اعتاد قطاع الاتصالات في لبنان، الذي كان يومًا منجم ذهب للدولة، أن يخصص معظم إنفاقه لدفع الرواتب والإيجارات ودعم البنى التحتية.
لكن مع تراجع الإيرادات بقوة، أصبحت الكلفة الأكبر لشركتي ألفا وتاتش - المحتكرتين للقطاع واللتين عادتا إلى أيدي الدولة عام 2020- تُخصص للإنفاق على المولدات لتشغيل الشبكة المتعثرة بعد أنّ أدت الأزمة الاقتصادية العميقة في البلاد إلى انقطاع التيار الكهربائي وانهيار العملة.
وقال وزير الاتصالات جوني قرم لوكالة "رويترز": "نحن الآن نشتغل إدارة أزمات من دون أن نقدر على الاطلاع عن بعد على المشكل ونرى ما هي الحلول الإجمالية لأننا نتلهى بالأمور اليومية".
وأضاف: "كلما طال الوقت ولا نغير البنية التحتية، سيصبح عندنا مشاكل أكثر فأكثر وستزيد مع الوقت، إذا لم نجد الحل على المدى الطويل، فإن هذه المشكلات ستزداد بفعل أننا لا نستثمر بالقطاع".
وبينما تتنافس شركات الاتصالات في العالم من أجل الحصول على عروض أفضل للمشتركين أو تحديد كيفية التحول إلى شبكات الجيل الخامس، تكافح شركتا الاتصالات في لبنان لإبقاء الهواتف المحمولة في الخدمة وإيقاف سرقة الكابلات التي باتت ظاهرة معتادة.
وقال الوزير إنّ كل المشكلات التي يعاني منها القطاع الخاص بما فيها تدهور سعر صرف الليرة والغلاء المفاجئ للمازوت ورفع الدعم عن المواد الأساسية "وحتى السرقة التي يعاني منها القطاع الخاص حاليًا.. أكيد نعاني منها، سرقة بطاريات، سرقة كابلات".
وأضاف: "اليوم سمعت أن هناك سرقة حصلت، كل يوم هناك سرقة تحصل لدرجة أننا نتواصل مع البلديات لنطلب منهم المساعدة بهذا الموضوع لكنه أصبح يفوق طاقتها".
الانهيار شل شبكة الكهرباء
وقال إن تكاليف الوقود، التي شكلت 7% فقط من ميزانية القطاع عام 2020، تلتهم الآن نحو 64% بينما انخفضت ميزانية الرواتب من 34% إلى 10%.
وبحساب القيمة بالدولار، تبلغ قيمة الإيرادات اليوم 5% فقط مما كانت عليه قبل الأزمة التي تفجرت عام 2019، مما يوضح حجم انهيار الليرة الذي رفع قيمة السلع المستوردة إلى مستوى بعيد جدًا عن المتناول.
وقال الوزير إن شركة تاتش وحدها حققت ما يقرب من 850 مليون دولار في عام 2018 عندما كان سعر الصرف 1500 ليرة لبنانية أمام الدولار.
ولكن بحساب سعر الصرف الحالي الذي يبلغ 31 ألف ليرة للدولار، يتقلص المبلغ لما يعادل 45.5 مليون دولار في 2021.
ومضى قائلًا: إنّ أسعار المكالمات الهاتفية والإنترنت في حاجة إلى تعديل قريبًا، وإلا فإن القطاع الذي كان يومًا ما مربحًا سيصبح مصدر استنزاف لموارد الدولة.
لكن مثل هذه التعديلات تتطلب عقد اجتماع لمجلس الوزراء، وهو أمر لم يحدث منذ أكثر من ثلاثة أشهر وسط خلاف حول التحقيق في الانفجار المدمر الذي شهده مرفأ بيروت في أغسطس/ آب 2020.
وقال قرم: "تعديل السعر يحتاج إلى مجلس وزراء.. على الأقل فخامة الرئيس ورئيس مجلس الوزراء يجب أن يكونا مشاركين بقرار بمثل هذا الحجم، لا يستطيع الوزير وحده أن يتخذ قرارًا كهذا".
لا يمكن رفع أسعار الخدمات
وتابع: "إما أن يتم اتخاذ القرار، وإما أن يوضع المسؤولون أمام مسؤولياتهم ويواجهوا الموضوع كمشكلة وطنية".
وأضاف أنه لا يبدو أن هناك اجتماعًا قريبًا لمجلس الوزراء في الوقت الراهن لكن "الأمل الأكبر أن يحصل اتفاق على قرار استثنائي بهذا الموضوع نظرًا لأهميته، أي يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء".
وردًا على سؤال عما إذا كان يخشى تحرك الشارع في حال تعديل الأسعار كما حصل عام 2019 قال قرم: "صراحة أنا أخاف أكثر ألا نقدِم على هذه الخطوة ويصير عندنا انقطاع كلي، هذا أخطر بكثير من أن نعدل السعر".
وقد أصبح انقطاع الإنترنت والإشارة الضعيفة سمة من سمات الحياة اليومية في الدولة لدى ذوي الدخل المتوسط سابقًا.
وتوقع قرم أن الوضع سيستمر في التدهور مع تعطل الخوادم وغياب ما يقارب من نصف القوى العاملة بشركتي الاتصالات عن وظائفهم بسبب عدم كفاية الراتب لتغطية تكلفة المواصلات.
وكانت عائدات القطاع في انخفاض مستمر منذ سنوات قبل الأزمة وسط حديث عن فساد ممنهج، لكن قرم قال إن تأثير الانهيار الاقتصادي بات أكبر بكثير من تأثير الفساد على القطاع.