّقًا، مؤكدًا عدم وجود مستندات أو وثائق بهذا الخصوص.

ترشّحه لانتخابات عام 2017

فاجأ رئيسي فئاتٍ واسعة بترشّحه للانتخابات الرئاسيّة عام 2017، وبعد أن تلقى دعمًا كبيرًا من المحافظين، نافس المرشح الآخر حسن روحاني.

إلا أنّ رئيسي تعرّض لانتقادات عدّة أثناء رحلة ترشّحه، فالبعض رأى أنّه غير مؤهلٍ لإدارة البلاد بسبب عدم خبرته الإداريّة والتنفيذيّة في العمل الحكوميّ.

حصل رئيسي في تلك الانتخابات على 16 مليون صوت مقابل 24 صوت لروحاني بنسبة 38% من أصوات الناخبين.

ورأى العديد من المراقبين والباحثين في الشأن الإيراني أن تعيين رئيسي في مناصب حساسة طوال السنوات الماضية، يأتي في إطار محافظة المرشد الأعلى على التوازنات السياسية داخل النظام السياسي الإيراني، بما يتيح الفرصة لبقاء "التيار الأصولي" مسيطرًا على كافة مفاصل الدولة، إلى جانب تهيئة رئيسي لتولي منصب القائد الأعلى خلفًا لخامنئي.

إبراهيم رئيسي
رئيسي أثناء مشاركته في تشييع القائد السابق لقوة القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني (غيتي)

مرشح محافظ.. مستقل

حاول رئيسي في الانتخابات الأخيرة تغيير صورته العامة، عبر تقديم نفسه على أنه وسطي لا ينتمي إلى أي فصيل سياسي.

وعلى الرغم من أنه من الوجوه البارزة للتيار المحافظ، ومن علاقته بالحرس الثوري الإيراني وكذلك بالعديد من النواب داخل البرلمان الحالي - حيث طالب أكثر من 200 نائب برلماني بترشيحه للانتخابات - أعلن رئيسي في بيان رسمي عن ترشحه بشكل مستقل، قائلًا: "مع احترامي لجميع المرشحين والجماعات السياسية، سأتقدم (للانتخابات) بشكل مستقل".

وقام برنامج رئيسي الانتخابي على محورين أساسيين:

  • حل المشاكل الاقتصادية، حيث يعد رئيسي من أبرز مناصري ما يُسمى بـ"الاقتصاد المقاوم" الذي يقوم على بناء اقتصاد مؤسساتي تديره الدولة، ويرفض تحكّم الشركات الغربية والأجنبية في اقتصاد البلاد.
  • مكافحة الفساد، حيث أطلق سابقًا مشروعًا لإصلاح السلك القضائي، حوكمَ واعتقل في إطاره العديد من البرلمانيين والقضاة والوجوه البارزة في البلاد.

أما على صعيد توجهاته السياسية المقبلة، فقد أعلن رئيسي أن حكومته ستكون ذات طابع شعبي تقوم على مبادئ الثورة الإسلامية و"نهج الخميني"؛ ما يعني أنه لن يكون هناك أي تغيير جذري في السياسة الداخلية الإيرانية التي ستظل تحت عباءة المرشد الأعلى.

وعلى صعيد السياسية الخارجية، يعد رئيسي غير مؤيد للاتفاق النووي، وهو يرفض الانفتاح على محادثات مع الغرب؛ ما يعني أن التعامل مع الغرب في كافة الملفات العالقة لن يسلك طريق المرونة كما كان الحال في حكومات التيار الإصلاحي.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close