على حكم العسكر قامت ثورة "25 يناير" قبل عشر سنوات، وبها ظنّ المصريّون أنّهم أغلقوا باب الحكم العسكري على البلاد التي تنقّلت من قبضة جنرال إلى آخر على مدى أكثر من نصف قرن.
لكنّ هذا الظنّ تبدّد مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سُدّة الحكم، وإن سبقت ذلك إرهاصاتٌ كثيرة، جعلت من تنصيب السيسي رئيسًا لثاني الأبواب التي طرقتها رياح التغيير بعد تونس، أمرًا واقعًا.
لكنّ فترة حكم الرئيس السيسي حملت معها ما لم تحمله فترة حكم أي جنرال سبقه في حكم مصر؛ فمن انتشارٍ غير مسبوق للعسكر والدولة الأمنية في كافة مفاصل البلاد، إلى انحدار في كل المستويات أوصل مصر إلى فقر اقتصادي واجتماعي وأخيرًا ماليّ.
دور الجيش في الثورة
عن علاقة المؤسّسة العسكرية في مصر بالسياسة والحكم، انطلاقًا من كلّ ما سبق، سلّطت حلقة جديدة من برنامج "حكم العسكر" الضوء، تزامنًا مع الذكرى السنوية العاشرة لثورة "25 يناير".
وتساءلت الحلقة عن كيفية نجاح العسكر في مصر في الالتفاف على ثورة 25 يناير، وإخضاع البلاد من جديد تحت قبضة الحكم العسكري بعد أن اعتقد المصريون أنهم تخلّصوا منه.
وبحثت الحلقة في الدور الذي لعبه الجيش في الثورة وفي الفترة التي تلتها، وكيف عمِل على تمهيد الطريق لعودته إلى الحكم من جديد بوضع عراقيل أمام تسليم السلطة للمدنيين.
كيف استطاع عسكر #مصر الالتفاف على ثورة #25_يناير؟#وثائقيات_العربي #حكم_العسكر pic.twitter.com/qsbUmRgwAf
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) January 26, 2021
"الشخص الأقوى"
من مرحلة ما بعد الثورة حتى يوليو/ تموز 2013، انطلقت الحلقة التوثيقيّة لتوثّق فترة مليئة بالأحلام والاضطرابات عاشتها مصر، لكنّها فترة بدأ خلالها العسكر، سباقًا محمومًا للحفاظ على وجودهم خلف دفة القيادة السياسة للبلاد.
وتتوقف الحلقة عند وجهٍ ظهر في هذه الحقبة على الساحة، واعتُبِر الشخص الأقوى في البلاد وقتها، المشير محمد حسين طنطاوي، القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وقد بدا للجميع أنّ الرجل كان يسعى لإحداث توازن ما بين المدّ الثوري الشعبي وما بين الدفاع عن مكتسبات الحكم العسكري، وكان ذلك من خلال تدخّله في نظام الانتخابات البرلمانية والتعديلات الدستورية.
حرب بين مرسي والمجلس العسكري
ولكن، بعد انتخاب مجلس النواب الذي كانت غالبيته من التيارات الإسلامية، حلّ المجلس العسكري في يناير 2012 مجلس الشعب، متذرّعًا بعدم دستورية قانون الانتخاب؛ لتبدأ العراقيل التي بدأ العسكر بتصميمها أمام الرئيس المدني القادم.
وعلى خطّ الحرب ما بين مرسي والمجلس العسكري، بدا أنّ كامل أجنحة الدولة تعمل ضدّ الرئيس المنتخب، فتم إغراق البلاد بالأزمات المتتالية في كافة سبل المعيشة الأساسيّة، وبدا واضحًا أن المؤسسة العسكرية تسعى بكافة السبل إلى إسقاطه شعبيًا.
من أطاح بـ #حسني_مبارك.. الشعب أم العسكر؟#وثائقيات_العربي #حكم_العسكر pic.twitter.com/btTM8torTc
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) January 26, 2021
لحظة تاريخية فارقة
ولأنّ لكل سردية تاريخية لحظاتها الفارقة، تعود حلقة "حكم العسكر" إلى التاريخ، لتربط لحظة انقلاب 30 يونيو 2013، بلحظةٍ سبقتها قبل أكثر من نصف قرن.
ويعود البرنامج في الأرشيف، إلى تاريخ الثالث والعشرين من يوليو/تموز 1958، حين استيقظت شوارع المحروسة على بيانات عسكرية ومدرعات تسد طرقاتها، معلنة انتهاء الملكية على أيدي مجموعة من الضباط أطلقوا على أنفسهم اسم "الضباط الأحرار".
يومها، تولى محمد نجيب ومن ورائه جمال عبد الناصر دفة الحكم؛ لتجتاح الجماهيرَ المصرية والعربية بعد ذلك حالةٌ عامة تهتف باسم الزعيم العربي الأول، في محطّةٍ فتحت نافذة الانقلابات العسكرية على المنطقة العربية بأسرها.
حالة ثورية مدنية
وتستكمل الحلقة العودة إلى الأرشيف، حيث تغوص في مرحلة أنور السادات، الذي بدأ بعد حرب أكتوبر بقطع كافة أشكال الدور العسكري للجيش، وجعله يتوغل أكثر في غالبية أشكال الحياة المدنية، وقد توّج ذلك بتوقيع اتفاقية كامب دايفيد في سبتمبر/ أيلول 1978، مُسدلًا الستار على فصل مهم كان شعاره الأول: "الحرب على إسرائيل".
وعلى المنوال نفسه، تتوقف عند مرحلة حسني مبارك الذي حكم مصر بقبضةٍ من حديد، إلى أن أطاحت به ثورة "25 يناير"، في حالةٍ مدنية لم تألفها مصر سابقًا؛ حالة ستكون وفاة الرئيس المُنتخب الأول محمد مرسي في السابع عشر من يونيو/ حزيران 2019 في السجن بمثابة تأبين لها.
فما بين جنازتي مبارك ومرسي حالة كاملة تشرح كل ما حدث من تفاصيل ثورة قامت ضد حكم العسكر، ووثّقتها حلقة "حكم العسكر"، من خلال شهاداتٍ للتاريخ.