استأنف الجيش الروسي مهاجمة مدينة ماريوبول الساحلية الإستراتيجية أمس السبت، وواصل التقدّم في مناطق أوكرانية أخرى مع استمرار القتال العنيف حول العاصمة كييف، في حين وجّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحذيرات جديدة إلى حلف شمال الأطلسي.
وقالت وزارة الدفاع الروسية: "نظرًا إلى غياب الرغبة من الجانب الأوكراني في التأثير على القوميين أو تمديد وقف إطلاق النار، استؤنفت العمليات (العسكرية) الساعة 18,00 بتوقيت موسكو (15,00 ت. غ).
وكان الأوكرانيون قد أرجأوا قبل ذلك بساعات، إجلاء المدنيين من ماريوبول المطلة على البحر الأسود ومدينة أخرى محاصرة، مبررين ذلك بانتهاك القوات الروسية وقف إطلاق النار، وهو ما نفته موسكو.
وأعلنت روسيا وقف إطلاق النار صباح السبت، وفتح ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين المحاصرين في ماريوبول ومدينة فولنوفاخا المجاورة والمحاصرة أيضًا.
وقال رئيس بلدية ماريوبول فاديم بويتشينكو: إن الوضع في الميناء الإستراتيجي الواقع في جنوب شرق أوكرانيا والمحاصَر من القوات الروسية "صعب جدًا" في ظل "حصار إنساني" وقصف مكثف.
وأوضح بويتشينكو في مقابلة بثت على يوتيوب مساء السبت: "نحن نعيش بلا كهرباء منذ خمسة أيام وليس لدينا تدفئة أو شبكة للهاتف الجوال". وأضاف أن القصف في الأيام الماضية تسبب في سقوط "آلاف الجرحى"، متهمًا القوات الروسية بمنع وصول المواد الغذائية والأدوية.
وتابع رئيس البلدية أن "مدينة ماريوبول لم تعد موجودة"، مناشدًا "شركاءنا الأميركيين والأوروبيين: ساعدونا، أنقذوا ماريوبول!".
"وضع كارثي"
في غضون ذلك، اعتبر مسؤول في منظمة أطباء بلا حدود أنه "من الضروري" إجلاء سكان مدينة ماريوبول بسرعة بسبب الوضع الإنساني "الكارثي" فيها، مع تواصل حصارها من الجيش الروسي وحلفائه.
وصرّح منسق الطوارئ في المنظمة غير الحكومية في أوكرانيا لوران ليغوزات لـ"فرانس برس" أن "الوضع في ماريوبول كارثي ويسوء يومًا بعد آخر".
وأضاف متحدثًا من مدينة لفيف غرب أوكرانيا: "لم يعد هناك ماء اليوم، يعاني الناس من مشاكل كثيرة في الحصول على مياه الشرب، وقد أصبحت هذه مشكلة أساسية إلى حد ما. لم يعد هناك كهرباء ولا توجد تدفئة. الطعام ينفد والمحلات فارغة".
وكان لمنظمة "أطباء بلا حدود" قبل بدء العملية العسكرية الروسية الأسبوع الماضي، طاقم عمل في المدينة الساحلية الاستراتيجية التي يناهز عدد سكانها 450 ألف نسمة. ولا يزال للمنظمة فرق في المدينة، وهي عالقة فيها منذ أيام عدة.
وأعرب ليغوزات المسؤول في منظمة "أطباء بلا حدود"، عن أسفه لأن "لا شيء يدخل ويخرج من المدينة منذ أيام عدة"، مناشدًا أطراف النزاع السماح للمدنيين بالمغادرة.
وأردف: "من الضروري أن يتم إنشاء الممر الإنساني بسرعة كبيرة للسماح للمدنيين من النساء والأطفال بالخروج، لقد كان من الممكن إنشاؤه اليوم ولكن لم يتم إنشاؤه بسبب عدم احترام وقف إطلاق النار".
#عاجل | أطباء بلا حدود: من الضروري إجلاء سكان مدينة #ماريوبول الأوكرانية بسرعة بسبب الوضع الإنساني "الكارثي" فيها #روسيا #أوكرانيا #الحرب_الروسية_الأوكرانية pic.twitter.com/7tr3vjI00a
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 5, 2022
وستكون السيطرة على مدينة ماريوبول نقطة تحول مهمة في اليوم العاشر من الحرب، بينما تستعد موسكو وكييف لجلسة تفاوض ثالثة الإثنين.
وستؤدي السيطرة على المدينة إلى التحام القوات الروسية الآتية من شبه جزيرة القرم والتي استولت مؤخرًا على بيرديانسك وخيرسون، والقوات الانفصالية والروسية في دونباس، وتوحيد هذه القوات للتحرك شمالًا.
وسيسمح ذلك للجيش الروسي الذي حقق تقدمًا كبيرًا في الأراضي الأوكرانية، بتشديد الضغط العسكري على وسط البلاد وشمالها حيث يحتدم القتال، لا سيما في كييف وخاركيف.
من جانبها، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر السبت إن "المشاهد اليوم في ماريوبول وفي مدن أخرى مفجعة".
"ماتوا جميعًا"
يأتي حصار ماريوبول مع اقتراب القوات الروسية من كييف في مواجهة مقاومة شديدة في بعض الأحيان وقصف طال مباني سكنية، ولا سيما في تشيرنيغوف على بعد 150 كيلومترًا شمال العاصمة، حيث قتل عشرات المدنيين في الأيام الأخيرة.
ووفق "فرانس برس"، شوهد في تشيرنيغوف السبت، دمار في أحياء المدنية التي تقول موسكو إنها لا تستهدفها، ويقطنها 300 ألف نسمة والتي تفرغ من سكانها وحيث يرتسم مشهد يخشى أن يتكرر في وسط كييف المطوقة بقوات روسية.
وقال سيرغي، وهو أحد الناجين من القصف: "كانت الجثث منتشرة في كل مكان. كانوا ينتظرون في طوابير للحصول على علاج وقد ماتوا جميعًا".
وواصل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تحدي موسكو، وأعلن السبت أن القوات الأوكرانية شنّت هجومًا مضادًا حول خاركيف ثاني مدن البلاد التي شهدت بعض أعنف عمليات القصف منذ بداية الحرب.
وفي أحد المستشفيات في شمال العاصمة، تحدّث جنود أوكرانيون مصابون لـ"فرانس برس" السبت عن قتالهم غير المتكافئ تحت وابل من النيران الروسية، فيما تعهدوا أنهم سيعودون إلى الجبهة بمجرد أن يصبحوا قادرين على القتال.
وروى الجندي موتيكا (29 عامًا) الذي أصيب بشظية ما واجهه قائلًا: "كنا في وضع استطلاعي وصادفنا رتلاً معاديًا. قاتلناهم وقتلنا جنودهم المشاة لكنهم أمطرونا بقذائف الهاون"، وقد خسرت الكتيبة الأوكرانية العديد من المقاتلين واضطرت للتراجع.
"خطة عمل"
في السياق نفسه، وصل بلينكن إلى مولدافيا السبت لإظهار دعم واشنطن، في وقتٍ تشهد البلاد موجة لاجئين من أوكرانيا.
وكان أعضاء في الكونغرس الأميركي قد وعدوا خلال محادثة افتراضية مع زيلينسكي بصرف مساعدات لأوكرانيا بقيمة 10 مليارات دولار.
ويستعد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لتقديم "خطة عمل" دولية تهدف إلى "إفشال" الهجوم الروسي على أوكرانيا ويعتزم لهذه الغاية تكثيف الاجتماعات الدبلوماسية الأسبوع المقبل في لندن، بحسب ما أعلن مكتبه السبت.
وبحسب السلطات الأوكرانية، ستعقد جولة ثالثة من المفاوضات مع الروس الإثنين.
لكن فرص تحقيق تقدم تبدو ضئيلة جدًا، فقد حذر بوتين من أن الحوار مع كييف لن يكون ممكنًا إلا إذا تم قبول "كل المطالب الروسية" بما في ذلك ضمان وضع أوكرانيا باعتبارها دولة "محايدة وغير نووية" و"إلزامها بنزع سلاحها".
من جهة ثانية، أعلنت شركتا الدفع بالبطاقات فيزا وماستركارد السبت، أنهما ستعلقان عملياتهما في روسيا، لتنضما بذلك إلى عدد متزايد من الشركات الأميركية الكبرى التي علّقت أعمالها في روسيا على خلفية حربها على أوكرانيا.