الإثنين 1 يوليو / يوليو 2024

قراءة في إستراتيجية ماليزيا المحايدة.. المصالح الوطنية فوق كل اعتبار

يتجلى موقف ماليزيا المحايد كاستراتيجية ذكية للتعامل مع التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين - غيتي
يتجلى موقف ماليزيا المحايد كاستراتيجية ذكية للتعامل مع التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين - غيتي
قراءة في إستراتيجية ماليزيا المحايدة.. المصالح الوطنية فوق كل اعتبار
قراءة في إستراتيجية ماليزيا المحايدة.. المصالح الوطنية فوق كل اعتبار
الخميس 27 يونيو 2024

شارك

وسام المحلاوي - مراسل التلفزيون العربي في ماليزيا

في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، تتبنى ماليزيا نهجًا محايدًا، واضعة مصالحها الوطنية فوق كل اعتبار. ويتجلّى ذلك من خلال تأكيد رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم على التزام ماليزيا بعدم الانخراط في أي نزاع بين القوتين العظميين، وتشديده على أهمية الحفاظ على علاقات قوية مع كلا الجانبين.

وفي مقابلة له مع صحيفة "ساوث تشاينا مورنينج بوست" في 15 يونيو/ حزيران 2024، قال إبراهيم إن ماليزيا تحتفل بالذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية مع الصين، موضحًا أن بلاده لن تخضع لأي ضغوط خارجية فيما يتعلق برسم سياساتها الرامية إلى دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام.

استنادًا إلى ما تقدّم، يتّضح أنّ ماليزيا تسعى إلى تعزيز علاقاتها مع الصين لأسباب اقتصادية واستراتيجية، وخصوصًا في عدد من المجالات الحيوية مثل الاقتصاد الرقمي والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، وتولي ماليزيا أهمية قصوى لهذه القطاعات لما تمثله من رافعة اقتصادية مستقبلية سيكون لها انعكاساتها الإيجابية على مستقبل البلاد.

وتبادل الصين ماليزيا نفس التوجهات والاهتمامات وهناك العديد من المشاريع التي يجري العمل عليها حاليا بين البلدين، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مشروع السكك الحديدية الشرقية، ومشروع منطقة الصناعات الصينية-الماليزية كوانتان، الأمر الذي يجعل العلاقات بين البلدين تبدو أقرب وأكثر تعاونًا.

لكن، على الرغم من ذلك، لا يخلو الأمر من وجود بعض الخلافات بين البلدين، على خلفيّة الصفقات غير المتكافئة التي أبرمتها الحكومات الماليزية السابقة مع الصين، الأمر الذي استدعى إعادة التفاوض مرة أخرى على هذه المشاريع لتحسين شروط التعاقد بما يحقق استفادة فعلية لماليزيا من هذه المشاريع.

تسعى ماليزيا إلى تعزيز علاقاتها مع الصين لأسباب اقتصادية واستراتيجية - غيتي
تسعى ماليزيا إلى تعزيز علاقاتها مع الصين لأسباب اقتصادية واستراتيجية - غيتي

التوترات في بحر الصين الجنوبي

لا يخفى على أحد حجم الخلاف القائم في بحر الصين الجنوبي بين الصين من جهة ودول جنوب شرق آسيا وغيرها من الدول التي تتداخل مصالحها مع مصالح دول المنطقة وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا واليابان. ولكن من الملاحظ أن دول جنوب شرق آسيا والمنضوية تحت مظلة آسيان تميل إلى انتهاج سياسة الحوار للتعامل مع هذه الخلافات في محاولة لتنحية أي احتمالات للتصعيد مع الصين.

وقد جاء ذلك في أكثر من تصريح على لسان زعماء المنطقة ففي آخر لقاء جمع أنور إبراهيم رئيس الوزراء الماليزي، مع رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشانغ، قال إبراهيم إن الغرب يبالغ في التعامل مع هذه المشكلة. وشدد على أهمية حل النزاعات عبر المفاوضات الثنائية والمناقشات داخل رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، بعيدًا عن التدخل الخارجي. كما حذر من اتخاذ الولايات المتحدة لمواقف استفزازية قد تؤثر سلبًا على ماليزيا ودول المنطقة. واتفق الجانبان على نهج الحوار الثنائي لحل النزاعات في بحر الصين الجنوبي.

الموقف من قضية تايوان

تعتبر قضية تايوان واحدة من القضايا الأكثر تفجّرًا على الساحة الإقليمية والدولية في ظل إصرار الصين على أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين القومية، وتسعى لإعادة بسط سيطرتها عليها سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا. وتعتبر بكين أي محاولة للاستقلال من تايوان خرقًا لمبدأ "الصين الواحدة".

في المقابل تدعم الولايات المتحدة تايوان عسكريًا وسياسيًا في وجه التهديدات الصينية. وتنظر الولايات المتحدة إلى تايوان كشريك استراتيجي وتعمل على تعزيز العلاقات معها آخذين في الاعتبار عدم وجود علاقات دبلوماسية على المستوى الرسمي بينهما.

تسعى ماليزيا من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين والحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع الولايات المتحدة، إلى حماية مصالحها الوطنية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي، الأمر الذي يجعلها لاعبًا مهمًا في السياسة الدولية خاصة في منطقة جنوب شرق آسيا

أما بالنسبة لموقف ماليزيا من هذه القضية فقد جددت ماليزيا دعمها لسيادة الصين على تايوان، رافضة الدعوات لاستقلال الجزيرة، وفقًا لبيان مشترك صدر مؤخرا عن رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم ورئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ.

جاء البيان عقب اجتماع ثنائي على هامش زيارة لي لماليزيا في الثامن عشر من يونيو 2024 وجاءت هذه الزيارة لتعزيز العلاقات بين البلدين بمناسبة مرور خمسين عامًا على العلاقات الثنائية بين البلدين. وأكد أنور إبراهيم أن ماليزيا تعترف بسياسة الصين الواحدة وتدعو لحل التوترات المتعلقة بتايوان بشكل سلمي وودي.

ورغم التوترات المتزايدة، أعرب رئيس الوزراء الماليزي عن ثقته في أن قادة الصين يعرفون كيفية إدارة الوضع بسلام، محذرًا من تضخيم القضية وضرورة تحذير الشركاء الدوليين من اتخاذ خطوات استفزازية.

يؤكد رئيس الوزراء الماليزي أن بلاده لن تخضع لأي ضغوط خارجية فيما يتعلق برسم سياساتها الرامية إلى دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام
يؤكد رئيس الوزراء الماليزي أن بلاده لن تخضع لأي ضغوط خارجية فيما يتعلق برسم سياساتها الرامية إلى دفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام - غيتي

التوترات الجيوسياسية العالمية وانعكاسها على دول آسيا والمحيط الهادئ

تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين على عدة جبهات، ابتداء من التنافس على الهيمنة العالمية والسيطرة التكنولوجية وليس انتهاء بالنزاعات التجارية والإقليمية، إذ تسعى الصين لتعزيز مكانتها كقوة عالمية من خلال مبادرات مثل مبادرة الحزام والطريق، بينما تحاول الولايات المتحدة احتواء الصعود الصيني عبر التحالفات الإقليمية والدولية، ومحاولة عرقلة التقدم الصيني في بعض المجالات خاصة التكنولوجية منها. 

وتنعكس هذه التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشكل مباشر على عدة دول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

من بين هذه الدول الفلبين وفيتنام اللتان تواجهان نزاعات إقليمية مع الصين في بحر الصين الجنوبي، بينما تحاول ماليزيا وسنغافورة الحفاظ على التوازن بين العلاقات الاقتصادية مع الصين والتحالفات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وربما تعمل هذه الدول من خلال عدم انخراطها في أي من هذه الصراعات على تخفيض حدة التوترات المتصاعدة بين القطبين الكبيرين.

وفي شمال شرق آسيا، تعتمد اليابان وكوريا الجنوبية على التحالف العسكري مع الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات الصينية، وذلك برغم العلاقات التجارية التي ترقى إلى مستوى الشراكة القائمة بين الصين وهذه الدول.

العلاقات الماليزية مع الولايات المتحدة

تحافظ ماليزيا على علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة في محاولة لتحقيق معادلة من التوازن الحذر في علاقاتها مع كل من الصين والولايات المتحدة بما يحقق مصالحها الاقتصادية والسياسية. فقد أكد رئيس الوزراء أنور إبراهيم أن ماليزيا تواصل اعتبار الولايات المتحدة شريكًا تجاريًا حيويًا.

جاء ذلك في الخطاب الذي ألقاه خلال مأدبة الغداء التي نظمتها غرفة التجارة الأميركية الماليزية، والتي أكد فيها رئيس الوزراء الماليزي على أهمية الروابط الاقتصادية طويلة الأمد بين الولايات المتحدة وماليزيا، معربًا عن تقديره للمساهمات الاستثمارية الأميركية في بناء قدراتها الصناعية. وأضاف أن الاستثمارات الأميركية تظل الأكبر في ماليزيا، مشيرًا إلى أن استقبال الاستثمارات من الولايات المتحدة يعكس التزام البلاد بتحقيق التعاون الدولي ودعم الاقتصاد المحلي.

ومن الملاحظ أن أنور إبراهيم قد تجنب مناقشة السياسة الخارجية لماليزيا خلال الاجتماع نفسه، مركزًا خطابه على الفوائد الاقتصادية المترتبة على التعاون مع الشركات الأميركية، مع التأكيد على استمرار دعم حكومته للشركات الأميركية التي تستثمر في ماليزيا.

وكانت إدارة أنور إبراهيم قد أعلنت عن خطة لجذب أكثر من 100 مليار دولار من الاستثمارات في المرحلة الأولى من استراتيجية الرقائق الإلكترونية الوطنية، مع التركيز على تصميم الدوائر المتكاملة والتعبئة المتقدمة ومعدات التصنيع، بهدف تعزيز مكانة ماليزيا كمحور عالمي لصناعة الرقائق الإلكترونية، والتي تعول فيها ماليزيا كثيرا على الدعم الأميركي.

في المحصّلة، يتجلى موقف ماليزيا المحايد كاستراتيجية ذكية للتعامل مع التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين والتي تنعكس بشكل مباشر على دول منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إذ تسعى ماليزيا من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين والحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع الولايات المتحدة، إلى حماية مصالحها الوطنية وتعزيز الاستقرار الاقتصادي والسياسي، الأمر الذي يجعلها لاعبا مهما في السياسة الدولية خاصة في منطقة جنوب شرق آسيا.

ومع الاحتمال القائل بأن تطور الخلاف إلى صراع عسكري شامل بين الولايات المتحدة والصين يبقى منخفضًا، تظل ماليزيا ملتزمة بتجنب الانحياز لأي طرف، مركزة جهودها على تحقيق النمو والازدهار لشعبها.

المصادر:
التلفزيون العربي

شارك

Close