ما زال الموقع الجديد لقوات "فاغنر" في بيلاروسيا يشغل بال دول الجوار، ويُقلق موسكو التي تخشى، بحسب مراقبين، أي تمرّد جديد يخلط أوراق المعادلة الميدانية.
فأين يتمركز هذا الخطر جغرافيًا، وسياسيًا، وعسكريًا؟
بما أن البعد الجغرافي يُعدّ عاملًا حاسمًا في الميدان، قام فريق التحقّق من المصادر المفتوحة في "التلفزيون العربي"، بتحليل الموقع الجغرافي الحالي لقوات "فاغنر".
ومن خلال برامج الأقمار الصناعية، وجدنا أنّ القاعدة السابقة لمجموعة "فاغنر" في كراسنودار كراي تبعد حوالي 1200 كيلومتر من موسكو. في حين أنّ قاعدتها الجديدة في بيلاروسيا، تقع على بعد حوالي 640 كيلومتر من العاصمة الروسية، وعلى طول طريق إستراتيجي.
بدورها، عزّزت بولندا حدودها المشتركة مع بيلاروسيا من أجل التصدي لأي خطر محتمل، أو تحرّك عسكري لقوات "فاغنر". إلا أنّ هذه المخاوف لم تتعد إلى اليوم حدود التكهنات.
ووفقًا لتحليل المختصّين لدى معهد "دراسات الحرب" ( Institute for the Study of War)، ليس هناك ما يشير إلى أنّ مقاتلي "فاغنر" في بيلاروسيا يمتلكون الأسلحة الثقيلة اللازمة لشنّ هجوم خطير ضد أوكرانيا أو بولندا.
6/ #Wagner forces in #Belarus pose no military threat to #Poland or #Ukraine, for that matter, until and unless they are re-equipped with mechanized equipment. They pose no meaningful threat to #NATO even then. https://t.co/jWahtGG1dM
— ISW (@TheStudyofWar) July 24, 2023
وتدعم صور الأقمار الاصطناعية التي نشرتها شركة "ماكسار" (Maxar) في 23 يوليو/ تموز الحالي، هذا التحليل.
إذ تظهر مركبات متوقّفة حاليًا في منطقة التخزين، وحولها المئات من السيارات والشاحنات الصغيرة، مع غياب واضح للآليات العسكرية الهجومية الثقيلة، أو أيّ نوع من العتاد الثقيل كالمدافع الصاروخية أو المنظومات الهجومية.
كما كشفت صور الأقمار الاصطناعية عن تغيّر كبير للقاعدة في بيلاروسيا، مع قدوم قوات "فاغنر".
فبعد أن كانت عبارة عن مبانٍ خاوية، منعدمة الحركة داخل المجمع العسكري، وتفتقر لأي نوع من المعدات أو الاسلحة أو البناء الجديد في أبريل/ نيسان 2019؛ ظهرت حركة بناء ونقل للمعدات اللوجستية والجنود.
كما كشفت صور الأقمار الاصطناعية التي نشرتها "بلانيت" (Planet) في 16 يوليو، وصول قافلة كبيرة من الباصات والشاحنات إلى القاعدة، وظهور مئات الخيم العسكرية الجديدة.
ويختلف واقع "فاغنر" الحالي في القاعدة الجديدة في بيلاروسيا بشكل كبير عمّا كان عليه في قاعدته القديمة في جنوب روسيا. وتظهر الصور التي تعود إلى ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أنّ القاعدة كانت تتألف من مبان لوجستية متوزّعة على مساحة واسعة، كما كانت تحتوي على ساحات للتدريب العسكري، وثكنات لمحاكاة المعارك العسكرية، والعديد من المدرعات العسكرية المنتشرة في جميع أرجائها.
تحليل الموقع الجغرافي الجديد لقاعدة "فاغنر" و التأثير المحتمل على مختلف الأطراف👇#بوليغراف pic.twitter.com/YceA06iKTv
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) July 29, 2023
لا مخاوف
أمّا في الوقت الراهن، فلا مخاوف ملموسة من القوات الروسية التي تنظّم صفوفها، وتُجهّز قواعدها في بيلاروسيا. إلا أنّ موقعها لا يزال يُشكّل التهديد الأبرز لدول حلف شمال الأطلسي (الناتو) المجاورة من جهة، ولأوكرانيا من جهة أخرى، بعدما باتت قوات "فاغنر" أقرب إلى عاصمتها.
وبمراجعة الأقمار الاصطناعية، قام فريق التحقّق في "العربي"، بتحديد المسافة الجديدة بين قوات "فاغنر" والعاصمة الأوكرانية كييف، وتبيّن أنّها لا تبعد أكثر من 350 كيلومترًا.
وهذه المسافة عزّزها الطريق السريع الذي تُطلّ عليه القاعدة، وهو طريق "أم 5" (M-5) الذي يعبر النصف الجنوبي لبيلاروسيا حتى الحدود الروسية مع أوكرانيا.
وهو ما يجعل تمركز قوات فاغنر على بعد مسافة قريبة من الحدود الأوكرانية تهديدًا أكبر للعاصمة كييف، إن تمكنت "فاغنر" لاحقًا من تجديد عتادها العسكري.