السبت 16 نوفمبر / November 2024

عواصف رملية وجفاف.. تغير المناخ يهدد المواقع الأثرية في العراق

عواصف رملية وجفاف.. تغير المناخ يهدد المواقع الأثرية في العراق

شارك القصة

فقرة سابقة من "شبابيك" تسلط الضوء على سبب تراجع منسوب نهر دجلة في العراق وتأثيره على وقع تغير المناخ (الصورة: غيتي)
باتت المواقع الأثرية في العراق تتعرض لتأثير غير مباشر بفعل تغير المناخ، من بينها أم العقارب التي تواجه عواصف رملية متزايدة.

يلقي تغير المناخ وتداعياته بظلاله على مواقع أثرية عمرها الآف السنين في العراق، التي باتت تتعرّض لأضرار كبيرة بفعل عوامل هذا التغير المناخي، مثل العواصف الرملية وتزايد الملوحة.

ويتحدّث عالم الآثار العراقي عقيل المنصراوي، وهو يقف على قمة رمال تغطي بشكل شبه كامل أحد المواقع الأثرية، ويتأمل ما حوله من آثار تعود لأكثر من أربعة آلاف عام، قائلاً: "أم العقارب هي في الحقيقة إحدى أهم المدن السومرية في جنوب بلاد الرافدين"، مشيرًا إلى أنها "كانت تتمتع بدور مميز خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد".

يقول المنصراوي إن الرمال المتحركة قد تغطي معظم موقع أم العقارب في السنوات المقبلة (الصورة: غيتي)
يقول المنصراوي إن الرمال المتحركة قد تغطي معظم موقع أم العقارب في السنوات المقبلة (الصورة: غيتي)

ويعاني موقع أم العقارب اليوم من تأثيرات غير مباشرة سببها التغير المناخي، بينها العواصف الرملية المتزايدة في العراق، بالإضافة إلى ما يتعرض له الموقع من أعمال نهب متكررة، كما هو حال مواقع أخرى تفتقر لحراسة جيدة.

وعام 2022، اجتاحت مناطق واسعة من العراق أكثر من عشر عواصف رملية، بحسب "فرانس برس"، ما أدى إلى نقل مئات حالات الاختناق إلى المستشفيات وإغلاق الدوائر الحكومية فضلاً عن إيقاف حركة الملاحة الجوية.

ويلفت المنصراوي في تصريح إلى "فرانس برس" إلى أن "الرمال المتحركة بدأت تزحف، تغطّي أجزاء كبيرة من موقع" أم العقارب، في ظاهرة مستمرة منذ "عشر سنوات". وبهدف إظهار الحجر الذي يشكّل واجهة معبد، على عالم الآثار وقبل كل شيء إزالة الرمال.

وبحسب قوله فإن "الرمال المتحركة، ومع زحفها بكميات كبيرة على هذه الموقع، ربما ستغطي خلال السنوات العشر المقبلة 80 إلى 90% من هذه المواقع" الأثرية في جنوب العراق. ويتابع: "سيتعين على البعثات الأثرية (المقبلة) بذل مزيد من الجهد"، لتنظيف الأرض قبل البدء بالتنقيب.

فترات جفاف طويلة

من جهته، يقول الأستاذ في علم الآثار في جامعة القادسية جعفر الجوذري، إن الرياح حاليًا "مليئة بكميات أكبر من الغبار" و"تحمل شوائب من الأرض، خصوصًا الرمال والطمى، ما يؤدي إلى تآكل المباني" الأثرية.

ويلفت إلى أنّ المشكلة تكمن في فصول شتاء أكثر جفافًا ومواسم صيف حارة بصورة متزايدة إذ تُسجل فيها درجات حرارة تتخطى 50 درجة مئوية، الأمر الذي يؤدي إلى "إضعاف التربة وتفتيتها بسبب قلة الغطاء النباتي".

ويقر مدير آثار محافظة ذي قار حيث تقع أم العقارب، شامل إبراهيم، بأن المواقع الأثرية "معرضة للتعرية والرياح أكثر من غيرها بسبب التصحر والجفاف والتغير المناخي، بخاصة خلال هذه السنوات التي واجه فيها العراق نقصًا في المياه وقلة الأمطار والجفاف".

ويؤكد في الوقت نفسه أنّ الحكومة العراقية تعمل من أجل السيطرة على المناطق الرملية التي تتطاير منها الرياح، من خلال تشجير هذه المناطق وإنشاء "حزام أخضر" يتمثل في زارعة أشجار بكلفة تصل إلى خمسة مليارات دينار (حوالي 3 ملايين و800 ألف دولار).

رغم ذلك، يتساءل الجوذري عن مدى فعالية هذه المبادرات، لأن الحفاظ على الغطاء النباتي "يتطلب كميات كبيرة من المياه"، مضيفًا: "نحن البلد الذي يعاني أكثر من غيره ويعمل أقل" لمواجهة آثار التغير المناخي.

الملوحة

ويتمثل العامل الآخر في الملوحة التي تشكّل العدو الثاني للمواقع الأثرية، ويعود سببها إلى البيئة "الجافة جدًا"، وفق ما أكد مارك الطويل، أستاذ في آثار الشرق الأدنى لدى جامعة "يو سي أل" في لندن، قائلًا عندما "يتبخر الماء بسرعة كبيرة، لا تبقى سوى الأملاح".

ويُعد العراق أحد أكثر خمس دول في العالم تأثرًا ببعض الآثار الملموسة للتغير المناخي، في مقدمتها فترات الجفاف الطويلة، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.

وتبدو هذه الظاهرة الكارثية واضحة في نهري العراق الأسطوريين، دجلة والفرات، وهما المصدر الرئيسي للري لغالبية فلاحي هذا البلد، حيث يشهدان انخفاضًا حادًا في منسوب المياه ما ينذر باتساع موجة الجفاف التي تضرب البلاد منذ عقدين تقريبًا، ويهدد حياة المواطنين والثروات الحيوانية والزراعية.

ورغم أنّ المسألة تعلق بشكل كبير بنقص الأمطار، تدين سلطات البلاد قيام جيرانها تركيا وإيران ببناء سدود على منابع النهرين، لأنّ هذه الخطوة تمثل عاملاً رئيسيًا في الحد من تدفق المياه، وفق بغداد.

الري بطريقة الغمر

كذلك، ينتقد الجوذري بعض العراقيين الذين لديهم "أسوأ إدارة هيدروليكية"، تعود إلى العصرين السومري والأكادي وتستمر حتى اليوم، ويعتمد فيها المزارعون على الري بطريقة الغمر التي تستهلك كميات هائلة من الماء وتتسبب بخسائر كبيرة.

ويتسبّب نقص المياه بهجرة المزارعين والرعاة إلى المدن بهدف البقاء على قيد الحياة. بالنتيجة، "بعد أن يهجر المزارعون أراضيهم، تصبح التربة أكثر عرضة للرياح" التي تحمل معها الرمال والطمى، وفقًا للأستاذ الجوذري.

وكان رئيس جمهورية العراق السابق برهم صالح، حذّر في نهاية عام 2021، من "تأثر 39% من الأراضي العراقية بالتصحر"، وهي نسبة قابلة للزيادة.

تابع القراءة
المصادر:
العربي- أ ف ب
تغطية خاصة
Close