بعد أن فشلت روسيا في الإطاحة بالحكومة الأوكرانية في المرحلة الأولى من الحرب التي بدأتها في 24 فبراير/ شباط الماضي، تركز موسكو الآن على إقليم دونباس بهدف فصله عن بقية أوكرانيا.
ورأت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية أن هذه المرحلة الجديدة تحمل بعض المزايا الكبيرة التي لم تكن تتمتع بها روسيا عندما كانت تحاول احتلال أوكرانيا بأكملها، ورغم ذلك، لا تزال القوات الروسية تواجه بعضًا من التحديات نفسها، بما في ذلك انخفاض الروح المعنوية للجنود.
وناقشت الصحيفة فرص كل من موسكو وكييف في المعركة الجديدة، وما إذا كان يمكن لأوكرانيا أن تستمر في تحقيق الانتصارات.
المزايا الروسية
وقال إريك شميت، الصحافي المتخصّص في شؤون الإرهاب والأمن القومي للصحيفة: "بالنسبة لروسيا، تختلف دونباس عن الكثير من المناطق التي شهدت معارك خلال الشهرين الماضيين".
وأوضح شميت أن الحرب خلال المرحلة الأولى جرت في مناطق مكتظة بالمباني والشوارع الجانبية، حيث يمكن للقوات الأوكرانية أن تختبئ ثمّ تهاجم الجنود الروس، إلا أن دونباس "منطقة مفتوحة" بشكل واسع؛ وهذه التضاريس ستسمح لروسيا باستخدام دباباتها، وأنظمة الصواريخ الكبيرة، والأسلحة الثقيلة الأخرى بشكل أكثر فعالية؛ أما في المقابل، ستكون الصواريخ المحمولة على الكتف التي تلقتها أوكرانيا من الغرب، أقل فائدة في دونباس.
وأوضحت الصحيفة أن موسكو لديها مزايا تكتيكية عسكرية أخرى في هذه المنطقة، تتمثّل في أنها تقع على حدود روسيا، مما يسمح للجنرالات الروس ببناء خطوط إمداد أقصر وأقل تعرضًا للقصف مما يحتاجون إليه في أي مكان آخر في أوكرانيا.
كما أن القوات الروسية على دراية كاملة بالإقليم، حيث خاضت معارك متفرقة منذ عام 2014 لدعم المتمردين الانفصاليين هناك. ناهيك عن أن القائد الجديد للقوات الروسية في أوكرانيا الجنرال ألكسندر دفورنيكوف أشرف على العمليات الروسية في دونباس منذ عام 2016، وبالتالي هو يعرف المنطقة بشكل جيد.
وبالإضافة إلى التكتيكات العسكرية، يبدو أن الرأي العام في دونباس أكثر تفضيلًا لروسيا مما هو عليه في أي مكان آخر في أوكرانيا، حيث أفاد حوالي 30% من سكان المنطقة بأنهم يريدون أن يصبح الإقليم جزءًا من روسيا، وذلك قبل الحرب بفترة وجيزة، بينما فضّل حوالي 10% الاستقلال.
معركة دونباس ليست سهلة على الروس
ومع ذلك، تؤكد الصحيفة أن هذه المزايا مجتمعة لا تعني أن المساعي الروسية في دونباس ستكون محسومة بنسبة 100%، خاصة بعد أن أثبت الجيش الروسي أنه أقلّ فعالية بكثير مما توقّعه معظم المراقبين.
وبعد نحو شهرين من الحرب، لم تتمكن القوات الجوية الروسية من السيطرة على سماء أوكرانيا، ونادرًا ما كانت وحداتها العسكرية تتواصل عبر خطوط مشفّرة، مما سمح للأوكرانيين باعتراض رسائلها. كما لم يتوقع العديد من أفراد القوات الروسية الهجوم على أوكرانيا، ولم يكونوا سعداء لقيامهم بذلك.
كما أوضح اللواء في الجيش الأميركي مايكل ريباس، الذي عمل مع الأوكرانيين لسنوات، للصحيفة أن "روسيا لا تزال تستخدم المعدات العسكرية نفسها سيئة الصيانة، في ظل المعنويات العسكرية المنخفضة".
واعتبرت الصحيفة أنه حتى لو كانت السيطرة على دونباس مهمة أسهل مقارنة بباقي مناطق أوكرانيا، إلا أن هذا الأمر لن يكون سهلًا فعلًا على الروس.
أما فيما يتعلق بأوكرانيا، فتتمتع القوات الأوكرانية بدوافع ومعنويات عالية، ويمكن أن ينتقل المزيد من هذه القوات إلى دونباس. كما يتسابق الغرب لتزويد أوكرانيا بالدبابات والمدفعية الثقيلة بعيدة المدى، بالإضافة إلى الصواريخ المحمولة على الكتف والتي أثبتت فعاليتها حول كييف.
وبعيدًا من التكتيكات العسكرية، قد يتغيّر الرأي العام في دونباس في لحظات نتيجة الحرب. وقال مايكل شويرتز، مراسل الصحيفة في أوكرانيا: "إذا سقطت قنبلة على منزلك، فإن التعاطف الكامن يتحول إلى كراهية شديدة"، مضيفًا أن الحرب جعلت العديد من سكان خاركيف "غاضبين بشدة".
من جهته، رجّح معهد دراسة الحرب، وهو مجموعة بحثية عسكرية في واشنطن، أن "القوات الروسية قد تكون قادرة على كسب الأرض من خلال القصف المدفعي المكثف والدفع بمزيد من القوات"؛ لكنّه في الوقت نفسه، "قلّل من إمكانية أن تكون العمليات الروسية أكثر نجاحًا بشكل كبير من الهجمات الرئيسية السابقة حول كييف، إذ إنه "من غير المحتمل أن يكون الجيش الروسي قد عالج المشاكل الجذرية التي أعاقت عملياته السابقة، ومن أهمها ضعف التنسيق، وعدم القدرة على إجراء عمليات عبر البلاد، وانخفاض الروح المعنوية للجنود".