شيئًا فشيئًا، تقترب القوات الروسية من العاصمة الأوكرانية كييف، بعدما حاصرتها من كلّ الجهات، وسط استمرار القتال واحتدام المعارك على أكثر من جبهة، مع دخول الهجوم على أوكرانيا يومه الحادي عشر.
ويواصل الجيش الروسي ضغطه على جنوب أوكرانيا وكييف بينما هدد الرئيس فلاديمير بوتين بحرمان هذا البلد من "وضع الدولة" ورأى في العقوبات الدولية التي تفرض على روسيا "إعلان الحرب".
وأفاد تقرير لهيئة الأركان العامة الأوكرانية نُشر على فيسبوك الأحد بأن الجيش الروسي يواصل هجومه "مركّزًا جهوده الكبرى على محيط مدن كييف وخاركيف (شرق) وميكولايف (جنوب)".
وسيشكل سقوط ماريوبول التي يبلغ عدد سكانها نحو 450 ألف نسمة، نقطة تحول في النزاع لأنه سيسمح بربط القوات القادمة من شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا، بعدما استولت على ميناءي بيرديانسك وخيرسون الرئيسيين، من جهة، وقوات دونباس من جهة أخرى. وسيتيح لهذه القوات المعززة الصعود باتجاه وسط أوكرانيا وشمالها.
كما يقترب الجنود الروس من كييف ويواجهون مقاومة عنيدة. وقتل عشرات المدنيين في الأيام الأخيرة في تشيرنيغيف على مسافة 150 كيلومترًا شمال العاصمة.
"تكتيك جديد" تعتمده القوات الروسية
ويرى الخبير العسكري اللواء محمد ثلجي أنّ القوات الروسية "تتأنّى كثيرًا" في الدخول إلى كييف، ملاحظًا أنّ القتال محتدم على جميع الجبهات في المحور الشمالي، في ظلّ عمليات إنزال وحصار بالجملة.
ويعزو ثلجي في حديث إلى "العربي"، من عمّان، هذا "التأنّي" إلى رغبة روسية بمعالجة الأخطاء التي وقعت فيها في بداية الهجوم الروسي، مشيرًا إلى أنّ الجيش الروسي يحاصر كييف من جميع الاتجاهات باستثناء الجهة الجنوبية.
ويوضح أنّ روسيا تريد قطع جميع وسائل إدامة الحياة عن كييف قبل سقوطها بيدها، وهي لذلك تتأكد من عدم وصول الإمدادات العسكرية والأسلحة الجديدة إلى القوات الموجودة في محيط كييف. ويضيف أنّ موسكو تريد إنهاك الدفاعات الأوكرانية الموجودة حول هذه المدينة.
ويتحدّث ثلجي عن أسلوب أو تكتيك جديد تتبعه القوات الروسية في معرفة أين تكمن هذه الدفاعات، "حيث يقومون بضرب بعض الصواريخ أو إرسال بعض المسيّرات فوق بعض المناطق في كييف، وتقوم هذه الدفاعات الجوية بالرد عليها، ومن ثمّ يتمّ تحديد أماكن هذه الدفاعات الجوية ويتم ضربها".
ويلفت إلى أنّ القوات الروسية تعتمد هذا الأسلوب منذ يومين أو ثلاثة، "وبالتالي إذا ما استمرّت على هذا المنوال وتصيّد هذه الدفاعات وإنهاكها وتدميرها، فإنّ إسقاط كييف سيصبح نتيجة حتمية إذا ما طال الحصار وطال أمد هذا الطوق الذي تضربه القوات الروسية".
ويخلص إلى أنّ القوات الروسية لم تستخدم حتى الآن جميع الإمكانيات العسكرية المتوفرة لديها في مختلف المعارك في أوكرانيا، ولا سيما في محيط العاصمة كييف، وهنالك العديد من الأسلحة لم تستخدمها بعد.
الحرب "ربما تبدأ" بعد سقوط كييف
من جهته، يتحدّث أستاذ العلاقات الدولية حسن البراري عن "خلل فادح في موازين القوى"، على حدّ وصفه، معتبرًا أنّه "لا يمكن مقارنة القوة العسكرية الروسية مع القوة الأوكرانية".
ويشير في حديث إلى "العربي"، من الدوحة، إلى أنّ الناتو ليس طرفًا في الحرب، موضحًا أنّه لو دخل الناتو في الحرب لما استطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يحقق الأهداف التي وضعها نصب عينيه، أو إذا حققها سيكون بأثمان باهظة جدًا.
ويلفت إلى أنّ بوتين يراهن منذ البداية على موقف الغرب الذي أكد أنه ليس جزءًا من هذه المعركة، ووضع خطًا أحمر كان واضحًا بتصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن حين قال: "سندافع عن كل شبر من أراضي الناتو"، وبالتالي فهو لا يريد أن يقترب من هذه النقطة.
ويرى البراري أن الغرب واضح تمامًا فهو لا يعتبر الحرب حربه، بخلاف الرئيس الروسي الذي يعتبر الانتصار عسكريًا في أوكرانيا مسألة حياة أو موت وهو مستعد لخوض الحرب حتى النهاية في سياق الدفاع عن تصوراته.
وفيما يعتبر أنّ موقف الغرب حقيقي وليس موقفًا دعائيًا، يعرب عن اعتقاده بأنّه ما يعطي الثقة لبوتين باعتبار أنه يتعامل مع جيش بدائي بصورة أو بأخرى.
وإذ يرجّح البراري أن تسقط كييف في النهاية بيد القوات الروسية، يشير إلى أنّ "الحرب ربما تبدأ بعد ذلك بين الأوكرانيين والروس".
ويقول: "إذا سقطت كييف وتحول الجيش إلى مقاومة قد نشهد حرب استنزاف وإذا كانت هذه الحرب مدعومة من قوى غربية بتسليح نوعي ستكون الكلفة باهظة على القوات الروسية".