مصدر لعدم الاستقرار.. عضوات تنظيم "الدولة" تعتدين على المنشقّات في مخيم روج
تتفاقم التحديات الأمنية التي تواجهها "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة ويقودها الأكراد، مع تكرّر الاشتباكات بين مناصرات تنظيم "الدولة" المتشدّدات وأولئك الذين ابتعدوا عن أيديولوجية التنظيم في مخيم روج وغيره من مخيمات معتقلي التنظيم في شمال شرق سوريا.
وقادت "قوات سوريا الديمقراطية" القتال ضد التنظيم، حيث طردت المسلحين من آخر قطعة أرض لهم عام 2019. وبعد ثلاث سنوات، لا يزال عشرات الآلاف من أنصار التنظيم الأجانب في معسكرات ومراكز احتجاز تديرها هذه القوات، مع عدم رغبة بلدانهم الأصلية إلى حد بعيد في استعادتهم.
في إحدى الليالي، سمعت زكية كشار أصوات خطوات تقترب من خيمتها في مخيم روج، إذ جاءت زوجات مقاتلي التنظيم للفتك بها وفي أيديهن حجارة. فرّت كشار مع أطفالها إلى منطقة أخرى في المخيم. وقالت لوكالة "اسوشييتد برس": "لقد أرادوا قتلي".
وفي وقت سابق من ذلك اليوم، دافعت المواطنة الصربية-الألمانية عن نفسها بعد مشادة مع إحدى سكان المخيم التي رفضت وضعها لمساحيق التجميل، إذ كانت المرأة قد عضّتها، فردّت كشار بصفعها.
وأشارت "قوات سوريا الديمقراطية" الآن إلى المعتقلات، المكتظّة بالمعتقلين الذين لدى بعضهم تاريخ من العنف، باعتبارها مصدرًا رئيسيًا لعدم الاستقرار في جميع أنحاء المنطقة التي يسيطرون عليها.
وقال مظلوم عبدي، كبير مسؤولي الأمن في المنطقة وقائد "قوات سوريا الديمقراطية": "نحن نكافح".
لا مفرّ
ويُعتبر مخيم روج موطنًا لحوالي 2500 امرأة وطفل. وبينما تتّسم أيامهن بالرتابة، تقوم الأمهات بالطهي والتنظيف وانتظار القرار بشأن مناشداتهن العودة إلى الوطن.
وخلعت العديد من النساء في المخيم بمحافظة الحسكة الزي الأسود الذي ترتديه زوجات عناصر التنظيم، وبدلًا من ذلك ارتدين الجينز وقبعات البيسبول ووضعن مساحيق التجميل الممنوعة خلال حكم التنظيم، حيث جرى فصلهن عن جاراتهن المتشددات اللاتي يهاجمنهن بشكل متكرر. وأُحرقت خيام مصنوعة من قماش قطني قابل للاشتعال لنشر الفوضى.
وكانت ابنة كشار تبلغ من العمر 11 عامًا فقط عندما التحقوا بزوجها في سوريا من شتوتغارت بألمانيا عام 2015. وقالت كشار: "أريد العودة إلى وطني، هذا يكفي، أطفالي بحاجة إلى حياة طبيعية".
ولم تقدّم صربيا أو ألمانيا لكاشار أي مؤشر على استعدادهما لإعادتها أو أطفالها الخمسة، الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و16 عامًا.
وقالت السلطات الكردية إنه تم نشر ما يصل إلى 200 من أفراد الأمن للحفاظ على معسكر روج منذ الهجوم على سجن غويران.
وقال مسؤول في مخيم روج، شريطة عدم الكشف عن هويته، إن "قواتنا الأمنية موجودة، لكن المشكلة تكمن في أيديولوجية بعض النساء".
مسؤولية مشتركة
وفي مخيم الهول، وهو أكبر بعدة مرات من مخيم روج حيث يضم 56 ألف لاجئ ونازح، يمثل الأمن أكثر الاحتياجات الإنسانية إلحاحًا.
ويشير مسؤولون أمنيون إلى غياب القانون والنظام داخل المخيم الذي شهد مقتل نساء هناك لمجرد خلعهن النقاب.
ويسكن معظم الأجانب غير العرب، وليس كلهم، في ملحق بمخيم الهول. ووفقًا لتقديرات الأمم المتحدة فإن ثلثي سكانه، الذين يبلغ عددهم 8213، هم من القاصرين، إضافة إلى 30 ألف مواطن عراقي.
وقال مسؤولون أمنيون أكراد ومنظمات غير حكومية تعمل في المخيم إن الوضع الأمني بدأ في التدهور في مارس/ آذار 2021 مع عمليات اغتيال قادة المجتمع المحلي في المخيم.
وتحدّث كثيرون عن ارتفاع حالات الابتزاز والسلب والتهديدات بالقتل بحق رجال الأمن وموظفي المنظمات غير الحكومية.
وتقول السلطات الكردية إن المخيم بات أرضًا خصبة للتنظيم، مع وجود خلايا نائمة نشطة، بينما عزا عمال الإغاثة النشاط الإجرامي المتزايد إلى اليأس الناجم عن انتشار الفقر والوصم ومحدودية حرية التنقل.
ترتيبات أمنية
وأثارت موجة العنف الأخيرة الناجمة عن تهريب الأسلحة والأنشطة غير المشروعة الأخرى تساؤلات حول تواطؤ سلطات "قوات سوريا الديمقراطية"، وهنا يعترف عبدي، قائد القوات، بوقوع بعض حوادث الفساد.
وقال: "بعض الشاحنات، على سبيل المثال، التي يفترض أن تكون شاحنات للمياه، تقوم بتهريب البشر. وبالطبع، إذا تمكّنوا من إخراج البشر، فسيمكن استخدامهم للحصول على الأسلحة".
وتعقد "قوات سوريا الديمقراطية" محادثات مع منظمات غير حكومية دولية بشأن ترتيبات أمنية جديدة في الهول من شأنها تقسيم المخيم إلى أقسام، وتقييد الحركة بين المناطق، وإقامة الأسوار ونقاط التفتيش وأبراج المراقبة.
ولتقليل الضغط على مخيم الهول، تمّ نقل ما لا يقل عن 300 عائلة مؤخرًا إلى مخيم روج. ومن المتوقّع نقل 150 أسرة أخرى هذا العام. ولكن الكثير من عمال الإغاثة عبّروا عن مخاوفهم من تحوّل هذا المخيم إلى سجن فعلي للنساء والأطفال.
وقال مسؤول في مخيم روج: "لقد تسبب لنا في المزيد من المشكلات لأن هؤلاء النساء يشجعن الأخريات على اعتناق الفكر المتطرف مثلهن".
وعمدت بعض الدول إلى إعادة رعاياها تدريجيًا، كما فعلت هولندا والسويد مؤخرًا بإعادة العديد من النساء إلى البلدين.
وطالب عبدي المجتمع الدولي بتحمّل جانب من المسؤولية عن السجون والمخيمات، قائلًا "إنها ليست مشكلتنا فقط، نحن نتشارك العبء. هذا هو مطلبنا".