في خطوة مثيرة للجدل اتخذتها قبل أيام، قرّرت حركة طالبان إغلاق الجامعات أمام الطالبات في جميع أنحاء البلاد حتى إشعار آخر.
وعزت الحركة قرارها لأسباب عدة؛ من أبرزها عدم التزام الطالبات بالزي الإسلامي الملائم، وحدوث تفاعل بين الطلاب من الجنسين.
وطالب وزير التعليم العالي بالوكالة في الحركة العالم بعدم التدخل في الشؤون الأفغانية، مشيرًا إلى أن الحكومة تحترم حقوق المرأة "بما يتماشى مع الشريعة الإسلامية"، على حد قوله.
موجة استنكار عربية وإسلامية ودولية
ويُضاف قرار طالبان إلى قرارات أخرى اتخذتها الحركة ضد المرأة منذ سيطرتها على الحكم، في تحد صارخ للمجتمع الدولي الذي تعهّدت أمامه بحماية حقوق الإنسان لا سيما المرأة.
وتمثلت أبرز القرارات التي اتخذتها طالبان ضد الفتيات بمنعهن من الالتحاق بالمدارس الثانوية والجامعات، واستبعادهن عن معظم المهن، وحظر دخولهن للحدائق وصالات الألعاب الرياضية.
كما أمرت الحركة اليوم المنظمات غير الحكومية بوقف توظيف النساء.
ودفع قرار طالبان عشرات الفتيات الأفغانيات للتظاهر. وأثار موجة استنكار عربية وإسلامية ودولية كبيرة، على رأسها الأمم المتحدة والولايات المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي والسعودية وقطر والإمارات وتركيا وإيران، إضافة إلى الأزهر.
وأكد شيخ الأزهر أحمد الطيب أن حظر التعليم الجامعي للفتيات يتناقض والشريعة الإسلامية، ويصطدم مع دعوتها الصريحة للرجال والنساء إلى طلب العلم.
"قرار متوقع صدوره من قبل طالبان"
في هذا السياق، يلفت الباحث بالشأن الأفغاني محمد حسين سعيد الأفغاني، إلى أن القرار كان صدوره متوقعًا من قبل طالبان، مشيرًا إلى "مفارقات بين منهج الحكومة الأفغانية الحالي وما شهدته أفغانستان خلال 20 سنة كانت فيها تحت الاحتلال الأجنبي".
ويعتبر في حديثه إلى "العربي" من كابل، أن "هذا القرار مؤقت وليس مؤبدًا"، مذكرًا بما ورد فيه من حيث أنه سيكون حتى إشعار آخر.
وبينما يتحدث عن "وجوب معرفة دوافعه وأسبابه الأساسية"، يقول: "إن أفغانستان كانت لمدة 20 عامًا تحت الاستعمار والاحتلال الأجنبي الغاشم، الذي دمر بنيتها التحتية والمبادئ والقيم الثقافية والإسلامية".
ويرى أن "المرأة الأفغانية المسلمة كانت مستهدفة من قبل الاحتلال الأجنبي في المجال الثقافي والأخلاقي".
ويستطرد بالإشارة إلى أن "التعليم في الجامعات كان خلال تلك الفترة المظلمة مختلطًا، والاحتلال الغربي كان يسعى لأن تتخلى المرأة الأفغانية عن مبادئها الإسلامية وقيمها الثقافية والأخلاقية".
"35 مرسومًا وقرارًا لتقييد حقوق المرأة"
بدورها، توضح نائبة رئيس البرلمان الأفغاني سابقًا فوزية كوفي أن طالبان كانت تقول أمورًا جميلة أثناء المفاوضات وخلقت نوعًا من السردية غيرتها الآن.
وتلفت في حديثها إلى "العربي" من لندن، إلى أن رواية الحركة كانت تسمح للنساء بأن يتمتعن بالمبادئ الأساسية للحقوق الإسلامية؛ بما في ذلك الحق في التعليم والمشاركة السياسية والاجتماعية.
وتضيف أن شعب أفغانستان والمجتمع الدولي صدقوا في ما يبدو هذه السردية من طالبان.
وتشير إلى أن الحركة فرضت تدريجيًا عقوبات وقواعد تقييدية على النساء؛ بما في ذلك اليوم المرسوم الذي يمنعهن من العمل مع المنظمات غير الحكومية.
وتردف أن طالبان أصدرت حتى اليوم 35 مرسومًا وقرارًا لتقييد حقوق المرأة، معتبرة أن القرار الأخير بمنع الفتيات من التعليم الجامعي كان المسمار الأخير في نعش هذا التعليم.
وتؤكد أن "القرار ليس له أي أساس ثقافي أو إسلامي، وإنما هو من أجل الاستحواذ على السلطة والقوة، وتأويل ضيق ومتشدد للقيم الإسلامية".
حكومة #طالبان تعلق التعليم الجامعي للنساء في #أفغانستان#العربي_اليوم تقرير: محمد قاسم pic.twitter.com/t7jjI3L6mJ
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) December 21, 2022
"التباكي من باب زيادة الضغوط"
من جانبه، يرى الخبير بالجماعات الإسلامية حسن أبو هنية أن "الولايات المتحدة عندما تفاوضت مع طالبان في الدوحة عام 2020، كانت تعلم أن الحركة لن تتحول إلى إمارة ليبرالية، فهذا أمر غير ممكن".
ويذكر في حديثه إلى "العربي" من عمان، أن "الاتفاقات لم يكن فيها أي بنود متعلقة بالإيمان بالدستور أو الديمقراطية أو الليبرالية أو الحقوق، حيث كان كل هذا تستخدمه واشنطن للضغط على إمارة طالبان، التي أكدت حينها أنها ستعود كإمارة إسلامية وتطبق الشريعة".
ويلفت إلى أن "الحركة عندما كانت تتعهد بالحفاظ على حقوق المرأة أو كافة القضايا الاجتماعية والسياسية والأقليات، كانت تتحدث وفق مرجعية الشريعة الإسلامية بحسب فهمها".
ويشير إلى أن "ما كان يهم الولايات المتحدة هو الجانب الأمني؛ أي عدم استخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات ضدها وضد حلفائها".
إلى ذلك، يعتبر أبو هنية أن "التباكي الآن على وضعية المرأة أو الديمقراطية هو من باب زيادة الضغوط على الحركة ليس أكثر". ويرى أن الضغوط على الحركة كبيرة في الأساس.
ويشدد على أن ما يصفه بـ"القراءة المستندة إلى نوع من التصور الديوبندي الحنفي الأرثوذكسي الصارم الأصولي لقضايا المرأة غير موجود في العالم الإسلامي ولا في أي مكان ومخالف للشريعة".