كان للمرأة نصيب من ضريبة الأزمة الصحية التي اجتاحت العالم، حيث تزايد العنف القائم ضدها وفُرضت بعض القيود على عملها، واضطرت بعض النساء إلى التفرغ لرعاية الأبناء ودعم مساراتهم الدراسية بعدما فُرِض نظامُ التعليم عن بُعد.
وبالتوازي، تراجعت الخطابات السياسية المطالبة بتمكين المرأة بسبب انشغالات مستعجلة للمجتمعات، رغم أنّ التقرير الأخير للبنك الدولي أشار إلى أن الاستثمار في تمكين المرأة من خلال تيسير حصولها على تعليم جيد وتوفير فرص العمل لها والرعاية الصحية أصبح اليوم في زمن كورونا أكثر أهمية من أي وقت سابق.
إزاء ذلك، تُطرَح تساؤلات عن واقع النساء في الخليج في زمن الجائحة، وعن مكتسبات المرأة الخليجية، وماذا تحقق وماذا تبقى من الخطط والتصورات الحكومية لتمكين المرأة، فضلًا عن مدى تراجع الصورة النمطية التي تلاحق المرأة الخليجية في الداخل والخارج.
تداعيات جائحة كورونا "ثقيلة" على المرأة الخليجية
وإذا كانت جائحة كورونا وضعت البشرية جمعاء في امتحان صعب وكبّدت الدول خسائر اقتصادية كبيرة، فإن وقعها كان مضاعَفًا على المرأة، ولا سيما في دول الخليج، حيث تراجعت فرص العمل للنساء، وتوسّعت الفجوة أكثر بين الجنسين بعد موجة التسريحات بسبب الجائحة، كما أجبرت البعض على ملازمة البيت الذي أدّى أحيانًا إلى تسليط العنف عليها.
وبقدر ما كانت تداعيات الجائحة ثقيلة على المرأة الخليجية اقتصاديًا ومعنويًا بقدر ما فتحت لها مجالات أخرى. فقد وقفت المرأة الخليجية في خط الدفاع الأول مع الجيش الأبيض، وأثبتت قدرتها على مواجهة الفيروس وقيادة المرحلة والمشاركة في إنجاح استراتيجياتها. كما استطاعت أن تؤمّن المعرفة لشهور من الحجر الصحي، وتقدّم خدمة التعليم في مراحل متعددة.
المرأة الخليجية أثبتت كفاءتها
تتمتع المرأة الخليجية بحقوق أساسية، من بينها التعليم والرعاية الصحية، كما نالت منذ عقود حق المشاركة في الحياة السياسية وأثبتت كفاءتها بتبوئها مناصب هامة، فكانت نائبة ووزيرة وممثلة دبلوماسية لبلادها.
ففي الكويت، عُيّنت معصومة المبارك أول وزيرة في تاريخ البلاد عام 2005 بعد محطات نضال خاضتها المرأة الكويتية، ومكّنتها من حق الترشح والانتخاب. وقدّمت المبارك صورة المرأة الناجحة لتشغل المنصب نفسه على رأس أكثر من وزارة.
وسبقت عُمان دول الخليج في ذلك عام 1994، ما فتح المجال أمام المرأة العُمانية للعمل السياسي والمشاركة فيه، على غرار شريفة اليحيائية التي شغلت منصب وزيرة التنمية الاجتماعية لثماني سنوات، وعملت باستمرار من أجل تمكين المرأة والأسرة في بلادها.
عادات وتقاليد تتحكم في حقوق المرأة الخليجية
وعلى الرغم من القرارات والتوجّهات التي اتخذتها دول الخليج لتمكين المرأة من المشاركة في الحياة السياسية، إلا أنها تبقى "قرارات خجولة". ويصف البعض التشريعات والقوانين الخاصة بها بالجامدة.
ولعلّ تركيبة المجتمع الخليجي تقف حاجزًا أمام تنفيذها وتحقيق تنمية مجتمعية في المنطقة، حيث لا تزال العادات والتقاليد تتحكّم في حقوق المرأة الخليجية، وقد يكون ذلك سببًا في رسم صورة نمطية عنها.
رغم الآثار السلبية للجائحة وعوائق المجتمع.. المرأة الخليجية تثبت دورها القيادي في إدارة الأزمات والتعامل مع الصعوبات #خليج_العرب pic.twitter.com/vLJkJVxywD
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) March 15, 2021
المرأة الخليجية ممكَّنة اقتصاديًا واجتماعيًا
وترى وزيرة التنمية الاجتماعية سابقًا في سلطنة عُمان شريفة اليحيائية أن ما حدث للمرأة في الخليج لا يكاد يختلف عمّا حدث للمرأة في العالم بصورة عامة، موضحة أنّ الوباء استشرى بصورة غير مسبوقة على مستوى العالم، وطال المرأة في الخليج كما طال المرأة في العالم بصورة عامة.
لكنّ اليحيائية تلفت، في حديث إلى "العربي"، إلى حصول تراجع في الطرح السياسي لتمكين المرأة في زمن الجائحة، مشيرة إلى أنّ الحكومات انشغلت بالتعاطي مع الوباء؛ ما أدّى إلى تجميد القضايا الأخرى، ولا سيما ما يتعلق منها بتمكين المرأة.
وتؤكد اليحيائية أنّ المرأة ممكَّنة اجتماعيًا واقتصاديًا في الخليج منذ القدم من خلال الأسرة، في حين أن التمكين السياسي كان من خلال وجود أسماء نسائية قيادية بدعم من القوى السياسية في إدارة بعض القطاعات على المستوى التنفيذي أو الرسمي.
حقوق المرأة ليست عملية تجميلية
من جهتها، ترفض أستاذة العلوم السياسية في جامعة الكويت الوزيرة السابقة معصومة المبارك مقولة: إن حصول المرأة على حقوقها هو مجرد عملية تجميلية تخاطب فيها الدول العالم الخارجية وليس مجتمعها.
وتعتبر المبارك، في حديث إلى "العربي"، أنّ هذه المقولة تلغي دور النضال النسوي الذي امتدّ، في الكويت مثلًا، من العام 1973 إلى 2005 حتى تحققت الحقوق السياسية للمرأة.
وتشدّد على أنّ الأمر لم يكن يتعلق بضغوط خارجية، "بل نتيجة للوضع الداخلي والدور الذي كان يلعبه بعض أعضاء مجلس الأمة من التعنت لحجب الحقوق السياسية والمدنية للمرأة".
وفي حين تعرب عن اعتقادها بأنّ حصول المرأة على حقوقها في بعض المجتمعات قد يكون خاضعًا لظروف وضغوط خارجية، تجزم أن ذلك لا يسري على الإطلاق على الوضع في الكويت.