الخميس 21 نوفمبر / November 2024

من تعز إلى صنعاء.. قصة "مسيرة الحياة" التي انتهت بمواجهات دامية

من تعز إلى صنعاء.. قصة "مسيرة الحياة" التي انتهت بمواجهات دامية

شارك القصة

برنامج "كنت هناك" يستعرض مجريات "مسيرة الحياة" في اليمن عام 2011، احتجاجًا على المبادرة الخليجية آنذاك (الصورة: فيسبوك)
بعد خمسة أيام سيرًا على الأقدام لمسافة 260 كيلومترًا، انتهت "مسيرة الحياة" بمواجهات، أدت إلى وفاة 9 من المتظاهرين، وجرح أكثر من 90 آخرين.

في مبادرة غير مسبوقة في ثورات الربيع العربي، قطع شباب الثورة اليمنية في مسيرة راجلة مسافة 260 كيلومترًا من تعز إلى صنعاء تحت اسم "مسيرة الحياة"، رفضًا للمبادرة الخليجية التي منحت الرئيس علي عبد الله صالح الحصانة من الملاحقة القضائية والجرائم التي ارتكبها بحقّهم منذ انطلاق ثورتهم السلمية عام 2011.

واعتبر الثوار أن توقيع المبادرة فيه انتقاص من قيمتهم واستهانة بدماء الشهداء.

في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، وقّع أحزاب اللقاء المشترك وثيقة المبادرة الخليجية مع النظام السابق في اليمن، لكن شباب الثورة اليمنية رفضوا الحصانة ضد المساءلة التي منحتها الوثيقة لعلي عبدالله صالح.

وبعد خمسة أيام من السير على الأقدام لمسافة 260 كيلومترًا، انتهت "مسيرة الحياة" بمواجهات مع قوات النظام، أدت إلى وفاة 9 من المتظاهرين، وجرح أكثر من 90 آخرين.

الهدف كان إسقاط النظام

وقال محمد طاهر، أحد المشاركين في المسيرة، في حديث إلى "العربي"، إنه عندما سمع عن المسيرة، خرج من المدرسة إلى ساحة الحرية، وأدى القسم الثوري والنشيد الوطني، وانطلق سيرًا على الأقدام إلى الحوبان.

من جهته، أوضح عبد الحليم الشميري، دكتور ورئيس اللجنة الحقوقية لـ"مسيرة الحياة"، أن الخروج من ساحة الحرية في تعز إلى الحوبان كان أمرًا صعبًا وبمثابة حلم، بخاصة أن تعز كانت تحت سلطة الحرس الجمهوري.

وأضاف أن الأحزاب تفاجأت بأن المسيرة تتجه إلى صنعاء، فاضطرت الاندماج مع حشودها، وبدأ الجميع يهتفون ضد السلطة والنظام القائم.

بدورها، قالت ألفت الدبعي، دكتورة وأستاذة علم الاجتماع بجامعة تعز، إن الروح الثورية التي ميّزت المسيرة دفعتها وغيرها من اليمنيين للمشاركة فيها.

وأشار سعيد المقرمي، أحد المشاركين في المسيرة، في حديث إلى "العربي"، إلى أن المسيرة كانت تهدف إلى تحرير كل منطقة كانت تصل إليها، مضيفًا أن الخوف كان يسيطر على هذه المدن، لذلك كانت الأعداد قليلة في البداية، قبل أن يبدأ زخم المسيرة مع مشاركة حوالي 20 إمرأة مع انطلاقها.

وقالت سيمون علوان، إحدى المشاركات في المسيرة، في حديث إلى "العربي"، إن الهدف كان إسقاط النظام.

وأشار طاهر إلى أن الهتافات ترافقت مع أغانٍ ثورية، زادت من حماسة وإصرار المتظاهرين على المضي في المسيرة نحو صنعاء، مضيفًا أنه عند الوصول إلى مفرق الحوبان التحم المتظاهرون مع المتوافدين من عدن، ولحج، وغيرها من المدن اليمنية الأخرى، قبل الانطلاق إلى مدينة القاعدة.

وأوضحت الدبعي أن الشباب الثائر اعتبر أن التسوية "فاسدة" وجاءت على حساب مطالبهم الثورية العادلة التي كانوا يُطالبون بها، في ظل غياب النوايا لإيجاد نظام جديد.

مخاوف من ثورة شعبية تسقط الجميع

وشرح مصطفى شرعوب، مقرر اللجنة الإشرافية لـ"مسيرة الحياة"، أن النظام أبلغ القوات بعدم التعرّض للمسيرة في أي نقطة.

وفي هذا الإطار، أوضح الشميري أن هناك مخاوف من أن تتحوّل هذه المسيرة إلى ثورة شعبية تسقط الجميع.

وقال المقرمي إنه عند وصول المسيرة إلى مشارف إب، استقبلنا سكان المدينة بالشموع في أبهى مظاهر الثورة.

وأوضح الطاهر أن المسيرة أوجدت لحمة قوية بين المشاركين من مختلف المدن اليمنية.

في مدينة نقيل بسلح، تفاجأ المتظاهرون بوجود قوات للأمن المركزي، ولكن المشاركين تمتّعوا بالشجاعة لإكمال المسيرة، رغم بعض الأحداث الخطيرة عن خطف بعض المشاركين في المسيرة.

ولدى الوصول إلى منطقة خدار، قال المقرمي إن البرد كان قارسًا، والشوارع مقفرة، وكأنها أُخليت ليتواجد فيها المشاركون في المسيرة وحدهم. افترش بعض الشباب التراب، وحفروا الأرض ليغطوا أنفسهم به من شدة البرد، أو حتى التصقوا ببعضهم طمعًا في بعض الدفء، كما أشعلنا أوراقًا وإطارات للتدفئة.

وكشفت علوان أن ما حدث لها لا يُمكن نسيانه، موضحة أنه عند الوصول إلى منطقة بلاد الروس على مشارف صنعاء، ولدى مساعدتها في نقل شخصين إلى سيارة الإسعاف التي كانت من المفترض أن تكون تابعة للمسيرة، إلا أنه بعدما تجاوزت السيارة العيادة، استغربنا عدم توقّف الإسعاف، ليتبيّن أن السائق ومن بجانبه يحملون السلاح، فقفزت مع زملائي من سيارة الإسعاف، واختبأنا في محل بقالة.

سقوط أول شهيد في صنعاء

وقالت الدبعي إن الإشاعات حول أهداف المسيرة، وأنها ذات توجّهات سياسية، زادت من عزم الشباب الثائر على الاستمرار إلى صنعاء.

وفي اليوم الخامس من الانطلاق، وصلت المسيرة إلى صنعاء، وكان الحشد كبيرًا جدًا.

وقال شرعوب: "في صنعاء، سقط أول شهيد للمسيرة، ليتوالى سقوط الشهداء".

وأوضح المقرمي أن بعض المشاركين في المسيرة من الذين سبقونا إلى دار سلم، "عادوا وأخبرونا بضرورة التراجع. وبعد أن بدأ القنص، أصبحنا نوصي بعضنا بعضًا".

وأوضح الطاهر أن المسيرة انقسمت إلى قسمين بعد أن قطعت قوات الأمن المركزي الطريق عليها، وأقامت حاجزًا قبل أن يبدأ إطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع على المسيرة.

وقُتل 9 من المشاركين في المسيرة. وأسفت الدبغي لأنه كان بإمكان قوات النظام الاكتفاء بإطلاق القنابل المسيلة للدموع لتفريق المسيرة.

واعتبرت الدبغي أن مشاهد القتل أعطت الشباب انطباعًا بأنه هكذا تكون نتائج التسوية الفاسدة.

وأوضح المقرمي أنه بعد تواتر الأنباء عن تعرّض المسيرة في صنعاء للرصاص، توافدت أعداد كبيرة من أبناء صنعاء لمحاولة فكّ الحصار عنا، والتحموا معنا.

 ووصلت المسيرة إلى صنعاء في 24 ديسمبر/ كانون الثاني 2011.

وقال الشميري: "مسيرة الحياة هي جزء من حكايات ثورة 11 فبراير. ومن انتهزوا ثورة 11 فبراير، هم أنفسهم في مأزق، وجرّوا اليمن إلى أسوأ ما يكون".

بدورها، قالت الدبعي إن "اليمن في حالة ثورة متجدّدة يوميًا، وأن رسالة مسيرة الحياة الرمزية للعالم هي أن اليمن لن تستقل إلا بدولة النظام والقانون".

 أما علوان فأكدت أن المسيرة لم تحقّق أهدافها "بسبب تدخّل الأحزاب، التي استخدمت الشباب الثائر جسر عبور لتحقيق مصالحها الشخصية".

وصلت "مسيرة الحياة" إلى صنعاء، واستمرّت الأطراف الموقّعة على المبادرة الخليجية في طريقها السياسي دون مبالاة بمطالب شباب الثورة اليمنية؛ ليطوّق بعدها ثالوث الحرب والدمار والحصار مدينة الحياة، بعد عقد من الزمن على مسيرتهم.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close