منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، أثارت الضربات التي استهدفت البنية التحتية والمباني السكنية في العديد من المدن الأوكرانية، وخاصة في العاصمة كييف وخاركيف، المخاوف من تكرار سياسة الأرض المحروقة التي انتهجتها موسكو خلال حربها في سوريا لدعم النظام السوري.
وذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن التكتيكات الروسية لإرهاب المدنيين، وجعلهم أهدافًا عسكرية وصلت إلى ذروتها في بلدتي ستشاستيا وفولنوفاخا في إقليم دونباس، واللتين سيطرت عليهما القوات الانفصالية المدعومة من روسيا، بما يُذكر في ما حدث في حلب السورية قبل سنوات.
ويقول سكان البلدتين: إن وابل القصف والهجمات الصاروخية والغارات الجوية منذ بداية الحرب، دمّر كل مبنى تقريبًا في بلداتهم، وهو دمار شامل لم يسبق له مثيل في أي مكان آخر.
وتمّ رفع العلم الروسي فوق أنقاض ستشاستيا، حيث قال النائب المحلي عن البلدة دميترو لوبينيتس: إن الهجوم في فولنوفاخا لا يزال شديدًا لدرجة أن الجثث لم تُجمع بعد.
"هجوم لا معنى له"
ولا يزال الآلاف من سكان فولنوفاخا محاصرين في الملاجئ ويعانون من نقص في إمدادات الغذاء والماء، وهم يحتمون من "هجوم لا معنى له" وفقًا لوبينيتس على اعتبار أنه "لا يوجد في وسط البلدة مدافعون عسكريون، كما أن خط التماس يبعد 20 كيلومترًا".
وأضاف: "القصف لا يتوقّف. كل خمس دقائق تسقط قذائف الهاون أو قذائف مدفعية، وبعض المباني تعرّضت للقصف بواسطة أنظمة صواريخ متعددة. كل المباني في البلدة تعرّضت لأضرار مباشرة أو جانبية".
بدوره، قال بافلو (اسم مستعار)، وهو مواطن من سكان ستشاستيا قام بإجلاء عائلته، للصحيفة البريطانية: إن 80% من المدينة تضررت في قصف مكثف استمر أيامًا.
وأشار إلى أن "الناس بدأوا بإخلاء منازلهم بعد ثلاثة أيام عندما توقّفت القوات الروسية عن قصف المدينة، وتمكنوا من مغادرة الملاجئ. كانوا يعانون من نقص في الماء والغاز لمدة ثلاثة أو أربعة أيام بسبب القصف".
وقال: "لقد استخدم الروس جميع أنواع الأسلحة وصواريخ غراد والمدفعية والألغام لقصف البلدة".
إجلاء المدنيين تحت النيران
وأشارت الصحيفة إلى أن روسيا تنتهج سياسة الأرض المحروقة في هذه البلدات، على غرار ما فعلته في غروزني الشيشانية، أو جنبًا إلى جنب مع القوات السورية في مدينة حلب القديمة، حيث لم تمنعهم الإنسانية والتراث من التدمير.
وعلى الرغم من أن مهاجمة المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والمدارس، أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي، ولكنها سياسة فعّالة في كسر معنويات السكان المقاومين.
قبل الحرب، كان عدد سكان بلدة ستشاستيا 25 ألف نسمة. وأوضح لوبينيتس أن 3 آلاف شخص على الأقل محاصرون الآن، ولكن ربما أكثر من ذلك بكثير. والمئات منهم أطفال. ويخاطر الجيش الأوكراني والمتطوعون الآخرون بحياتهم لإخراج الناس في مجموعات صغيرة.
وقال: "نقود السيارة تحت النيران لإخراج السكان من الأماكن التي يتركّزون فيها مثل المدارس والمستشفيات، لأن القصف لا يتوقف أبدًا في أي لحظة".
واليوم السبت، أعلنت روسيا وقفًا لإطلاق النار وفتح ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين من ماريوبول وفولنوفاخا.
بالنسبة للعديد من سكان هذه البلدات، تدمّرت حياتهم بشكل لا يمكن إصلاحه مثل منازلهم. وقد تكون معاناتهم نموذجًا رهيبًا للضرر الذي ستلحقه روسيا، إذا حاولت قصف البلدات والمدن الأكبر لإجبارهم على الخضوع.
كانت ستشاستيا وفولنوفاخا على خط المواجهة لمدة ثماني سنوات من الحرب الأصغر حجمًا بين القوات الأوكرانية والانفصاليين الموالين لروسيا. ورجّح لوبينيتس أن "المذبحة التي تعرّضت لها المدن الآن هي انتقام لصمودها خلال تلك السنوات".
وقال: "روسيا تدمّر المدينة، لتكون عبرة لما يُمكنها فعله مع من لا يخضع لها".