كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن معركة في اليوم الأول من الهجوم الروسي على أوكرانيا أحبطت قدرة الجيش الروسي على إسقاط أوكرانيا كما كان مخططًا له.
ودارت هذه المعركة بين الجيش الروسي ونظيره الأوكراني في مطار هوستوميل خارج كييف. وقالت الصحيفة إن محاولة روسيا للاستيلاء على المطار جاءت وسط الافتراضات الطموحة لمخططيها العسكريين بأن الدفاع الأوكراني سينهار تحت قوة نيران ساحقة.
لكن مقاومة الجيش الأوكراني، بدعم من مقاتلين متطوعين، أبطأت التقدم الروسي، وأوقفته تمامًا في المنطقة المحيطة بمطار هوستوميل بعد يوم من القتال.
ووفقًا للصحيفة "برزت المواجهة في المطار باعتبارها مفتاحًا للمقاومة الأوكرانية، وأحد الأسباب الرئيسية لتعثّر القوات الروسية في المستنقع حتى الآن".
وتستند رواية الصحيفة إلى تقارير مباشرة عن جنديين شاركا في الهجوم، وتقارير عسكرية أوكرانية رسمية ومقاطع فيديو وصور للأحداث في المطار.
مخطط الاستيلاء على المطار
وأرادت روسيا السيطرة على مطار هوستوميل من أجل استغلاله لنقل القوات والمعدات مباشرة إلى العاصمة كييف، لكنّهم فوجئوا بمقاومة كبيرة من الجنود الأوكرانيين من خلال منعهم من استخدام مدرج الهبوط، مما أجبرهم على نقل الجنود والإمدادات فوق الأرض.
قبل ساعات من اليوم الأول للهجوم، هبطت قوات النخبة الروسية جوًا في مروحيات قرب المطار من أجل السيطرة عليه، حيث كان الروس يظنون أنهم إذا تمكنوا من السيطرة على المطار، فستكون روسيا قادرة على نقل مئات الجنود والتحرك بسرعة للاستيلاء على العاصمة الأوكرانية، ضمن مخطط لفرض استسلام سريع.
ويحتوي المطار على مدرج طويل يستخدم لفحص الطائرات والبضائع، مما يجعله هدفًا مثيرًا لسيطرة القوات الجوية الروسية.
وكانت وحدة الحرس الوطني الأوكراني التي تدافع عن المطار أقلّ من قوتها الكاملة. فقد كانت معظم معداتها الثقيلة وأفرادها على بعد مئات الأميال إلى الشرق، على الخطوط الأمامية في إقليم دونباس.
ومع ذلك، كان لواء النخبة للرد السريع، متمركزًا في المطار على وجه التحديد بسبب مهاراته القتالية وقدرته على الانتشار بسرعة، حيث تشكل عام 2015، وأمضى سنوات في قتال الانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا.
"تجربة جديدة" للأوكرانيين
وكانت الطائرة الهجومية الروسية تحلق على ارتفاع منخفض متجنّبة الرادار الأوكراني. وأطلقت وابلًا من الصواريخ ونيران المدافع الرشاشة على المطار والقاعدة العسكرية المجاورة، مما دفع الجنود الأوكرانيين للبحث عن غطاء.
كان التعرّض للقصف الجوي تجربة جديدة للوحدة، لأن الانفصاليين في شرق أوكرانيا لا يملكون قوة جوية. لكن المدافعين عن المطار، بما في ذلك الضباط والجنود المتعاقدين والمجندين، انتشروا بسرعة لحماية المطار، وأطلقوا النار من جميع الأسلحة التي بحوزتهم من بنادق آلية ومدافع مضادة للطائرات وعدد قليل من الصواريخ المحمولة على الكتف.
وبينما قال الجيش الروسي إنه أرسل 200 طائرة هليكوبتر للقيام بهذه المهمة، تحدّث المسؤولون والجنود الأوكرانيون الذين يدافعون عن المطار، عن نحو 30 طائرة هليكوبتر أو أكثر.
حلقت الطائرة في مجموعتين وثلاث مرات، ودارت حول المطار والقاعدة. وألحق وابل الرصاص الروسي أضرارًا جسيمة بطائرة ""أنتونوف 225 مريا" الأوكرانية، وهي أكبر طائرة نقل في العالم.
بعد احتراق أكبر طائرة شحن في العالم خلال الهجوم الروسي على #أوكرانيا.. هذه هي تكلفة إصلاحها@AnaAlarabytv pic.twitter.com/oG25KfLMJ9
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 28, 2022
بينما أسقط الجنود الأوكرانيون المدافعون عن المطار ثلاث طائرات هليكوبتر بالصواريخ.
انسحاب أولي من الأوكرانيين
بعد حوالي ثلاث ساعات من القتال، بدأت المروحيات الروسية بالهبوط في المطار، ونزلت القوات المحمولة جوًا، وانتشرت وبدأت بإطلاق النار.
نفدت ذخيرة الجنود الأوكرانيين. وفي مواجهة عدو على الأرض وكذلك في الجو، أمر قائد اللواء بالانسحاب، ووضع علم الوحدة أسفل سترته قبل مغادرتهم.
وقال الجيش الروسي إن جنوده المظليين لم يتكبّدوا خسائر، بل قتلوا 200 ممن يسمونهم "قوميين"، وهو جزء من ادعاء موسكو بأن جيشها يواجه القوميين في المقام الأول، وليس وحدات الجيش النظامي.
لكن الجيش الأوكراني أكد جرح جندي واحد نافيًا وجود قتلى في صفوف الوحدة المسؤولة عن حماية المطار.
تحرّك الجنود الروس بسرعة لإثبات وجودهم في القاعدة. وقام طاقم من شبكة "سي إن إن" الأميركية بتصوير مقطع فيديو لمظليين روس يركضون بمدفع رشاش وذخيرة في صناديق خشبية خضراء ويتبادلون إطلاق النيران مع الجنود الأوكرانيين.
المخابرات الأوكرانية تستوعب الخطة الروسية
مع توغّل القوات الروسية، استوعبت المخابرات الأوكرانية الخطة الروسية: إرسال 18 طائرة نقل من طراز Il-76 إلى أوكرانيا من بيلاروسيا. وعلى بعد ستين ميلًا إلى الغرب، توجّهت وحدة الملازم أناتولي خارتشينكو المؤلفة من 48 مظليًا إلى ثلاث طائرات هليكوبتر وانطلقت نحو هوستوميل.
وكانت مهمة الوحدة تتمحور حول الاقتراب بدرجة كافية من مدرج الهبوط، لتدمير أول طائرة من طراز Il-76 على الأقل، حتى لا يجرؤ أي طيار آخر على الهبوط.
عند الوصول إلى حقل غربي المطار، هبط المظليون الأوكرانيون من طائراتهم المروحية، تحت قيادة خارتشينكو، بسرعة ولكن بصمت، عبر طريق محاط بالمنازل، وحقل، وخندق مليء بالأشجار.
وعندما اقتربوا من مدرج الهبوط، رصدتهم طائرة درون صغيرة.
اندفع المظليون إلى الأمام، لكنهم اصطدموا بجدار خرساني طوله 7 أقدام تعلوه أسلاك شائكة. قام الملازم خارتشينكو بإحداث ثقب في السلك الشائك وبدأ بمساعدة رفاقه بالقفز فوق الجدار. تمكّن خمسة جنود من القفز فوق الجدار، ثمّ انهالت نيران المدافع الرشاشة الروسية عليهم.
وأصيب ثلاثة من الجنود الأوكرانيين بجروح بالغة. وأجرى الملازم خارتشينكو اتصالًا باللاسلكي لطلب المساعدة من وحدة أخرى من المظليين الأوكرانيين في عربات مصفحة، كان من المفترض أن تهاجم المطار من الشمال. لكن الوحدة الثانية لم تكن قد وصلت بعد.
وحاصر الروس وحدة المظليين الأوكرانية، وانفجرت قنبلة يدوية وأضرمت النيران في العشب حيث كان الجنود الأوكرانيون موجودين.
حاول الملازم خارتشينكو تهدئة الجنود على الجانب الآخر من الجدار، خوفًا من أن صراخهم سيدلّ الجنود الروس على مكانهم. وقال خارتشينكو: "فهمنا أن الوضع قد تغير بشكل جذري. فالعدو قد تمكن من بناء خط دفاع جيد".
قام المظليون الأوكرانيون بسحب الرفوش الصغيرة، وحفروا على عجل نفقًا تحت الجدار، وتمكّنوا من سحب أحد رفاقهم.
استدعاء تعزيزات
استدعى الملازم خارتشينكو إحداثيات المدفعية الأوكرانية لضرب الروس من الجنوب. وحمل الراديو بشرى سارة: بدأت وحدة أوكرانية بالهجوم من الشمال، بينما اندفعت وحدة أخرى من الجنوب الشرقي في سيارات مدنية.
أقامت قوات المظليين نقطة إطلاق للصواريخ المضادة للطائرات في الميدان خارج الجدار. وبعد ساعات من بدء القتال، بزغ الفجر، وأصبحت القوات الروسية مقيّدة.
أخبرهم القائد الأوكراني عبر الراديو أن أحدث المعلومات الاستخبارية أشارت إلى أن طائرات Il-76s ألغت مهمتها.
لم يكن هناك وقت للاحتفال، إذ إن رتلًا روسيًا مدرعًا كان يقترب من الشمال. قرّر الملازم خارتشينكو أنه يتعين عليه ترك الرجال المحاصرين على الجانب الآخر من السياج. كان اثنان منهما فاقدين للوعي.
وقال: "شعرت بتأنيب الضمير، لأن فقدان الناس عبء ثقيل على أي قائد".
انسحب المظليون إلى الجنوب، وتحرّكوا ببطء لأن العديد منهم أصيبوا، بما في ذلك الملازم خارتشينكو، الذي أصيب برصاصة في ساقه. استغرق الأمر منهم 40 دقيقة لعبور حقل، سبق أن عبروه في 10 دقائق.
كمين محكم
فجأة، سمعوا هدير الآليات الروسية تتجّه صوبهم. قاموا بسرعة بنصب كمين، حيث دمّروا الدبابة في المقدمة، وأطلقوا قذائف صاروخية على المركبات الأخرى. فاستدارت المركبات المتبقية.
عندما سار الأوكرانيون جنوبًا نحو كييف، توقّفت سيارة مدنية. بسبب الظلام، شعر الملازم خارتشينكو بالقلق حيال ما إذا كان السائق صديقًا أم عدوًا، ثم رأى علمًا أوكرانيًا على شباك السيارة، فشعر بالارتياح.
لم يستعد المظليون المطار، لكنهم أحبطوا العملية الجوية الروسية. وسرعان ما رفعت أوكرانيا التعزيزات التي أوقفت القوات الروسية على خط المواجهة حول هوستوميل وفي البلدات المجاورة التي شهدت قتالًا عنيفًا في الأيام الأخيرة. ولم تهبط ناقلات القوات الكبيرة من بيلاروسيا في هوستوميل.