الأربعاء 18 Sep / September 2024

علاقة تاريخية مع الأفلام.. لماذا نتناول الفشار في دور السينما؟

علاقة تاريخية مع الأفلام.. لماذا نتناول الفشار في دور السينما؟
الأحد 28 يوليو 2024

شارك القصة

علاقة تاريخية بين الفشار ودور السينما - غيتي
علاقة تاريخية بين الفشار ودور السينما - غيتي

يُعد الفشار من أساسيات الوجبات الخفيفة في دور السينما حول العالم، إلا أنه لم يكن دائمًا مرتبطًا بالأفلام، بل كان في الواقع محظورًا في البداية.

يعد الفشار من أشهر مميزات دور السينما حول العالم وأكثر وجبة خفيفة ترتبط بمشاهدة الأفلام، إلا أن الأمر لم يكن دائمًا كذلك. 

فتاريخ الفشار طويل ويتقاطع مع عالم الأفلام في الماضي القريب نسبيًا، حيث تم إنقاذ صناعة السينما المتعثرة خلال فترة الكساد الكبير بفضل شعبية هذه الوجبة الخفيفة.

أصل الفشار

وفق موقع "سميثاونيان ماغ"، تم إنتاج الذرة قبل حوالي 8000 سنة، من نبات بري لا يشبه كثيرًا الذرة الحديثة. والفشار وهو نوع من الذرة، ويتميز بأنه حبات نشوية ذات جدران صلبة تساعد في تكوين الضغط الداخلي عند تعرضها للحرارة، وكان الفشار أحد أولى أنواع الذرة المزروعة في أميركا الوسطى.

 ومع مرور الوقت، وصل الفشار إلى أميركا الشمالية عبر التجارة.

وبحلول عام 1848، أصبح الفشار شائعًا كوجبة خفيفة، وكان منتشرًا في أماكن الترفيه مثل السيرك والمعارض، باستثناء المسارح. 

وفي عام 1885، اخترع تشارلز كريتور أول آلة لصنع الفشار تعمل بالبخار، مما جعل الفشار متنقلًا وسهل الإنتاج بكميات كبيرة.

حظر الفشار في دور السينما

وفي البداية، رفضت دور السينما إدخال الفشار إلى قاعاتها لأنها كانت تحاول تقليد المسارح الفخمة، حيث كانت تحرص على المحافظة على صورتها المتجسدة بالسجاد الأحمر الجميل والنظافة العامة. 

ومع ذلك عندما أُضيف الصوت إلى الأفلام عام 1927، توسعت قاعدة الجماهير لتشمل شرائح أوسع من المجتمع، مما زاد من حضور دور السينما إلى 90 مليون شخص أسبوعيًا بحلول عام 1930. 

هذا الجمهور الكبير، فتح إمكانيات أكبر للأرباح، لكن أصحاب دور السينما كانوا لا يزالون مترددين بشأن إدخال الوجبات الخفيفة إلى قاعاتهم.

كشك لبيع الفشار في الأربعينيات - غيتي
كشك لبيع الفشار في الأربعينيات - غيتي

تأثير الكساد الكبير

واستمر الوضع على ما هو عليه لغاية دخول العالم بفترة الكساد الكبير، الذي أتاح فرصة ممتازة لكل من الأفلام والفشار. 

فبحثًا عن وسيلة ترفيه رخيصة تدفق الجمهور إلى دور السينما خلال فترة الكساد، وبسعر 5 إلى 10 سنتات للكيس كان الفشار "ترفًا" يمكن لمعظم الناس تحمله.

حتى أن حبات الفشار نفسها كانت استثمارًا رخيصًا للبائعين، حيث يمكن أن يدوم كيس بقيمة 10 دولارات لسنوات. 

وإذا لم يتمكن العاملون داخل دور السينما من رؤية الجاذبية المالية للفشار، فإن البائعين المتجولين لم يفوتوا الفرصة، فاشتروا آلات صنع الفشار الخاصة بهم وباعو الوجبة الخفيفة بنكهاتها المميزة خارج دور السينما لرواد الأفلام قبل دخولهم. 

حول هذا الموضوع يوضح أندرو سميث مؤلف كتاب "ثقافة الفشار: التاريخ الاجتماعي للفشار" أن دور السينما المبكرة كانت تحتوي حرفيًا على لافتات معلقة خارج غرف المعاطف، تطلب من الزبائن إيداع الفشار مع معاطفهم. 

وإلى جانب رغبتها في الحفاظ على مظهرها الفخم، لم تكن دور السينما المبكرة مجهزة لاستيعاب آلات الفشار الأولى؛ إذ كانت تفتقر إلى التهوية المناسبة.

بائع متجول يبيع الفشار للأطفال في إلينوي عام 1912 - "سميثونيان ماغ"
بائع متجول يبيع الفشار للأطفال في إلينوي عام 1912 - "سميثونيان ماغ"

 ولكن مع دخول المزيد والمزيد من الزبائن إلى السينما ومعهم الفشار، لم يستطع مالكو صالات السينما بعد الآن تجاهل الجاذبية المالية لبيع هذه الوجبة الخفيفة. 

لذا قاموا بتأجير "امتيازات اللوبي" للبائعين، مما سمح لهم ببيع الفشار في لوبي السينما أو في جزء من الشارع أمام السينما مقابل رسوم يومية. 

ولم يشك البائعون من هذا الترتيب لا سيما وأن بيع الفشار خارج السينما وسع إمكانيات أعمالهم، ومكنهم البيع لكل من رواد السينما والمارة في الشارع.

في نهاية المطاف، أدرك مالكو دور السينما أن بإمكانهم زيادة أرباحهم بشكل كبير إذا تخلوا عن الوسطاء، وبالنسبة للعديد منهم ساعد التحول إلى بيع الوجبات الخفيفة داخل القاعات على إنقاذهم من الكساد الكبير. 

الفشار ينقذ دور السينما

وفي منتصف الثلاثينيات، بدأت صناعة السينما في الانهيار، "لكن دور السينما التي بدأت في تقديم الفشار والوجبات الخفيفة الأخرى.. نجت"، كما يوضح سميث.

وعلى سبيل المثال، قامت سلسلة دور السينما في دالاس بتركيب آلات صنع الفشار في 80 دارًا للسينما، لكنها رفضت تركيبها في أفضل 5 دور سينما تعتبرها راقية جدًا لبيع الفشار.

وفي غضون عامين، شهدت دور السينما التي تبيع الفشار ارتفاعًا في أرباحها؛ بينما تراجعت أرباح دور السينما الخمس الأخرى. 

في نهاية المطاف، فهم مالكو دور السينما أن هذه المبيعات كانت تذكرتهم لتحقيق أرباح أعلى، وقاموا بتركيب أكشاك بيع الوجبات السريعة في دور السينما.

كما عززت الحرب العالمية الثانية العلاقة بين الفشار ودور السينما بشكل أكبر، بعدما عانت الوجبات الخفيفة المنافسة مثل الحلوى والمشروبات الغازية من نقص السكر وبالتبعية التقنين، حيث تم قطع مصادر السكر التقليدية مثل الفلبين عن الولايات المتحدة.

وبحلول عام 1945، كان الفشار والأفلام مرتبطين بشكل لا ينفصل، حيث كان أكثر من نصف الفشار المستهلك في أميركا يؤكل في دور السينما. 

هذا وبدأت دور السينما في دفع الإعلانات عن هذه الامتيازات بقوة أكبر، حيث عرضت إعلانات تجارية قبل وأحيانًا في منتصف الأفلام لجذب الجماهير إلى الوجبات الخفيفة في الردهة. 

استمرار العلاقة بين الفشار والأفلام

في المقابل، وعلى الرغم من كل أساليبهم التسويقية شهدت دور السينما تراجعًا مستمرًا في مبيعات الفشار في الستينيات وكان سبب ذلك صعود عصر التلفزيون، الذي قلل من الحاجة للذهاب إلى السينما. 

حول هذا الأمر يقول سميث: "تراجعت صناعة الفشار في الخمسينيات مع بدء الأميركيين في مشاهدة المزيد من التلفزيون والذهاب إلى دور السينما بشكل أقل وأقل".

ولم يكن الفشار يؤكل على نطاق واسع في المنازل نظرًا لصعوبة تحضيره حينها وبعدما أصبح الفشار وجبة خفيفة سهلة التحضير، تمكنت المنتجات التجارية للفشار من اكتساب موطئ قدم في المنازل.

وفي السبعينيات، أصبحت أفران الميكروويف أكثر شيوعًا في المنازل، مما خلق طفرة جديدة للفشار: الآن، يمكن للعائلات الاستمتاع بالفشار في دقائق ببساطة عن طريق الضغط على زر.

ومع عودة الفشار إلى المنازل، توطدت العلاقة التقليدية بين الفشار والأفلام، أو الفشار والترفيه بشكل عام، حتى أن "نوردميند" وهي شركة إلكترونيات ألمانية، استخدمت الفشار للإعلان عن جهاز المايكروويف الخاص بها وقالت إنه "الراعي الرسمي لأفلام منتصف الأسبوع".

يعد الفشار من المبيعات الرئيسية في دور السينما - غيتي
يعد الفشار من المبيعات الرئيسية في دور السينما - غيتي

وفي يومن هذا، يرتبط تحضير الفشار بليالي الأفلام المنزلية بطريقة مباشرة جدًا، لكن العلاقة بين الفشار والأفلام قد تغيرت أكثر من مجرد رائحة اللوبي في السينما أو ليلة الأفلام المنزلية.

فقد تغيرت صناعة الفشار نفسها، فقبل الكساد الكبير كان معظم الفشار المباع مصنوع من نوع الذرة البيضاء فلم تكن الذرة الصفراء تزرع تجاريًا على نطاق واسع، وكانت تكلفتها ضعف تكلفة النوع الأبيض.

 لكن بائعي الأفلام فضلوا الذرة الصفراء، التي كانت تتمدد أكثر عند فرقعتها مما يخلق حجمًا أكبر بكميات أقل، كما أن لونها الأصفر كان يعطي انطباعًا بطبقة سميكة من الزبدة. 

وعليه، اعتاد الناس على الفشار الأصفر ورفضوا شراء النوع الأبيض في الأسواق، طالبين النوع الذي يبدو مثل "الفشار في السينما". 

واليوم، يشكل الفشار الأبيض 10 % فقط من الفشار المزروع تجاريًا؛ بينما الفشار الأصفر يشغل تقريبًا باقي السوق التجاري إلى جانب بعض الأنواع الملونة الأخرى مثل الأزرق والأسود، المزروعة بكميات ضئيلة.

كذلك، يعد الفشار ذو أهمية اقتصادية كبيرة لدور السينما الحديثة كما كان لدور السينما القديمة إذ لا يزال حتى اليوم مصدر الربح الأساسي لدور السينما. 

المصادر:
ترجمة
Close