يشكل الانخفاض المستمر في منسوب نهرَي دجلة والفرات خطرًا يحدق بمياه بلاد الرافدين، وتهديدًا لأمن العراق البيئي والمائي والغذائي.
يقول مختصون إن العراق بات قريبًا من كارثة إنسانية تصيب ملايين المواطنين، في ظل موجة جفاف هي الأسوأ منذ 40 عامًا.
فقد خسرت أهوار العراق ما نسبته 70% من مصادرها المائية، الأمر الذي دفع السكان للبحث والانتقال إلى مناطق أخرى تضمن لهم مصدرًا مستدامًا للمياه.
وتبلغ اليوم مساحة الأهوار في العراق 4 آلاف كيلومتر مربع، بعدما كانت 20 ألفًا خلال تسعينيات القرن الماضي.
وتُعزى أسباب هذا التراجع إلى ارتفاع درجات الحرارة وشحّ الأمطار، إلى جانب السدود التي أقامتها دول الجوار على نهرَي دجلة والفرات.
ما تداعيات هذا التراجع؟
أظهرت صور الأقمار الاصطناعية لهور الحمّار، التي حصل عليها فريق التحقيقات من المصادر المفتوحة بـ"التلفزيون العربي" من خلال تحليل صور القمر الاصطناعي Sentinel Hub، مرور الهور بمراحل جفاف مستمرة منذ يونيو/ حزيران 2022 حتى شهر يوليو/ تموز 2023.
كما بيّنت الصور أن الغطاء النباتي والمائي خلال العامَين 2020 و2021 كان أكبر بكثير.
ولا يختلف الوضع في هور الحويزة كثيرًا، فصور القمر الاصطناعي كشفت أنه كان منطقة خضراء ومشبعة بالمياه حتى عام 2020، ثم بدأ بالتغيّر وأصبح منطقة شبه قاحلة.
وقد تأثر هور الحويزة بكل من الحرارة المرتفعة وما أنتجته من حرائق ودخان في المنطقة، وكذلك بالسد من الجانب الإيراني.
ولاحظ فريق "العربي" توزيعًا غير عادل لموارد المياه؛ حيث يبدو الجانب الشرقي التابع لإيران مشبعًا بالحياة الخضراء والمياه على عكس الجفاف الظاهر من الجانب الغربي التابع للعراق.
إذًا، تتقاسم دول الجوار مع الحكومة العراقية مسؤولية ما يجري في الأهوار من كوارث بيئية أفقدتها قيمتها الاقتصادية.
فبعدما كانت مساحة الأهوار الخضراء على لائحة التراث العالمي، باتت اليوم منطقة شبه مهجورة مع فقدان أبسط مقومات الحياة فيها.
ماذا عن الأنبار؟
وفي مايو/ أيار 2023، حذّر مدير موارد شرق محافظة الأنبار رائد مظهر المحمدي، من موسم الصيف الحالي بسبب تفاقم أزمة توفير المياه جرّاء قلة الواردات المائية القادمة من تركيا.
وأشار المحمدي إلى أن مخزون بحيرة الثرثار، شمالي مدينة الرمادي، لم تطرأ عليه أي زيادة مائية.
وتؤكد هذه التصريحات صور القمر الاصطناعي من Sentinel Hub للفترة الممتدة من عام 2020 حتى العام الجاري، إذ تظهر تراجعًا كبيرًا في كمية المياه ببحيرة الثرثار العراقية بمحافظة الأنبار.
صور الأقمار الاصطناعية تُظهر انخفاض منسوب المياه في #العراق بشكل كبير، ما تداعيات وأسباب هذا التراجع؟#بوليغراف pic.twitter.com/rj6oSnjvf7
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) August 5, 2023
ويعود ذلك إلى سد إليسو التركي، الذي يظهر في صور تعود لأبريل/ نيسان 2020 وفي حوضه كمية كبيرة من المياه المحجوزة.
وبينما كان النهر يجري نحو العراق من دون عائق قبل بناء السد، تظهر صور الأقمار الصناعية الحديثة للأشهر القليلة الماضية انخفاضًا ملحوظًا في ضخ المياه في سد إليسو.
وكشف تحليل فريق "العربي" أن تركيا قامت بحجز كميات أكبر من المياه خلال أشهر الصيف، وبالسماح بعبور كميات مياه أقل للعراق.
ديالى تصارع الجفاف أيضًا
بدورها، تصارع محافظة ديالى الجفاف مع قيام إيرن بإنشاء 8 سدود جديدة على نهر سيروان، أحد روافد نهر دجلة، ما تسبّب بانخفاض مدخلات سد دربندخان بنسبة 90%.
وقد أصابت أضرار الجفاف بحيرة حمرين الاصطناعية، التي تشكل الخزان الإستراتيجي للمياه في محافظة ديالى، حيث تزوّد أكثر من 70% من مناطق المحافظة بمياه الشرب والري.
وفي حين لا يُعد انخفاض منسوب البحيرة أمرًا جديدًا فقد بدأ عام 2007، إلا أن صور الأقمار الاصطناعية منذ العام 2017 أظهرت تراجعًا واضحًا وانحسارًا للمياه في معظم أجزائها.
ويعود ذلك إلى حجز سد دربندخان الإيراني لكميات كبيرة من المياه عن العراق، على ما تبيّنه الصور التي تعود إلى أبريل 2022.
وكشف تحليل "العربي" قيام إيران منذ مطلع العام بإيقاف ضخ مياه سد دربندخان بشكل تام في عدة فترات خلال شهرَي أبريل ومايو الماضيين، وقيامها بضخ كميات قليلة من المياه من خلال البوابات السفلية فقط.