لليوم السابع على التوالي، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي ما قال إنها "المرحلة الثالثة" من عملياته العسكرية في شمال غزة منذ بداية الحرب على القطاع.
وهي تُعرَف في أروقة تل أبيب السياسية والعسكرية باسم "خطة الجنرالات" دون تسميتها رسميًا بذلك، وتهدف وفقًا للمنطق العسكري الإسرائيلي إلى تدمير البنية التحتية للمقاومة من خلال تنفيذ ضربات جوية تستهدف المرافق العسكرية والأنفاق، إلى جانب تحقيق السيطرة الميدانية عبر نشر قوات برية لمحاصرة المدن والقرى، مثل جباليا وبيت حانون.
كما تهدف لإجبار السكان على النزوح من خلال اعتماد تكتيكات تعمل إلى تخويفهم ودفعهم للرحيل.
ومن شمال غزة، حيث بؤرة التوتر الأكبر في مخيم جباليا، انتشلت الطواقم الطبية شهداء وصلوا إلى مستشفى المعمداني وفق ما أكد مراسل التلفزيون العربي.
فالمشهد العسكري ترسمه طائرات "كواد كابتر" برصاصها الذي يستهدف مدارس تؤوي نازحين في الشمال ويقصف هنا أو هناك دون وجود عملياتي على الأرض.
حصار خانق بدعم أميركي
وخطة "الجنرالات" هي عملية عسكرية تنتهج طريقة الحصار الخانق بعد أسابيع من المجاعة وإنهاك الواقع الاجتماعي الذي غابت عنه المواد الأساسية للحياة.
ويقابل تشديد الحصار وتكرار أوامر الإخلاء برفض فلسطيني للخروج نحو الجنوب. ويُقدّر أن هناك ما يتراوح بين 250 ألفًا و300 ألف فلسطيني في مناطق شمال القطاع التي يغلقها الاحتلال.
وقال موقع "إنترسبت" الأميركي: "إن السياسة الخارجية الأميركية تدفع إسرائيل نحو الإبادة الجماعية، فلولا الدعم العسكري الأميركي الضخم وغير المشروط، لكانت إسرائيل قد اُجبرت على اتباع الحلول الدبلوماسية".
وفي السياق الأميركي أيضًا، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن: "إن واشنطن تتواصل مباشرة مع تل أبيب بشأن الاحتياجات الإنسانية لسكان قطاع غزة".
أهداف إسرائيلية جديدة
وتوصيفًا للمشهد في شمال القطاع، يشير الكاتب والباحث السياسي إياد القرا إلى أن ما يحدث في غزة هو "صناعة أهداف إسرائيلية جديدة في الحرب"، معتبرًا أن هذا "نتاج الجمود على صعيد عملية التفاوض خلال الأشهر الأخيرة".
ويقول في حديث إلى التلفزيون العربي من أمام مستشفى ناصر في خانيونس: "إن الاحتلال يريد التواجد في قطاع غزة بأي شكل من الأشكال ويحاول أن يشكل ضغطًا ما في سياق الأهداف التي أعلنها في بداية الحرب، وفي جزء منها إنهاء حكم حماس في قطاع غزة".
وبحسب القرا، يبدو أن الاحتلال يعتقد أن حماس أعادت سيطرتها العسكرية على شمال قطاع غزة، ويلفت الباحث السياسي إلى أن "الإعلام العبري أشار في الأيام الأخيرة إلى أن قدرة حركة حماس على إعادة ترتيب نفسها كبيرة".
لكنه يشير إلى أن حركة حماس تتعامل مع هذا الأمر بشكل "واضح وطبيعي، فبالإضافة إلى الوجود العسكري، فهي متواجدة في البعد المدني وهي جزء من المنظومة المجتمعية وتعتبر أن دورها أساسي ومحوري في خدمة المواطنين لمواجهة الآثار المترتبة عن الحرب في مجالات الصحة والخدمات والعمل الخيري".
وبحسب القرا، تفعل حماس ذلك لأنها ترى أنها "تتحدى الجيش الإسرائيلي، حيث إن استمراريتها تفشل الأهداف الإسرائيلية".
خطة الجنرالات
وبشأن الأهداف السياسية الحقيقة خلف العملية الإسرائيلية في شمال غزة، يشير الباحث في مركز مدى الكرمل الدكتور إمطانس شحادة إلى أن تصاعد العمليات الإسرائيلية في شمال قطاع غزة يهدف إلى إخضاع حركة حماس عبر "خطة الجنرالات".
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من حيفا، يشرح شحادة أن الخطة تتألف من عدة مراحل أولها يقوم على فرض حصار شامل على شمال قطاع غزة بهدف إخراج من تبقّى من المدنيين والسكان عبر التجويع وعدم إدخال أي مساعدات إنسانية.
وبعد ذلك ستعتبر إسرائيل أن كل من بقي في المنطقة هو "مقاتل في حركة حماس بغض النظر عن هويته، طفلًا كان أو شيخًا، وسيكون معرضًا للاستهداف". ويقول شحادة: "هذا القتل مباح بحسب الخطة".
ويلحظ شحادة أن إسرائيل حاولت تسويق خطتها بأنها تتماشى مع القانون الدولي الإنساني، لكنها في الحقيقة "إعلان بأن إسرائيل فشلت في القضاء على قدرات حماس العسكرية".
ويلفت إلى أن الأخطر في الخطة هو أن جيش الاحتلال سينتهي من شمال غزة ثم سيتجه إلى مخيمات الوسط وبعدها إلى جنوب القطاع، مؤكدًا أن "إسرائيل لا تعير أي اهتمام للقانون الدولي الإنساني ومستعدة للاستمرار في حرب الإبادة إلى حين إخضاع حركة حماس عسكريًا بهدف إطلاق سراح الأسرى والسيطرة على قطاع غزة أمنيًا وسياسيًا".
ويرى شحادة أن "اليوم التالي للحرب على غزة بات اليوم التالي للشرق الأوسط بالنسبة لإسرائيل التي تحاول من خلال القتل والتدمير في قطاع غزة أن ترسل رسائل إلى جميع الشرق الأوسط".
فشل عسكري إسرائيلي
من جانبه، يوضح نائب رئيس هيئة الأركان الأردنية الأسبق الفريق قاصد محمود أن المشهد في غزة يدل على "عام من الفشل العسكري الإسرائيلي وعلى نجاح المقاومة في البقاء بالإمكانيات القتالية والجاهزية العسكرية".
وفي حديث إلى التلفزيون العربي من عمّان، يرى محمود "أننا أمام تسميات جديدة"، معتبرًا أن حديث إسرائيل عن استحضار ألوية احتياط "كلام فارغ".
ويقول: "تعود إسرائيل إلى المربع الأول، فمن الواضح أن للشمال قيمة استراتيجية تختلف عن باقي الأجزاء في غزة"، معللًا ذلك "باعتبارات أمنية واقتصادية واستيطانية".
ويلفت محمود إلى أن حماس لم تغادر شمال غزة ولا الوسط ولا الجنوب، لكنها تستكين في حالة التوغل الإسرائيلي بينما ينفذ مقاتلو القسام عملياتهم ضد الاحتلال.
كما يرى أن القضاء على حماس هو "عنوان تضليل" لأن هدف الاحتلال هو تهجير السكان من شمال القطاع وتطوير نظام إداري وحكم جديد مختلف تمامًا، في ظل فشل إسرائيل في تحقيق أهداف الحرب المعلنة.
وبحسب نائب رئيس هيئة الأركان الأردنية الأسبق، فعلى الصعيد العسكري، تحافظ المقاومة على مستواها في التصدي والقدرة على إيقاع الخسائر في جيش الاحتلال.