يبدو أنّ الوضع في تونس يزداد "تعقيدًا" مع كلّ يوم يمرّ، في ظلّ إصرار الرئيس التونسي قيس سعيّد على مواصلة العمل بـ"التدابير الاستثنائية"، التي احتكر بموجبها كلّ السلطات، والتي يبدو أنّها ستستمرّ لعام كامل.
فقد أعلن قيس سعيّد في خطاب متلفز ما قيل إنّه "جدول زمني" للتغيّرات السياسيّة المقترحة من قبله، والتي بدت أشبه بـ"خارطة طريق"، قوامها تمديد "تجميد" البرلمان حتى إجراء انتخابات جديدة، وهو ما لن يحصل قبل ديسمبر/ كانون الأول من العام المقبل.
وقال سعيّد في خطاب بثه التلفزيون العام: "يبقى المجلس النيابي معلَّقًا أو مجمَّدًا إلى تاريخ تنظيم انتخابات جديدة"، كاشفًا عن "تنظيم انتخابات تشريعية وفق قانون انتخابي جديد يوم 17 ديسمبر 2022".
وأضاف أنه سيتمّ "عرض مشاريع الإصلاحات الدستورية وغيرها على الاستفتاء يوم 25 يوليو/ تموز 2022"، وهو يوم عيد الجمهورية. وستنظم قبل الاستفتاء استشارة وطنية إلكترونية تنطلق مطلع يناير/ كانون الثاني 2022 وتنتهي في 20 مارس/ آذار و"ستتولى لجنة تأليف مختلف المقترحات حتى نهاية يونيو/ حزيران"، حسب سعيّد.
شكوك حول مكاسب الديمقراطية في تونس
وكان إعلان قيس سعيّد عن خارطة طريق للخروج من الأزمة منتظَرًا منذ أن علّق عمل البرلمان، وأقال رئيس الوزراء، وبسط سيطرته شبه الكاملة على السلطة التنفيذية.
وبينما بدت تلك التحركات تحظى بشعبية كبيرة بعد ركود اقتصادي وشلل سياسي على مدى سنوات، فقد اشتدت المعارضة لموقفه لتشمل أحزابًا سياسية وأطرافًا محلية رئيسة كانت داعمة له في البداية.
وأدى التأخر في إعلان مسار تفصيلي للمضي قدمًا والشهران اللذان استغرقهما سعيّد لتعيين رئيسة وزراء جديدة إلى زيادة المخاوف بشأن قدرة تونس على معالجة أزمة ملحّة في ماليتها العامة.
واللافت أنّ موعد الاستفتاء هو ذكرى إعلان الجمهورية التونسية والذكرى السنوية لإجراءات سعيّد المفاجئة، الأمر الذي يلقي بظلال من الشك على المكاسب الديمقراطية لذلك البلد منذ ثورة 2011 التي أطلقت شرارة ثورات "الربيع العربي".
وتجاهل سعيّد في سبتمبر/ أيلول غالبية بنود دستور 2014، وقال إنه يستطيع الحكم بمرسوم خلال فترة إجراءات استثنائية، متعهدًا بإجراء حوار حول المزيد من التغييرات.
"المرشد الأعلى للثورة التونسية"
ويرى أستاذ القانون الدستوري شاكر الحوكي أنّ "رئيس الدولة كشف عن برنامجه الحقيقي"، مشيرًا إلى أنّ "كل ما قيل في السابق عن حل البرلمان لم يكن إلا ذريعة من أجل الوصول إلى المبتغى".
ويوضح الحوكي في حديث إلى "العربي"، من تونس، أنّ "رئيس الدولة يريد دستورًا على القياس ونظامًا انتخابيًا على القياس حتى يصبح المرشد الأعلى للثورة التونسية لا أكثر ولا أقلّ".
ويشدّد على أنّ استحواذ سعيّد على كلّ السلطات تمّ بمفعول الأمر 117 حين احتكر كل شيء تقريبًا، ملاحظًا في الوقت نفسه أنّ خطاب الرئيس قام على ثنائية الظلمة والعتمة والخلاص.
ويشرح أنّ سعيّد أوحى في خطابه أنّ "كل ما مضى هو خراب وعتمة وظلام"، وأنّه يأتي "لينقذ البلاد ويفتح عهدًا جديدًا من النور ومن الآفاق".
ما الغاية من "عزل" تونس؟
ويعتبر أستاذ القانون الدستوري في تونس أنّ قيس سعيّد "في الحقيقة يعمل بشكل دؤوب على عزل تونس عن محيطها الإقليمي والدولي وهو الآن يؤكد عزلة تونس من خلال هذه الخطوة".
ويستغرب الإصرار على إنجاز دستور جديد، "علمًا أنّنا ما لبثنا أن انتهينا من دستور 2014 ولم نستكمل بعد مؤسساته". ويقول: "إذا كان يريد دستورًا مرحَّبًا به دوليًا فدساتير اليوم تخضع للقوالب الدولية نفسها". ويضيف: "كل الدساتير تتشابه، فلماذا نضيّع كل هذا الوقت؟".
وفيما يؤكد، بوصفه عضوًا في حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، أن التونسيين لن يعترفوا بقرارات سعيّد وإجراءاته الجديدة، يحذر من أنّ دستور سعيّد، إذا ما حقّق مراده، سيكون "غير شرعي"، وسيتمّ الطعن به.
ويشدّد على الرئيس سعيّد يريد "دستورًا على القياس، ومن دون رعاية دولية"، جازمًا بأنّ "ما يزعمه من استشارات ستكون شكلية وعلى المقاس من أجل تحقيق غرضه".
توتر سياسي وأزمة اقتصادية
وأعلن الرئيس قيس سعيّد في 25 يوليو، في خضم أزمة اجتماعية واقتصادية وبعد أشهر من الجمود السياسي في البلاد، اللجوء إلى الفصل 80 من دستور 2014 الذي يخوله اتخاذ "تدابير استثنائية" في حال وجود "خطر داهم" على البلاد، وأعلن بمقتضاه إعفاء رئيس الحكومة وتجميد عمل البرلمان.
وبعد ذلك بشهرين، أصدر في 22 سبتمبر/ أيلول أمرًا رئاسيًا قرر بمقتضاه تجميد العمل بقسم واسع من الدستور ومنح نفسه سلطة التشريع عبر مراسيم، وأعلن تمديد الإجراءات التي اتخذها "حتى إشعار آخر".
وفي أكتوبر/ تشرين الأول، عيّن سعيّد الجامعية وأستاذة الجيولوجيا نجلاء بودن رئيسة للحكومة، وهي شخصية غير معروفة في الأوساط السياسة وتعمل بصلاحيات محدودة تحت إشراف رئيس الدولة.
ويتزامن التوتر السياسي في البلاد مع أزمة اقتصادية حادة ودخول السلطات في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل برنامج دعم مالي جديد.