من المتوقع أن يصل ألوف من مشجعي كرة القدم العراقيين إلى الكويت اليوم الثلاثاء لحضور مباراة في التصفيات المؤهلة لنهائيات كأس العالم بين البلدين، وهي المرة الأولى التي يُسمح لهم فيها بحضور مباراة بالكويت منذ أن غزا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت قبل 34 عامًا.
وجسدت الحافلات المحملة بعراقيين عبر الحدود لحضور المباراة التي ستقام في السابعة مساء (16:00 بتوقيت غرينتش) دفئًا بطيئًا في العلاقات بين البلدين، بعد عقدين من سقوط نظام صدام حسين في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003، لكن الحساسيات لا تزال قائمة، كما أثارت ترتيبات المباراة بعض الجدل.
مباراة بين العراق والكويت
وقال عباس عبد اللطيف، وهو عراقي في منتصف العمر، بينما كان ينتظر ركوب حافلة في مدينة البصرة بجنوب العراق على الحدود مع الكويت: "والله مشاعري ما تنوصف".
وأضاف: "أكثر من 30 سنة ما أنا شايف الكويت، والكويت هي قريبة علينا، وصارت حروب وصارت مشاكل. بس هسه إن شاء الله راح يرجع الوضع أحسن وأحسن".
وتُقام المباراة على ملعب جابر الأحمد الدولي في الكويت، ويتصدر العراق المجموعة الثانية في تصفيات الاتحاد الآسيوي لكرة القدم المؤهلة لنهائيات كأس العالم 2026.
ولدى العراق، الذي يبلغ عدد سكانه 43 مليون نسمة، أي عشرة أمثال عدد سكان الكويت، تاريخ من التنافس المتقطع مع الإمارة الصغيرة الغنية بالنفط. وتبني الدولتان مشاريع موانئ متنافسة رغم أنهما تسعيان أيضًا إلى ربط شبكات الكهرباء بنهاية عام 2024.
ويستفيد العراق من دبلوماسية كرة القدم لإصلاح العلاقات مع دول الخليج العربية بعد عقود من الصراع والعلاقات المتوترة، إذ أنهت البلاد أحدث حروبها ضد تنظيم "الدولة" بنهاية عام 2017.
واستضاف العراق بطولة كأس الخليج في البصرة العام الماضي للمرة الأولى منذ عام 1979، وهو ما شكل علامة فارقة في إعادة التكامل الإقليمي.
وقال يوسف فعل، مدير الإعلام في الاتحاد العراقي لكرة القدم: "مباراة العراق والكويت هو صراع تكتيكي بين المدرب (خيسوس) كاساس ومدرب المنتخب الكويتي، هو صراع بين اللاعبين، صراع رياضي وليس حسابات أخرى، وليس إقحام السياسة في هذا الجانب".
وأضاف: "عندما تُقحم السياسة مع الرياضة تتولد العديد من العوامل فيها الكره والبغض، ومن الظلم إقحام لاعبينا الشباب سواء العراقيين أو الكويتيين في صراعات ليس لهم بها ذنب، صراعات سابقة، أجيال تغيرت، حكومات تبدلت، مدربين تغيروا، كثير من الأمور لا يمكن لهذا الجيل أن يدفع ثمن أجيال سابقة. علينا أن نتخلى من هذه الأفكار وأن تكون هي مباراة لكرة القدم، مباراة رياضية".
علاقات معقدة
في أغسطس/ آب 1990، غزا صدام الكويت وضمها لفترة وجيزة قبل أن يطيح به تحالف بقيادة الولايات المتحدة في حرب الخليج. وبعد ذلك، فُرضت على العراق عقوبات قاسية وطُلِب منه دفع أكثر من 52 مليار دولار كتعويضات عن الحرب، والتي اكتملت في عام 2022.
ورغم تحسن العلاقات بين البلدين منذ الإطاحة بصدام حسين في عام 2003، فإن التحديات لا تزال قائمة. ففي العام الماضي قضت المحكمة العليا العراقية بعدم دستورية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع الكويت.
وقال عبد العزيز العنجري المؤسس والرئيس التنفيذي لمركز "ريكونسنس" للبحوث والدراسات: "الكويت بلد مسالم، بلد لا يضمر الشر لأحد... الكويت بلد تلتزم بالاتفاقيات الدولية تريد علاقة طيبة مع جيرانها وعلى رأسها العراق لكن على العراق أن يبدي ويؤكد على حسن النية بحل بعض الملفات وأبرزها ملف الحدود البحرية".
كما أنه من الصعب أيضًا نسيان بعض العادات القديمة بسهولة.
فقد أخطأ عدنان درجال، رئيس الاتحاد العراقي لكرة القدم، في الإشارة إلى الكويت باعتبارها محافظة عراقية خلال مقابلة، في ترديد لادعاء صدام حسين عام 1990 بأن الكويت هي المحافظة التاسعة عشرة في العراق، واعتذر درجال لاحقًا.
وكانت تقارير أولية أشارت إلى أنه لن يُسمح بحضور سوى عدد قليل من المشجعين العراقيين، أو لن يُسمح لهم على الإطلاق، مما دفع محافظ البصرة إلى التحذير من المعاملة بالمثل.
وأعلن السفير العراقي لدى الكويت في وقت لاحق أن بوسع خمسة آلاف مشجع حضور المباراة، بشرط توفر جوازات سفر ومركبات محددة.
وقال العنجري: "أعتقد أن الموضوع المهم هو ما شكَله هذا الحدث الرياضي من بداية لفتح باب النقاش لموضوع العلاقات الكويتية العراقية. ولعلها بادرة طيبة أن نجد هناك تجاوبًا من إخواننا في العراق بزيارة الكويت، وبعضهم ما شاء الله (سافر) أربع خمس ساعات بالسيارة من مناطق بعيدة. نتمنى لهم إقامة طيبة".
ويرى المشجعون العراقيون أن المباراة بمثابة لفتة حسن نية.
وقال عامر الحكيم، وهو مشجع عراقي: "أتمنى مخلفات النظام السابق إن شاء الله تموت بهاي الأجيال الواعية إن شاء الله لأن العالم صار قرية صغيرة والناس كلها عرفت إن الشعب العراقي ما ليه ذنب باللي صار بسبب صدام حسين".