الأحد 3 نوفمبر / November 2024

"علاقة متجذرة".. كيف ساهمت دول الخليج في دعم القضية الفلسطينية؟

"علاقة متجذرة".. كيف ساهمت دول الخليج في دعم القضية الفلسطينية؟

شارك القصة

حلقة من برنامج "خليج العرب" تسلط الضوء على تاريخ علاقات دول وشعوب الخليج العربي بفلسطين (الصورة: غيتي)
تعود جذور علاقة دول الخليج بفلسطين إلى مطلع القرن العشرين، حين استقبلت البحرين أول دفعة من الفلسطينيين في أعقاب الحرب العالمية الأولى لتطوير النظام التعليمي.

يعود اهتمام شعوب ودول الخليج العربي بالقضية الفلسطينية إلى ما قبل نكبة فلسطين عام 1948، حيث استجاب الخليج العربي لنداءات الشعب الفلسطيني ضد المجازر ومحاولات الاحتلال، والهيمنة التي تقوم بها العصابات الصهيونية في فلسطين آنذاك.

وتزايد هذا الاهتمام مع الجولة التي قام بها مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث قام بزيارة للكويت شهدت اهتمامًا رسميًا وشعبيًا كبيرًا، تمثل في الحجم الكبير من التبرعات التي قدمت رغم شح الموارد، حيث لم يظهر النفط بعد.

وعلى الرغم من قلة التواصل، إلا أن شعوب الخليج العربي اهتمت ودعمت القضية الفلسطينية منذ ذلك الوقت وإلى يومنا هذا.

وتعود جذور علاقة دول وشعوب الخليج بفلسطين إلى مطلع القرن العشرين، حين استقبلت البحرين أول دفعة من الفلسطينيين في أعقاب الحرب العالمية الأولى لتطوير النظام التعليمي فيها.

واتخذت العلاقة مسارًا واضحًا وبارزًا مع انطلاق الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936، وإعلان الفلسطينيين لإحدى أكبر الإضرابات السياسية في القرن المنصرم، احتجاجًا على الهجرة اليهودية وسياسة شراء الأراضي.

مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني
مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني - غيتي

وفي هذا السياق، ورغم الفقر والأوضاع الاقتصادية المتردية، قدمت دول الخليج وخاصة العاهل السعودي الراحل الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود دعمًا ماديًا سخيًا وتحركًا دبلوماسيًا واسعًا لدعم الثورة الفلسطينية بتواصل مع الكتلة الوطنية في سوريا، وهو ما دفع البريطانيين إلى الاحتجاج والغضب مرات عدة على هذا الدعم.

وتذكر روزماري سعيد في كتابها "فلسطين ودول الخليج العلاقات الفعلية"، كيف لعب الاكتشاف اللاحق لحقول النفط في الخليج ومعها نكبة فلسطين على تحفيز الفلسطينيين للهجرة إلى دول الخليج، وبدأ العمل في قطاع التعليم ثم تدريجيًا نحو الوظائف العامة ومختلف فروع الاقتصاد والإدارة.

واستمر الدعم الخليجي لفلسطين وقضيتها ماليًا ودبلوماسيًا بعد النكبة، ففي 16 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، وأثناء اشتعال الحرب بين سوريا ومصر وإسرائيل، قررت كل من السعودية والإمارات والكويت وقطر خفض الإنتاج من النفط، ثم فرضت باليوم التالي حظرًا على شحنات النفط الخام إلى الغرب خاصة الولايات المتحدة وهولندا.

وفي السنوات الأخيرة، طرأ تحول على العلاقات الخليجية الفلسطينية، إذ أعلنت الإمارات العربية المتحدة والبحرين تطبيع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع إسرائيل.

في المقابل، حافظت قطر والسعودية والكويت على موقف صلب وواضح من تطوير العلاقات مع الاحتلال.

ففي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب وقف التمويل الأميركي المخصص لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بشكل كامل، أعلنت السعودية عن رفع مساهماتها لتغطية النقص المالي الحاد في ميزانية الأونروا وتغطية احتياجات اللاجئين.

علاقة الخليج بالحركة الوطنية الفلسطينية

وفي هذا الإطار، أوضح الأكاديمي والمؤرخ الكويتي طلال الرشود، أن علاقات الخليج بالحركة الوطنية الفلسطينية بدأت في العشرينيات وتحديدًا عام 1924، مشيرًا إلى أنه في ذلك العام حدثت زيارة مفتي القدس أمين الحسيني لبعض دول الخليج حيث كان في رحلة إلى العراق، ثم عرج ببعض المشيخات الخليجية.

وأضاف في حديث لـ"العربي" من الكويت، أن هذه الزيارة كانت مؤثرة جدًا في فتح العلاقات، حيث كان مفتي القدس يجمع التبرعات لترميم المسجد الأقصى في فلسطين، وكان آنذاك يترأس المجلس الإسلامي، وهو عبارة عن مؤسسة دينية أسستها سلطات الانتداب في فلسطين، حيث كان هذا المجلس ذات طابع ديني.

وتابع الرشود أن أمين الحسيني استغل هذا المجلس من أجل توطيد علاقة الفلسطينيين بالمحيط العربي والإسلامي، وسعى أيضًا لتوطيد علاقته بالمسلمين والعرب.

وأردف أنه في عام 1924، تأسست جريدة الشورى في القاهرة على يد المناضل والصحافي الفلسطيني محمد علي الطاهر، وبخلاف غيرها من الصحف آنذاك، سلطت الضوء بشكل كبير جدًا على الخليج، لذلك كسبت جمهورًا في الكويت والبحرين والإمارات، لافتًا إلى أن هذه الجريدة لعبت دورًا هامًا في توطيد العلاقة بين أهل الخليج وبين الحركة الوطنية الفلسطينية.

ولفت إلى أن الشيخ عبد العزيز الرشيد أصبح في عام 1925 وكيلًا ومراسلًا لجريدة الشورى في الكويت، مشيرًا إلى أن الرشيد هو مؤسس أول جريدة في الكويت وفي الخليج عام 1927، ما ساهم بشكل كبير في توطيد العلاقة وتسهيل الاتصال ما بين الخليج وفلسطين.

دور الكويت في دعم القضية الفلسطينية

وبشأن دور الحراك والتيارات السياسية، وبروزها خصوصًا في حقبة الثلاثينيات في دعم قضية فلسطين، لا سيما الدور الريادي الكويتي في تلك الحقبة، أوضح الرشود أن الخليج شهد تحولات كبيرة جدًا في هذه الفترة، حيث كان هناك انهيار للاقتصاد التقليدي القائم على استخراج اللؤلؤ، وتدخل استعماري متزايد في المنطقة، بالإضافة إلى تأثير عربي متزايد خاصة عن طريق العراق الذي برز آنذاك كداعم للحركات القومية في المنطقة.

وأضاف أن هذه العوامل أدت إلى بروز حركات سياسية جديدة في المنطقة، كجماعة الشبيبة الكويتية، حيث كانت أول جماعة سياسية حديثة في الكويت، وهي التي أطلقت حملة التضامن مع فلسطين في البلاد عام 1933 حين أرسلت برقية احتجاج للوكيل السياسي البريطاني في الكويت احتجاجًا على ما يحدث في فلسطين.

وتابع أن هذا أدى أيضًا إلى خطوة ثانية في عام 1934، حين قام أول تجمع شعبي مؤازر للقضية الفلسطينية في ديوان الوجيه الكويتي عبد الرحمن خلف النقيب، لافتًا إلى أن هذا التجمع ضم عدد كبير من العلماء ومن التجار ومن الوجهاء وتمكنوا من جمع مبلغ من المال لصالح القضية الفلسطينية، إلا أن حاكم الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح امتعض من عدم استشارته في هذه الخطوة، فأمر بإرجاع الأموال إلى أصحابها.

دول الدول الخليجية في دعم فلسطين

وفي سياق متصل، تحدث الأكاديمي والمؤرخ الكويتي طلال الرشود عن نشاط للدول الخليجية برز أثناء الثورة العربية الكبرى في فلسطين سنة 1936 -1939، كتحركات في الكويت ابتداء من 1936 لجمع التبرعات، ومشاركة ممثل لحاكم الكويت في مؤتمر بلودان في سوريا عام 1937.

وأردف أنه منذ ذلك الوقت، حين قررت لجنة بيل الملكية البريطانية تقسيم فلسطين بين العرب واليهود، برزت هناك ردود فعل في دول الخليج الأخرى، حيث كان هناك خطاب احتجاجي من نادي البحرين في المحرق ضد خطة لجنة بيل، وظهور تجمع شعبي في الشارقة.

وأوضح الرشود أن الصحف لعبت دورًا هامًا منذ العشرينات في أن يستمد الشعب الخليجي الوعي في القضية الفلسطينية، وازداد هذا الدور منذ منتصف الثلاثينيات حيث انتشر الإذاعة بشكل كبير جدًا في الخليج، كما لعب المدرسون الفلسطينيون دورًا هامًا جدًا في هذا الإطار، حيث أرسل أمين الحسيني عام 1936 ًبعثة من المدرسين الفلسطينيين للكويت وقاموا بدور كبير في إصلاح التعليم الكويتي، وفي نشر الأفكار القومية ونشر الوعي حول القضية الفلسطينية.

وحول الموقف البريطاني من الحراك الخليجي تجاه القضية الفلسطينية، قال الرشود: "كان هناك ردة فعل سيئة من قبل سلطات الحماية البريطانية في الخليج"، مشيرًا إلى أن مشاركة حاكم الكويت آنذاك الشيخ أحمد الجابر الصباح في مؤتمر بلودان في سوريا بشكل غير مباشر عن طريق أحد الساسة العراقيين، أدى إلى غضب الإنكليز الذين وبخوه، وامتعضوا كثيرًا.

وبشأن مشاركة القوات السعودية في حرب فلسطين وحملات التبرعات التي قامت في الحجاز، لفت الرشود إلى أنه كان هناك حملات تبرع خاصة في الحجاز، ومظاهرة شعبية في منطقة رأس تنورة، حيث كانت تطالب الحكومة السعودية بإيقاف تصدير النفط إلى بريطانيا وأميركا، مشيرًا إلى أن القوات السعودية كان لها دور في حرب 1948 سواء القوات النظامية التي شاركت في الجبهة المصرية، أو المتطوعين الذين التحقوا بجيش الإنقاذ العربي.

ما أسباب عدم الاهتمام بتاريخ العلاقات الخليجية الفلسطينية؟

وأوضح المؤرخ الكويتي طلال الرشود، أن هناك عدة أمور قد تفسر عدم الاهتمام أو القصور في تسليط الضوء على هذه المرحلة، منها الصور النمطية السيئة عن الخليج التي ترى بأن هذه المنطقة لم تتغير منذ فجر إسلامها، وتاريخها فقط عبارة عن النزاعات القبلية أو الحروب الطائفية، مضيفًا أن النظرة الاستشراقية تلعب دورًا كبيرًا في هذه النظرة المجحفة للخليج.

وأردف أن هناك قصور في تأريخ لهذه المرحلة، وهذا يرتبط بالتركيز المبالغ فيه على الوثائق البريطانية، وللكتابة عن هذه المرحلة لا بد من العودة إلى الوثائق العربية إلى الصحف، والمذكرات، والوثائق الحكومية القديمة، ما يعطي بعدًا آخر يسمح بتسليط الضوء بشكل أكبر على بعض هذه التفاصيل التي هي مغيبة في الأرشيف البريطاني.

وتابع الرشود أن هناك أيضًا صعوبة في الوصول إلى المصادر في منطقة الخليج، وهذا يعود إلى سياسات الأرشيف الرسمية ومراكز الدراسات الرسمية، التي تمنع الباحثين في أحوال كثيرة من الوصول إلى المصادر، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يزداد سوءًا مع اتفاقيات التطبيع الأخيرة.

وخلص إلى أن هناك إهمالًا متزايدًا لهذا التاريخ في المناهج الحكومية، ربما بقصد أو بغير قصد، وهذا الأمر يعود إلى سياسيات إهمال التاريخ والمواد الاجتماعية والأدبية بشكل عام، مشيرًا إلى أن هناك نسيانًا لهذا التاريخ خاصة على مستوى المؤسسات الرسمية، لكن في المقابل هناك حركات شعبية وباحثون شباب يسلطون الضوء بشكل أكبر على هذا التاريخ من أجل إحيائه وتذكير الشعوب بأهمية العلاقة المتجذرة بالتاريخ.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close