الإثنين 16 Sep / September 2024

مصادقة سعيّد على بروتوكول متوسطي يضم إسرائيل.. تطبيع أم منافع بيئية؟

مصادقة سعيّد على بروتوكول متوسطي يضم إسرائيل.. تطبيع أم منافع بيئية؟

شارك القصة

حلقة من "للخبر بقية" تسلط الضوء على الاتهامات بالتطبيع التي طالت الرئيس التونسي قيس سعيّد بعد مصادقته على بروتوكول الإدارة المتكاملة لمناطق المتوسط الساحلية والذي يضم إسرائيل (الصورة: غيتي)
أثار المرسوم الذي وقعه سعيّد زوبعة كبيرة من الاستياء في تونس بعدما اعتبره البعض طريقًا بشكل ما للتعاون مع إسرائيل والتطبيع معها.

عقب مصادقته على بروتوكول بيئي متوسطي يضم إسرائيل، انهالت الاتهامات بالجملة على الرئيس التونسي قيس سعيّد بالجنوح نحو التطبيع.

والجمعة الماضية، أصدر الرئيس التونسي مرسومًا رئاسيًا بالمصادقة على بروتوكول "الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية في المتوسط" والذي تتمتع إسرائيل بعضويته.

وأثار المرسوم زوبعة كبيرة في تونس من الاستياء والإدانة بسبب شقّه طريقًا بشكل ما للتعاون مع إسرائيل والتطبيع معها على حد قول المعارضين الكثر لهذا المرسوم.

وقال المعارضون إن المرسوم صدر تحت جنح الظلام، وفي ظل غياب مجلس تشريعي منتخب، كما أنه لا يعد أولوية تشريعية أو ضرورة ملحّة في تونس، والأهمّ أنه يعاكس مسار الإرث الوطني المناهض للتطبيع.

ويلفت المناهضون التونسيون للتطبيع إلى أن البروتوكول الذي وقّع عليه سعيّد أحيل إلى البرلمان ولم يتم تمريره للجلسة العامة، وذلك عام 2008 في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، كما تحفّظ مجلس نواب الشعب عام 2020 على المرسوم نفسه بسبب فتحه المجال للتعاون مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.

ويخلص المعارضون إلى القول إن الرئيس سعيّد خاضع للإملاءات الخارجية، وهو عاكف على فتح أبواب التطبيع تدريجيًا، فيما يلمح آخرون في المقابل، إلى وجود "منافع بيئية" من توقيع البروتوكول، بعيدًا عن السياسة.

وفي خضم ذلك يتساءل كثيرون لماذا صمت سعيّد عن تطبيع دول عربية مع إسرائيل، وقال إن كل دولة حرة في اختياراتها، ولماذا صمت أيضًا على رئيسة الحكومة نجلاء بودن التي تبادلت الابتسامات وما وصف بـ"الحديث الودي" مع الرئيس الإسرائيلي أثناء قمة المناخ "كوب27" في شرم الشيخ.

"صبغة تطبيعية"

في هذا الإطار، اعتبر الوزير التونسي والنائب السابق سالم الأبيض أن التوقيع على البروتوكول من قبل الرئيس التونسي جاء مفاجئًا ولم يكن منتظرًا، مشيرًا إلى أن هذا البروتوكول له صبغة تطبيعية والدليل على ذلك مراوحته في أروقة البرلمان منذ عام 2008 إلى 2020.

وأوضح في حديث إلى "العربي" من العاصمة التونسية أن الإشكالية في البروتوكول هي أنه لا يأخذ بعين الاعتبار أن تونس هي دولة كأنها في حالة حرب أو حالة مواجهة مع إسرائيل، مذكرًا بأن البلاد تعرضت لعدوان غاشم عام 1985 في ما عرف بعملية "الساق الخشبية" التي قضى خلالها 68 شهيدًا من التونسيين والفلسطينيين، خلال استهداف إسرائيل منظمة التحرير الفلسطينية وزعيمها ياسر عرفات.

وأضاف أن إسرائيل اعتدت على تونس أيضًا عام 1988، واغتالت حينها القائد والزعيم الوطني الفلسطيني خليل الوزير أبو جهاد، على مرمى حجر من قصر قرطاج، كما أنها عام 2016 نفذت عملية مسلحة وقتلت الشهيد محمد الزواري أمام منزله في صفاقس.

وأردف الأبيض أن كل هذه المعطيات كفيلة بأن تؤجج الشعب التونسي، وتجعل منه رأيًا عامًا واسعًا مناهضًا للتطبيع، مشيرًا إلى أن هذه الاتفاقية تأتي في إطار عملية تطبيعية نددت بها المنظمات المناهضة للتطبيع ودفعت من خلالها البرلمان لعدم التصويت عليها.

وأشار إلى أن الائتلاف الحاكم في السابق منذ عام 2011 إلى 2021 تصدى لإمكانية إدراج تجريم التطبيع ضمن دستور 2014، كما تصدى للمبادرة التي تقدمت بها الجبهة الشعبية عام 2015، لتجريم التطبيع بشكل قانوني، وللمبادرة التي تقدمت بها الكتلة الديمقراطية عام 2020.

ولفت إلى أن العديد من مناصري سعيّد وأعضاء التيار الواسع لمناهضة التطبيع ومناصري القضية الفلسطينية يساندون فلسطين ويرفضون التطبيع، مشيرًا إلى أن هناك اتفاقًا شاملًا بين التونسيين على أن التطبيع مرفوض في تونس.

وقال الأبيض: "كان المطلوب من الرئيس التونسي أن يدرج تجريم التطبيع في دستور 2022، وكان مطلوبًا منه أيضًا أن يصدر مرسومًا يجرم التطبيع لأن هناك اختراقًا تطبيعيًا كبيرًا في تونس، يمر على مرأى من سعيّد والحكومة بشكل يومي عبر ندوات واجتماعات.

وأضاف أنه كان يُنتظر من سعيّد ألا يصدر هذا المرسوم لأنه مخل بالتزاماته تجاه شعبه في مقاومة التطبيع، لافتًا إلى أن ما وقع في "إعلان جربة" هو إقرار بحل الدولتين ومبدأ السلام والتفاوض مع إسرائيل.

"لا مناصرة لأفكار المقاومة"

من جهته، رأى أستاذ التاريخ في الجامعة التونسية مراد اليعقوبي أن في عهد سعيّد وقع تنكيل بحق مندوب تونس في مجلس الأمن الذي تقدم لرفض نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وتمت إزاحته بصورة مذلة إلى أبعد درجة، فضلًا عن العلاقات الودية الواضحة التي يقيمها الرئيس التونسي مع الأنظمة المطبعة.

وأضاف في حديث إلى "العربي" من العاصمة تونس، أن قيس سعيّد لا يبدي أي حماس في مناصرة أفكار المقاومة، ولم يستقبل ممثليها.

وتابع أن دولًا مثل أميركا وفرنسا تضغط على سعيّد للحصول على مصالحها، والمطلوب من الرئيس التونسي أو من غيره، أن يدافع عن ما يعتقده، مشيرًا إلى أن سعيّد لم يدافع عن فلسطين في أي شيء وليس له أي تدخل أو تاريخ في مناصرة القضية الفلسطينية.

وتساءل اليعقوبي: "ماذا استفاد العرب الذين تفاوضوا مع إسرائيل، وأقاموا معهم معاهدات سواء الأردن أو مصر أو السودان أو الإمارات أو غيرها؟، معتبرًا أن "الحصول على مصالح من البرتوكول هي أحلام وترهات".

"أمر مبالغ فيه"

من ناحيته، اعتبر الباحث السياسي بلحسن اليحياوي، أن أي عمل يندرج تحت نوايا التطبيع مع العدو الصهيوني هو مرفوض تمامًا مهما كان مصدره سواء كان من قبل الرئيس التونسي أو سواه.

وأعرب في حديث إلى "العربي" من العاصمة تونس عن اعتقاده بأن هذا الاهتمام المبالغ به بالتوقيع على بروتوكول إدارة الحدود المتوسطية أمر مبالغ فيه وسُلط عليه الضوء أكثر مما يستحق، لأن تونس جزء من الاتحاد من أجل المتوسط والذي يضم إسرائيل، مشيرًا إلى أن توقيع البروتوكول الذي لم يمر إلى الجلسة العامة عام 2008، ثم مر إلى الجلسة العامة في 2020، لم يقع التحفظ عليه وإنما وقع تأجيل النظر فيه لعدة أسباب.

وأضاف اليحياوي أن سعيّد يبدو أنه أخذ في تمرير جملة من البرتوكولات والاتفاقات التي فيها بعض المنافع لتونس، مشيرًا إلى رفض شعبي واسع لا يمكن أن يقبل بأي عملية تمهد للتطبيع، رغم كل المحاولات التي حدثت خلال السنوات العشر الأخيرة من أجل التقارب من إسرائيل.

وشدد على أنه ليس هناك أي إمكانية للسماح لأي صانع قرار أو صاحب سلطة في تونس بأن يتعاون أو أن يمد اليد نحو إسرائيل.

وأعرب اليحياوي عن اعتقاده بأن بعض الأطراف تتناول هذا الموضوع وكأن سعيّد قام بالتوقيع على بروتوكول لتبادل السفراء بين تونس وإسرائيل، مشيرًا إلى أن الأمر هو بروتكول هامشي، وهناك العشرات من البروتوكولات والاتفاقات الدولية والتي تونس وإسرائيل جزء منها.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close