عزمي بشارة: ما يدبر لقضية فلسطين استمرار للحرب بوسائل أخرى
أكد المفكّر العربي عزمي بشارة، المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنّ مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في الدعوى التي قدّمتها جنوب إفريقيا ضدّها يشكّل حدثًا تاريخيًا وكبيرًا بعدّة معانٍ، يجب أن تتمّ الاستفادة منه بشكل أو بآخر.
وأوضح بشارة في حديث إلى "العربي"، ضمن التغطية المفتوحة للعدوان الإسرائيلي المستمرّ منذ مئة يوم على قطاع غزة، أنّ وجود إسرائيل في مقابل جنوب إفريقيا يعني أن إسرائيل في مواجهة حركة تضامن عالمية ديمقراطية، معربًا عن اعتقاده بأنّ المحكمة لن ترفض الدعوى بشكل كامل، وستقبل بالعديد من مطالب جنوب إفريقيا في كل الأحوال.
وفيما لفت بشارة إلى أنّ إسرائيل بادعائها سيطرة مصر الكاملة على معبر رفح، هي تتهم القاهرة بحصار وتجويع قطاع غزة، اعتبر أنّ الرد المصري كان يجب أن يتمّ مباشرة عبر فتح المعبر. وشدّد على عدم جواز أن يبقى الخط الأحمر الذي يُرسَم عربيًا في بيانات رسمية محصورًا فقط بملف التهجير، فالإبادة الجماعية يجب أن تكون خطًا أحمر أيضًا، وكذلك التجويع والحصار والمجاعة.
وإذ أكد أنّ إسرائيل تفاجأت من مستوى الأداء العسكري للمقاومة، لفت إلى أنّ فلسطين عادت قضية مركزية على المستوى العالمي وهذا إنجاز كبير يجب الحفاظ عليه. إلا أنّه أشار في الوقت نفسه إلى أنّه "من الواجب التفكير بإعادة بناء منظمة التحرير بحيث يكون هناك طرف فلسطيني واحد يواجه مرحلة ما بعد الحرب"، منبّهًا إلى أنّ ما يدبر للقضية الفلسطينية "هو استمرار للحرب بوسائل أخرى".
وانتقد بشارة الضربات العسكرية الأميركية والبريطانية على اليمن، معتبرًا أنّ تحقيق مطلب الحوثيين، الذي وصفه بالواقعي بمعزل عن انتماءاتهم ودوافعهم، وهو وقف الحصار على غزة كان أسهل. لكنّه استبعد أن يتطور الأمر إلى حدّ حرب أميركية إيرانية، مرجّحًا أن يبقى الصراع مضبوطًا بمعادلة تصعيد قواعد الاشتباك من دون الدخول في حرب.
مثول إسرائيل أمام المحكمة.. حدث تاريخي ورمزية كبيرة
من قضية مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، في الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضدها بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة، انطلق الدكتور عزمي بشارة في حديثه إلى "العربي"، حيث اعتبر أنّ هذا الموضوع مهم جدًا ويستحق المتابعة لأنه حدث تاريخي بعدّة معانٍ.
ولفت إلى أنّ أهمية الموضوع من الناحية الرمزية، تنطلق من حقيقة أنّ إسرائيل كانت تقدّم نفسها كنتاج إبادة جماعية بغضّ النظر إن كان ذلك صحيحًا تاريخيًا أم لا، وكانت دائمًا تنزعج من توصيفها كنظام فصل عنصري، في حين أنها اليوم في وضع المدّعى عليه بارتكاب جرائم إبادة جماعية.
وفيما لفت إلى أنّ محاكمة الإبادة الجماعية إلزامية متعلقة بمعاهدة وقّعت إسرائيل عليها، ولذلك كانت مضطرة للحضور بعكس ما حصل في المحاكمة السابقة، تحدّث عن قيمة رمزية لكون جنوب إفريقيا ذات الإرث النضالي المعروف هي المدّعي، مضيفًا: "هذا حدث كبير والسؤال كيف سنستفيد منه".
ونوّه بشارة بالمرافعات التي قدّمها الفريق القانوني لدولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، حيث وصفها بأنّها وثيقة تاريخية مهمة جدًا يوجد فيها تلخيص لمجمل الانتهاكات التي تعرض لها الشعب الفلسطيني.
وأوضح أنّ أهمّ ما في هذه المرافعات أنّها لم تبدأ بالسابع من أكتوبر، وأنها حاولت أن تثبت أنّ نوع ما ارتُكِب يمكن اعتباره إبادة جماعية وأيضًا أنّ هنالك نيّة، ملاحظًا في هذا السياق أنّ إحدى المرافعات تخصّصت بموضوع النيّة، وجلبوا أمثلة من تصريحات قادة إسرائيليين مختلفين من ضمنهم صنّاع قرار ونواب عاديون لإثبات أنّ أجواء إبادة جماعية صُنِعت.
ومع أن الدفاع الإسرائيلي قال إنّه لا يوجد خطة، أكد بشارة أنّه لا يلزم وفق القانون أن يكون هناك خطّة طالما أنّ هناك أجواء تمهّد لذلك، مضيفًا: "كما في جرائم القتل يكفي أن يكون الطرف الذي يرتكب الجريمة واعيًا لأفعاله وأن يخطط لذلك، ولا يعني أن يخطط لذلك أن يعلن صراحة عن هذه الخطّة".
السيناريوهات المتوقعة.. هل توقف المحكمة الحرب؟
وجدّد بشارة التعبير عن تصوّراته في أنّه جرت معاقبة أهالي غزة للثأر وإعادة هيبة الردع ولإنشاء وضع في غزة تصبح فيه غزة غير صالحة للعيش، قائلاً: "هكذا حصل في العام 1948 وهكذا يحصل الآن".
وفيما أعرب عن اعتقاده بأنّ القضاة الـ15 لا يشاركون بالضرورة التصوّر ذاته، تحدّث عن تمثيل "غير تناسبي مع وزنها العالمي" لبعض الدول والقارات في محكمة العدل الدولية مقارنة بغيرها، فأوروبا مثلاً لديها لوحدها أربعة أو خمسة قضاة، مقابل قاضٍ واحد لدول مثل الصين والهند، فضلاً عن أميركا اللاتينية وإفريقيا.
وفي حين أكد أنه من الصعب التكهّن بالقرار الذي ستخلص إليه المحكمة، أعرب عن أمله في أن يكون لدى غالبية القضاة على الأقل اعتبار مهني قانوني بالحدّ الأدنى.
وعن السيناريوهات المتوقعة في هذا السياق، جزم بشارة أنه لن يكون هنالك رفض للدعوى بشكل كامل، كما استبعد أن تدعو أكثرية القضاة إلى استمرار الحرب على غزة، "فالمطلوب ليس إثبات حصول إبادة، وهذا قد يستغرق وقتًا، ولكن أن يكون هناك اشتباه جدّي بأن يكون هناك نوع من الإبادة وهذا يكفي للقول أوقفوا ذلك إلى حين نبتّ بالأمر".
وإذ رأى بشارة أنّ عدم حصول ذلك سيكون لأسباب سياسية محض، حتى لا تُتهَم إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية وهذه سابقة، ما سيحرج الدول التي تدعمها وتساندها أيضًا، رجّح أن يتمّ القبول بقسم من الطلبات الأخرى، ومن ضمنها عودة اللاجئين إلى بيوتهم المدمّرة، ووقف قتل المدنيين، وفتح المستشفيات والمدارس.
الضرر على إسرائيل "سابق" للمحاكمة
وتعليقًا على اعتبار جزء من الصحافة الإسرائيلية بأن الضرر وقع على إسرائيل بمجرد مثولها أمام محكمة العدل الدولية، وبمجرد طرح السؤال عمّا إذا كانت قد ارتكبت جرائم إبادة جماعية، قال المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إنّ ذلك قد يكون صحيحًا، لكنه أشار إلى أنّ "الضرر حصل قبل ذلك".
وأوضح أنّ الضرر حصل في الأسابيع الأخيرة مع وجود طوفان من التضامن العالمي ناجم عن النشر المكثف حول الجرائم الإسرائيلية في غزة، ومع حركة التضامن العالمية الآخذة في التزايد من الشعب الفلسطيني في العديد من العواصم والمدن الغربية.
وأكد بشارة وجود ضرر فعليّ من وضع إسرائيل في حالة دفاع عن النفس أمام دولة عانت من التمييز العنصري هي جنوب إفريقيا، مع كلّ رمزيتها في موضوع معارضة الفصل العنصري والإبادة الجماعية، لافتًا إلى أنّ جنوب إفريقيا تحتل مرتبة أخلاقية رفيعة في حالات التضامن العالمي.
ولاحظ في هذا السياق أنّ المظاهرات ازدادت حول العالم في الأيام التي تلت جلسات الاستماع في دعوى جنوب إفريقيا، عازيًا الأمر لكون جنوب إفريقيا لها مكانة في نفوس أجيال من المناضلين، ولا سيما أنّ آخر أهم قضية استعمارية الآن هي قضية فلسطين.
وقال: "هذا الأمر محرج جدًا لإسرائيل، ولذلك أرسلوا مجموعة من المستشارين القانونيين الذين كان أغلبهم من اليسار والليبراليين الإسرائيليين الذين كانوا يقفون ضد الاحتلال"، مضيفًا: "أحضروا هؤلاء الناس تحديدًا لإظهار الوجه اليساري الليبرالي لإسرائيل المقبول دوليًا".
أهمية خطوة جنوب إفريقيا وغياب الدور العربي
وعن عدم انضمام الدول العربية الموقعة على معاهدة منع جرائم الإبادة الجماعية لدعوى جنوب إفريقيا ضدّ إسرائيل، لفت بشارة إلى أنّه ليس متفاجئًا من ذلك، إذ لم يكن لديه توقعات أن تنضم مثل هذه الأنظمة العربية إلى خطوة من نوع خطوة جنوب إفريقيا.
وانتقد في هذا السياق وجود استباحة وانتهاك لسيادة الدول العربية، حتى إنّ دولاً عربية تقصف باستمرار وكأنّ لا سيادة فيها، كما أنّه توجد حالة من الشروخ الاجتماعية والحروب الأهلية تجعل قضية فلسطين نفسها ضحية لها، من دون أن ننسى أن بعض الأنظمة تتاجر بقضية فلسطين، وبعضها الآخر احتكرت فيها الأنظمة فكرة السيادة، بحيث أصبح من ضد النظام هو الخائن.
وبالحديث عن أهمية خطوة جنوب إفريقيا، لفت بشارة إلى أنّ هناك معارضة في جنوب إفريقيا لهذه الخطوة، وجنوب إفريقيا لديها أيضًا مصالح مع الغرب، لكن هنا نحن نتحدث عن نظام ديمقراطي ورأي عام، "وهذه دولة سيدة نفسها، ولذلك فهي تتخطى كل ذلك لأنها واثقة من نفسها".
وإذ لفت إلى أنّ الجانب الأخلاقي تغلّب في سلوكهم، أعرب عن ارتياحه لطريقة تعاطيهم مع الموضوع، مضيفًا: "إنه أمر جيد للشعب الفلسطيني أن من يتصدّر الآن رمزيًا حركة التضامن مع الشعب الفلسطيني هي دولة كجنوب إفريقيا بإرث مثل إرثها، وليس أحد الأنظمة العربية".
كيف يجب أن تردّ مصر على الاتهام الإسرائيلي؟
وبالحديث عن الدور العربي، توقف بشارة عند ما صدر عن الجانب الإسرائيلي من اتهام لمصر بحصار وتجويع قطاع غزة، عبر الإيحاء بأنّ الاحتلال ليس من يفرض الحصار والتجويع أو يمنع الدواء، وأنّ معبر رفح ممسوك من السلطات المصرية.
واعتبر بشارة أنّ هذا الأمر كان "محرجًا جدًا" لمصر، معربًا عن اعتقاده بأنّ الرد المصري كان يجب أن يتمّ بشكل مباشر وفوري، وأن يكون بالتحرّر من كل الالتزامات، وفتح معبر رفح أمام الفلسطينيين، معتبرًا أنّ "إنقاذ مليوني شخص يستحق المجازفة".
وفيما أشار إلى أنّ مصر رفضت في الماضي التعامل مع غزة كمنطقة محرّرة للعديد من الاعتبارات، وتعاملت مع القطاع باعتباره ما زال منطقة محتلة، شدّد على أنّ استمرار التعاطي مع الأمر من منطلق سياسي محض، في زمن الحرب والتجويع والحصار، وفي ظلّ خطر المجاعة، لا يبدو واقعيًا ومنطقيًا.
وإذ لفت بشارة إلى أنّ مصر كدولة أيضًا يجب ألا تقبل أن يتمّ الطلب من الناس، وبينهم فقراء ومهجّرون، أن يدفعوا مبلغًا من المال من أجل الدخول إلى مصر، خلص إلى أنّ التصريح الإسرائيلي يجب أن يشكّل "مناسبة لمصر لتعديل كلّ ذلك".
كما جدّد الإشارة إلى عدم جواز أن يبقى الخط الأحمر الذي يُرسَم عربيًا في بيانات رسمية محصورًا فقط بملف التهجير، فالإبادة الجماعية يجب أن تكون خطًا أحمر أيضًا، وكذلك التجويع والحصار والمجاعة.
اليوم التالي.. والإنجازات السياسية
بالانتقال إلى تقييم الوضع في قطاع غزة بعد مرور مئة يوم على الحرب، ذكّر المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أنّه حرص طيلة الفترة السابقة على عدم الحديث عن اليوم التالي، لأنّ "الحديث الأميركي الإسرائيلي كان يبدو وكأنه اليوم التالي للتخلص من المقاومة".
لكنّ بشارة أطلق نقاشًا من نوع آخر حول اليوم التالي من الوجهة الفلسطينية، مع افتراض أنّ حركة حماس ستبقى قوة موجودة على الأرض، وتسجيل أنّ الشعب الفلسطيني مرّ بأطول وأقسى حرب منذ النكبة، وأنّ إسرائيل فوجئت بالبطولات التي قدّمتها المقاومة.
وهنا، سأل بشارة: "كيف سنخرج سياسيًا من الحرب بعد كل التضحيات التي قُدّمت وستُقدَّم؟ هل يعقل أن تبدد هذه التضحيات؟". وشدّد في هذا السياق على وجوب أن يحصل تغيير في نمط التفكير لدى القيادات الفلسطينية، بعيدًا عن النقاش حول ما إذا كانت حركة حماس ستضعف بعد الحرب، أم أن حركة فتح ستقوى، أم أن الطرفين سيضعفان مثلًا.
وفيما ذكّر بأنّ المهمّ يجب ألا يكون المحافظة على قضية فلسطين، بل حلّ هذه القضية، تحدّث عن العديد من المؤشرات المهمة التي يجب البناء عليها، من بينها أنّ قضية فلسطين عادت قضية مركزية في المنطقة، وكذلك على المستوى العالمي، "وهذا إنجاز حقق بدماء البشر وتضحياتهم، ويجب ألا يتمّ التفريط به".
وإذ أكد أيضًا أنّ نقاشات إسرائيلية عميقة ستحصل بعد الحرب، وربما تحصل هجرة معاكسة وأزمات اقتصادية، سأل عن "الإنجازات السياسية" التي يجب أن يخرج بها الفلسطينيون في المقابل، مشدّدًا على وجوب أن يكون هناك موقف فلسطيني موحّد في مواجهة ما يدبَّر أميركيًا وإسرائيليًا.
إعادة بناء منظمة التحرير والتنازلات المطلوبة
وفي هذا السياق، توجّه بشارة إلى القيادات الفلسطينية بالقول: "عليكم الآن التفكير بإعادة بناء منظمة التحرير بحيث يقدم الجميع تنازلات ويكون هناك طرف فلسطيني واحد لديه طرح سياسي متفق عليه يواجه الطرح الأميركي الإسرائيلي"، مضيفًا: "ما هو غير معقول هو أن يكون هناك داخل فلسطين من ينتظر نتائج الحرب للبناء عليها".
وفيما أكد رفضه لتكرار تجربة أوسلو اليوم، دعا إلى ترجمة الجو الشعبي المعادي للاحتلال وإخراجه من مجرد التغنيّ بالبطولات والمزايدات إلى مطلب سياسي، بحيث يكون حراك شعبي منظم يطالب بوحدة القيادة الفلسطينية ويكون لها طرح سياسي خارج ما يُدبَّر.
وإذ ذكّر بشارة بالمقولة المعروفة عن أنّ الحرب استمرار للسياسة بوسائل أخرى، نبّه إلى أنّ ما يسمّى اليوم التالي، وفق المفهوم الأميركي الإسرائيلي، هو استمرار لهذه الحرب بوسائل أخرى ومحاولة حصد نتائج الحرب كأنه جرى القضاء على المقاومة.
وخلص إلى أنّه "يجب أن تخرج قيادة فلسطينية موحّدة تطرح طرحًا سياسيًا خارج ما يدبّر وتفرض رأيها"، معتبرًا أنّ مثل هذه القيادة تحتاج إلى مبادرة لتحريك الشارع باتجاه هذا المطلب. وفيما رأى أنّها "قضية توعية"، قال: "إذا فكرنا سياسيًا بما يدور وما سيترتب على ذلك هذا بحد ذاته يكفي، ولا سيما أنّه في كل الفصائل هناك من يعي هذه الحقيقة".
وردًا على سؤال عمّا إذا كان العدوان قرّب المسافات في هذا السياق، لفت إلى أن ذلك تحقّق بالتأكيد على مستوى القواعد، ولكنه لم يتحقّق للأسف على مستوى القيادات.
الموقف الأميركي.. تغيّر في النبرة من دون قطيعة
من جهة ثانية، تطرق المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة إلى الموقف الأميركي من العدوان الإسرائيلي المستمرّ على قطاع غزة، فتحدّث عن "تغيّر في النبرة" لدى الرئيس الأميركي جو بايدن، ووزير خارجيته أنتوني بلينكن، في المرحلة الأخيرة، لكنّه تغيّر لا يصل لدرجة القطيعة، أو وقف الدعم.
وأوضح أنّ بايدن انتقل من شخص "جاء ليحتضن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بمعنى تبنّيه سياسيًا وتكرار أكاذيبه، حتى بعد أن يثبت كذبها"، إلى شخص "يكاد صبره ينفد من عدم تفهم إسرائيل لمصالح أميركا الإستراتيجية في المنطقة".
وأعرب عن اعتقاده بأنّ إسرائيل بشخص نتنياهو تكرر السلوك الابتزازي نفسه مع الولايات المتحدة، القائم على معادلة "أنتم مضطرون لدعمي كما أنا".
وأشار كذلك إلى شعور الولايات المتحدة بالإحراج من وجود بعض الوزراء الإسرائيليين كإيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، "فأحدهما شوارعي تمامًا ومتطرف والثاني أيديولوجي جدًا"، لافتًا إلى ما يصدر عنهما من تصريحات عنصرية تحرج الولايات المتحدة أمام حلفائها، مسجّلًا في هذا السياق أنّ العرب لا يدركون أهميتهم لدى الولايات المتحدة ولذلك لا يستخدمون هذه القيمة التي يملكونها.
ولكنّ بشارة أكّد أنّ كل ذلك لا يعني وجود تغيّر في المقاربة الأميركية للحرب، بعيدًا عن بعض الطلبات الطفيفة المتعلقة بتغيير نمط الحرب وليس وقف الحرب وأمور متعلقة بإدخال المساعدات وغيره.
ولم يرَ بشارة في الحديث عن إزالة التهديد بمعنى القضاء على القوة العسكرية لحماس جديدًا، فهذا ما كان يقصده الأميركيون منذ البدء بالحديث عن القضاء على حماس، بعيدًا عن المبالغات حول القضاء عليها كفكرة، وبالتالي فإنّ الولايات المتحدة ما زالت تشترك مع إسرائيل في ذلك.
خروج قادة حماس من غزة فكرة إسرائيلية لا علاقة لقطر بها
في المعطيات الميدانية، رجّح بشارة تغيّرًا في النمط الحالي من الحرب، بعد الانتهاء من خانيونس، بمعزل عن نتيجة المعارك الدائرة هناك.
وأوضح أنّ وتيرة الحرب ستتغيّر بعد ذلك، مرجّحًا أن يحصل ذلك بين نهاية يناير/ كانون الثاني الحالي، ومنتصف فبراير/ شباط المقبل، إذ "لم يعد هناك من أهداف ليقصفوها"، لينتقلوا بالنتيجة إلى ما يمكن وصفه بـ"الحرب الموجّهة أكثر"، أو "العمليات الجراحية" كما يسمّيها الإسرائيليون.
أما موضوع الأسرى والمحتجزين، فتحدّث عن نقاش كبير بشأنه لا يزال مستمرًا، مجدّدًا القول بأنّ هذه القضية شكّلت منذ البدء مصدر إزعاج لنتنياهو، وهو الذي يعتقد أنّ الإستراتيجيات العسكرية لا يجب أن تخضع لها، بل العكس.
وكشف بشارة أنّ إسرائيل في معرض محاولتها إبداء انفتاحها على الوساطات والهدن، وصل بها الأمر لحدّ "اختراع مبادرات" وفق وصفه، في إشارة إلى ما تردّد عن مبادرة قطرية تضمّنت ضمن بنودها خروج قادة حركة حماس من قطاع غزة.
وأوضح أنّ "خروج قادة حماس من غزة فكرة إسرائيلية غير رسمية، تداولتها وسائل إعلام إسرائيلية، وطرحت تشبيهًا بخروج قادة منظمة التحرير من بيروت"، مشيرًا إلى أنّ "الولايات المتحدة طرحتها رسميًا مؤخرًا وليس قطر"، ومشدّدًا على أنّ دولة قطر "لم تطرح أي فكرة فيها خروج قادة حماس". وقال: "اخترعوا هذا الأمر ليشغلوا الرأي العام الإسرائيلي، وهم يعقدون جلسات حكومة لمناقشة أفكار موهومة".
الموقف الفلسطيني واضح.. وقف الحرب أولًا
وأكد أنّ الموقف الفلسطيني من كل المبادرات والوساطات واضح ولا يحتمل اللبس، وهو ينطلق من وجوب وقف الحرب، وأنه "في إطار وقف الحرب يُطلَق سراح الجميع". وفيما لفت إلى أنّ حماس تقول إن وقف الحرب شرط لأي مفاوضات، أعرب عن اعتقاده بأنّ المفاوضات ممكنة لكن يجب أن يكون وقف الحرب نهائيًا أحد شروط أي عملية تبادل".
وإذ رأى أنّ هذا الأمر يحرج إسرائيل أمام عائلات الأسرى، في ظل الضغط الذي تتعرض له الحكومة، أعرب عن اعتقاده بأنّ غالبية المجتمع الإسرائيلي لا تزال مع الاستمرار في الحرب حتى القضاء على حماس، "وهم ما زالوا معرّضين لغسيل الدماغ القائم على أنه من الممكن القضاء على حماس".
واعتبر بشارة أنّ الدول العربية التي تُطرَح أسماؤها بالنسبة لليوم التالي حول إدارة شؤون قطاع غزة يجب أن يكون لديها ردّ على ما يُحكى، ويجب أن تقول أنّ الشعب الفلسطيني هو الذي يدير شؤونه، وأنّ نتيجة هذه الحرب يجب أن تكون الاستقلال الوطني.
الضربات على اليمن.. هل تتطور إلى حرب؟
وفي ختام حديثه لـ"العربي"، علّق الدكتور عزمي بشارة على الضربات العسكرية الأخيرة على أهداف حوثية في اليمن، فانتقد بداية الازدواحية الغربية، في معرض حديثه عن التبريرات التي أعطيت لهذه الضربات.
وأوضح بشارة أنّ الأميركيين والبريطانيين وغيرهم من الدول الغربية التي تساند هذه الضربات، يقولون إنّ اليمن ليس طرفًا في فلسطين، وإنّ ما يقومون به قرصنة وقطع طرق، لكنّه سأل: "إذا كان اليمن لا دخل له بفلسطين، فهل لأميركا وبريطانيا دخل، بالنظر إلى ما يفعلونه لصالح إسرائيل من دعم وتورط مباشر؟ ثمّ كيف يقولون لدول عربية إنّ قضية فلسطين ليست قضيتكم؟".
وبمعزل عن الموقف من الحوثيين وارتباطاتهم ودوافعهم، أشار بشارة إلى أنّ ما يظهر هو أنّ طرفًا عربيًا لا يرضى بما يجري في غزة، ويقوم بما يقوم به من أجل مطلب واقعي، وهو وقف الحصار على القطاع. وأضاف: "بدل ضرب اليمن بهذا الشكل الهمجي والعدوان عليه بهذا القصف، كان وقف الحصار أسهل".
لكنّ بشارة استبعد أن تكون هذه الضربات بداية لتصعيد ما، مشيرًا إلى أنّ الولايات المتحدة لا تريد حربًا الآن مع إيران، في موسم الانتخابات، لافتًا إلى أنّ العلاقة بين الجانبين تبقى في هبوط وصعود، وتوسيع نفوذ وتضييق نفوذ، في ظل ضغط حاصل في العراق وسوريا واليمن ولبنان.
وأعرب عن اعتقاده بأنّ الضربات ستبقى في خانة ردود الفعل على ما يقوم به الحوثيون، من دون أن تتطور إلى حرب مباشرة، "بمعنى أنهم لن يضعوا أقدامهم في اليمن".
وفي السياق نفسه، لفت إلى أنّ إيران تفهم أن وجود حاملات الطائرات في المنطقة من اليوم الأول كان رسالة لها وهي ترسل رسائل من طرفها، ولذلك فإنّ الأمر سيبقى على شكل تصعيد قواعد الاشتباك من دون الدخول في الحرب في هذه المرحلة.