ينظر الناس في أكادير إلى محطة تحلية المياه الجديدة جنوبي المدينة باعتبارها نموذجًا للتخفيف من الجفاف المستمر منذ سنوات في المغرب، والذي هدد الموارد المائية لمجموعة من المدن وفقر المزارعين، لكن خطط توسيع برامج التحلية قد تتوقف على الجهود المبذولة لتزويد المحطة بالطاقة المتجددة.
فقد أفرغت فصول الشتاء الجافة المتعاقبة السدود التي تزود المنازل وتروي القطاع الزراعي الرئيس في تحديد نسب النمو في المغرب، مما أدى إلى تقلص المحاصيل والتهديد بزيادة الهجرة من الريف وفرض قيود صارمة على استخدام المياه في المدن.
ورغم أن محطات تحلية مياه أصغر كانت تعمل بالفعل في المغرب منذ سنوات، فإن المحطة التي بدأت العمل في أكادير (المعروفة باسم أغادير) هذا الصيف هي الأكبر في المملكة، والأولى التي تستهدف معالجة انخفاض هطول الأمطار.
من جهته، قال رشيد بوخنفر، وهو مسؤول محلي: "باختصار، لولا تحلية لما كان بوسع أكادير توفير ما يكفي من المياه للشرب".
إنشاء 12 منشأة لتحلية المياه
ويأتي هذا التقييم المبكر لفعالية المحطة في وقت تخطط فيه الحكومة لإنشاء 12 منشأة أخرى لتحلية المياه، في إطار استثمار متوقع في مشاريع الماء بقيمة 12 مليار دولار في الفترة 2020-2027.
وقال المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب في رسالة بالبريد الإلكتروني، إنّه من المفترض افتتاح المحطات الجديدة، التي ستتم إضافتها إلى تسع محطات أصغر تعمل بالفعل، بحلول عام 2035.
ويعتمد المغرب الآن على المياه السطحية والجوفية لجميع استهلاكه من المياه العذبة تقريبًا، باستخدام شبكة من 149 سدًا كبيرًا.
وتسبب الجفاف المستمر منذ خمس سنوات في استنفاد مخزون العديد من هذه الخزانات، وقال محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، للبرلمان الأسبوع الماضي، إنه سيتم تحويل معظم المياه من الري لمياه الشرب.
وغالبًا ما يكون هطول الأمطار هو العامل الأكبر في تحديد معدلات النمو الاقتصادي المغربي. ومحصول الحبوب هذا العام أقل بمقدار الثلثين مما كان عليه في عام 2021، فيما انخفض إنتاج الحليب بنسبة 30%.
وقال زكريا خطابي، وهو مزارع في إزحيليكة شمالي الرباط: "لست متأكدًا من أنني سأزرع القمح هذا العام لأن هطول المطر تأخر جدًا".
أسوأ آثار الجفاف بالمغرب
وظهرت بعض أسوأ آثار الجفاف بالمغرب في أكادير، وهي مدينة ساحلية على المحيط الأطلسي يقدر عدد سكانها بنحو مليون نسمة، على بعد ساعات بالسيارة جنوبي الدار البيضاء.
وفي السنوات الماضية، اضطرت سلطات المدينة إلى قطع إمدادات مياه الشرب عن المنازل ليلًا في فصل الصيف، وكذلك تحويل المياه من الخزانات المخصصة لري المحاصيل لتوفير مياه الشرب.
والسدود التي تزود أكادير جافة تقريبًا، واضطرت المدينة إلى الاعتماد على 275 ألف متر مكعب يوميًا من المياه التي توفرها محطة التحلية الجديدة.
وقال أحمد سعيد، أحد سكان أكادير: "كنت أضطر إلى ملء أوعية بالماء لاستخدامها في الليل، لأنه كان من الصعب العثور عليها. الحمد لله، الماء متوفر الآن".
ولا توفر المحطة مياه الشرب فحسب، بل ستستخدم أيضًا لري الأراضي الزراعية.
وقال عبد الجليل الظريف عن جمعية الفلاحين المتحدين لجهة سوس، إن المزارع في منطقة اشتوكة جنوبي أكادير كانت تحفر آبارًا أعمق مع جفاف طبقات المياه الجوفية.
وأضاف: "نأمل في توسيع المنطقة التي ترويها هذه المحطة لأن السدود فارغة بعد سنوات من الجفاف".
طاقات متجددة
وأفاد المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بأن 12 محطة تحلية جديدة مخطط لها بالفعل أو قيد التنفيذ ستقلل الاعتماد على المياه السطحية والجوفية إلى 80% من 97% بحلول عام 2035 بإنتاج يومي إضافي يبلغ 1.3 مليون متر مكعب.
ومن المقرر أن يبدأ العام المقبل بناء أهم محطة لتزويد الدار البيضاء أكبر مدينة في المغرب، وسيبدأ تشغيلها عام 2026.
ومع ذلك، يعتمد المغرب في معظم إنتاجه من الطاقة على الوقود الأحفوري المستورد الذي أدى ارتفاع تكاليفه إلى زيادة العجز التجاري.
وقال عبد الرحيم الحافظي، رئيس المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، إن الطاقة تمثل 45% من التكلفة الإجمالية لتحلية المياه.
ويريد المغرب توسيع نطاق مصادر الطاقة المتجددة إلى 52% من إجمالي إنتاجه من الطاقة بحلول عام 2030 من 20% الآن، وذلك لتقليل الاعتماد على الواردات وخفض تكاليف الكهرباء.
وكان من المفترض أن تعمل جميع محطات التحلية الجديدة، بما في ذلك أكادير، على الطاقة المتجددة. لكن محطة أكادير يتم تشغيلها حتى الآن مباشرة من شبكة الكهرباء الوطنية.
وقال مصدر مقرب من المشروع لوكالة "رويترز"، إن الحكومة تدرس طرح مناقصة لإنشاء محطة طاقة متجددة لتشغيل محطة تحلية أكادير لخفض تكلفة المياه.
وفي حديث سابق لـ"العربي"، قال محمد بودن، رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات المؤسساتية، إن الماء مورد لا بديل عنه، وبالتالي ينبغي أن يكون هذه الموضوع اختصاصًا للجميع على المستوى الوطني والقُطري، وأيضًا من اهتمام مختلف الفاعلين والأطراف الإقليميين والدوليين.
وتوقف بودن عند تقرير الأمم المتحدة لسنة 2022 بشأن المتغيّرات المناخية، مشيرًا إلى ما أكده من حيث أن المناخ في 2022 سيكون متقلبًا للغاية.
وعليه، يرى أن "من المفروض الارتقاء بالتعاون من حدوده الدنيا إلى حدود أعلى، بما يمكن أن يسهم في تحقيق مصالح 100 مليون مغاربي أو أزيد، وأيضًا تحقيق التكامل، مذكرًا بوجود الكثير من العناصر المشتركة.
لكنه يعتبر أن هذا الأمر يمكن وصفه في باب الحلم في هذه اللحظة، أو الطموح الذي يتطلب مجهودًا كبيرًا من مختلف الأطراف لتحقيقه.