الخميس 21 نوفمبر / November 2024

أربعون عامًا من "الرقص مع الثعابين".. هكذا اغتيل علي عبد الله صالح

أربعون عامًا من "الرقص مع الثعابين".. هكذا اغتيل علي عبد الله صالح

شارك القصة

مرت على حياة علي عبد الله صالح العديد من محاولات الاغتيال قبل أن تنجح الأخيرة، وهو الرجل الذي خاض الكثير من الحروب والصراعات السياسية منذ توليه السلطة.

انتهت حياة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح خلال اشتباكات مسلحة مع الحوثيين في الرابع من يناير/ كانون الثاني عام 2017، لكن الرجل الذي حكم اليمن لنحو 33 عامًا تعرض للعديد من محاولات الاغتيال وهو الذي قيل عنه إنه "احترف الرقص بين الأفاعي".

كانت أعنف محاولات اغتيال علي عبد الله صالح تلك التي وقعت في دار الرئاسة بصنعاء في الثالث من يونيو/ حزيران عام 2011 حيث تسببت في تشوهات وحروق في جسده.

عولج صالح من آثار الحروق، لكنه أجبر على التنحي عن الحكم ليعود إلى ممارسة السياسة زعيمًا لحزب المؤتمر الشعبي العام، وذلك قبل أن تنتهي حياته على يد جماعة الحوثي التي تحالف معها عام 2015.

"نقطة تحول" في حياة صالح

وعن خطابه الذي تحدث فيه الرئيس اليمني السابق عن "فض الشراكة" مع الحوثيين، تروي الإعلامية وشاهدة العيان أشواق اليرمي في حديث إلى "العربي" عن مفاجأتها من "المصطلحات والعبارات التي تحدث بها صالح عن حلفائه".

مرت على حياة صالح العديد من محاولات الاغتيال، وخاض الكثير من الحروب والصراعات السياسية منذ توليه للسلطة، وعن ذلك يفيد الكاتب والباحث في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية توفيق الجند بأن غالبية الرؤساء الذين حكموا شمال اليمن بين عامي 1962 إلى 1978 قتلوا إما بالاغتيالات أو بالانقلابات.

ويتحدث الجند، لـ"العربي" عن "نقطة التحول الجوهرية" في حياة علي عبد الله صالح في عام 1968، وكيف أن معرفته لقيادة دبابة جعلته يؤسس كتيبة دبابات في القيادة العامة مما جعله يتحكم في هذه القيادة لاحقًا ويغير القيادات. ويروي كيف أنّ علي عبد الله صالح كان يقول "إنه يحكم على رؤوس الثعابين".

ويروى توفيق الجند أن صالح "لم يكن يمتلك القوة الأسطورية والعصا السحرية للتخلص من خصومه من دون مخاطر".

ويقول: "صحيح تخلص من قوى كثيرة في مراحل معينة، لكنه لم يكن لديه العصا السحرية لتحفظ حياته وتزيح خصومه من أمامه دون مخاطر".

علي عبد الله صالح كان يردد دائمًا أنه "يحكم على رؤوس الثعابين" (غيتي)
علي عبد الله صالح كان يردد دائمًا أنه "يحكم على رؤوس الثعابين" (غيتي)

تصفية خصومه

من جهته، تحدث رئيس المركز الإعلامي للمؤتمر الشعبي العام عبد الملك الفهيدي إلى "العربي" عن تعرض صالح لمحاولة اغتيال أثناء عودته من زيارة خارجية عبر "تصادم طائرة أخرى بطائرته التي كان يستقلها".

ويتذكّر الفهيدي كيفية تمكن علي عبد الله صالح من ضم "جميع خصومه في المؤتمر الشعبي العام من الاشتراكيين والإخوان والناصريين والبعثيين والتحالف معهم لحكم البلد".

أما الكاتب والباحث السياسي عبد الجبار الحاج فيروي في حديثه إلى "العربي" كيف "كان علي عبد الله صالح يعمل على تصفية خصومه جسديًا لمجرد أن لهم صوتًا معارضًا له".

وكان السابع عشر من يوليو/ تموز عام 1978 يومًا استثنائيًا في حياة علي عبد الله صالح بشكل خاص واليمن بشكل عام، حين أصبح رئيسًا لليمن الشمالي في تلك الفترة.

ويشير توفيق الجند في حديثه إلى "العربي" إلى تعرض صالح لمحاولة اغتيال على يد الناصريين في أكتوبر/ تشرين الأول عام 1978 وذلك بعد مرور نحو ثلاثة أشهر في الحكم.

ويرى الجند أن صالح في تلك الفترة "كان في لحظة ضعف، وأنه لولا وجود اختلالات من قبل الناصريين لما استمر طوال هذه الفترة في الحكم".

ويعتبر أنه منذ تلك اللحظة بدأ "التحالف القوي" بين صالح وعلي محسن الأحمر الذي جعل اليمن لمدة 33 عامًا يعتقد أنه "الأخ غير الشقيق". ويقول: إنّ "علي محسن هو من الأركان الأساسية التي ساهمت في القضاء على الانقلاب الناصري".

أول حرب خاضها صالح

من جانبه، يوضح الباحث السياسي عبد الجبار الحاج أنه بعد فشل الانقلاب الناصري "شهدت القوى اليسارية السياسية إجمالًا عمليات تصفية واعتقالات وإعدامات وإخفاء قسري في السجون".

وما إن تمكن عليّ عبد الله صالح من إفشال انقلاب الناصريين عليه حتى انطلقت شرارة أول حرب خاضها صالح والتي عرفت بـ"حرب المناطق الوسطى في اليمن الشمالي" عام 1979.

ويقول توفيق الجند عن تلك الحرب إن "قرار الحرب اتخذ بحضور السفير السعودي والملحق العسكري السعودي وتعهدات بدعم صالح، لكن حين خاض الحرب، تخلت عنه السعودية، فهزم".

من جهتها، ترى القيادية في حزب المؤتمر الشعبي العام أحلام البريهي في حديث إلى "العربي" أن استمرار بقاء صالح في الحكم هو بسبب "مراضاة" القوى السياسية عبر "توزيع حقائب وزارية وجزء من ثروة الدولة وغيرها".

وتلفت البريهي إلى حديثه عن "حكم اليمن فوق رؤوس الثعابين، بمعنى أنه عمل على إرضاء الجميع لتمتعهم بمراكز قوى وأجندات مختلفة".

"أخطار" كثيرة

حتى عام 1982 قام صالح بعقد الكثير من اللقاءات والاجتماعات لكسب التأييد من القوى الوطنية المعارضة له. وتزامن هذا مع قيام صالح بعقد اجتماعات أخرى مع الحزب الاشتراكي (الحزب الحاكم لجنوب اليمن) نتج عنها قيام الوحدة اليمنية في 22 مايو/ أيار عام 1990.

وهي فرحة لم تدم طويلًا، فبعد ثلاث سنوات من قيام دولة الوحدة أعلن عليّ سالم البيض نائب الرئيس آنذاك "فك الارتباط" وعودة دولة الجنوب عام 1994.

ويقول الباحث السياسي عبد الجبار الحاج: إنه بين عامي 1991  و1994 "كانت أكبر مرحلة اغتيالات لأعضاء وقيادات الحزب الاشتراكي من الصف الأول والثاني الذين كان علي عبد الله صالح يخشى صوتهم"، مشيرًا إلى أنه تمت تصفية نحو 155 من تلك القيادات.

من جانبه، يرى توفيق الجند أن تلك الفترة خاصة بعد الحرب بين شطري اليمن "كانت عبارة عن أخطار، إضافة إلى خوض صالح لحروب صعدة" بين عامي 2004 و2007.

"الوقت قد تأخر" على صالح

في عام 2011 وفور اندلاع الاحتجاجات الواسعة في مختلف المدن التي أربكت المشهد السياسي صار الرئيس علي عبد الله صالح يبحث حينها عن "مبادرات وحلول" لتدارك الموقف، لكن كان "الوقت قد تأخر".

وعن تلك الفترة، يرى توفيق الجند أنّ "كل خصوم صالح الذين أقصاهم أو لهم ثارات سابقة قد تجمعوا في مربع واحد ضده، حيث كانوا يمتلكون من الأدوات السياسية والإعلامية في عصر الإنترنت الكثير".

ويعتبر رئيس المركز الإعلامي للمؤتمر الشعبي العام عبد الملك الفهيدي أن المعارضة لنظام علي عبد الله صالح في تلك الفترة تحولت "من معارضة سياسية إلى معارضة مسلحة".

وعن تفجير دار الرئاسة، يقول الباحث عبد الجبار الحاج: إنّ المتظاهرين استقبلوا الأمر بـ"الكثير من البهجة والفرح، لأن من يغذي هذا هي قوى سياسية قدمت الذبائح"، حسب قوله.

من جهتها، تعتبر القيادية في حزب المؤتمر الشعبي العام أحلام البريهي أن الهدف من تلك الأحداث في النهاية "هو قتل واغتيال علي عبد الله صالح".

أما الفهيدي، الذي كان يعمل في موقع المؤتمر نت حينها، فيصف المشهد بوجود حالة "ارتباك" داخل صفوف قيادات المؤتمر الشعبي العام بعد محاولة الاغتيال مباشرة، حيث لم يستطع التواصل معهم نتيجة لإغلاق هواتفهم.

وتوجه علي عبد الله صالح بخطاب إلى اليمنيين من الرياض بعد حادثة تفجير جامع النهدين.

ويرى الكاتب والباحث في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية توفيق الجند أن الرئيس اليمني علي عبد الله صالح بعد الثالث من يونيو/ تموز عام 2011 "لم يكن هو الذي اعتاده الناس" في اليمن.

ويعتبر الجند أنه "لولا التدخل السعودي ونقله إلى الولايات المتحدة وعلاجه من الجروح، لكان علي عبد الله صالح سينتهي".

ويقول: "ليست الجروح الجسدية فقط التي عانى منها علي عبد الله صالح، بل الجروح المعنوية لأنه شعر بالهزيمة المطلقة وأنه أصبح مخترقًا ومهددًا بحياته في عقر داره".

ارتبك المشهد السياسي على صالح منذ اندلاع احتجاجات شعبية واسعة في عام 2011 (غيتي)
ارتبك المشهد السياسي على صالح منذ اندلاع احتجاجات شعبية واسعة في عام 2011 (غيتي)

تحالف صالح والحوثيين

في الحادي والعشرين من فبراير/ شباط عام 2012 أجريت الانتخابات الرئاسية، وسلمت رئاسة الجمهورية اليمنية إلى عبد ربه منصور هادي.

ويرى توفيق الجند أن صالح منذ عام 2014 أصبح يمثل خطرًا على الوضع القائم، خاصة بعد "اكتشاف نفق يصل إلى منزله في الثنية، ووضعه في القرار الدولي ضمن معرقلي التسوية السياسية".

وتعرض صالح لمحاولة اغتيال في عام 2015 باستهداف منزله بغارة جوية من قبل طيران التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، ومنذ تلك اللحظة أعلن الرئيس اليمني السابق حينها عن "تحالفه" مع جماعة الحوثي.

كما تعرض صالح لمحاولة اغتيال أخرى عام 2016 والتي عرفت بحادثة "الصالة الكبرى"، حيث يقول عنها صالح إن موكبه كان قريبًا من الصالة نحو 150 إلى 200 متر حين وقوع الحادث.

اللعب في "مربعات الموت"

وتلفت القيادية في حزب المؤتمر الشعبي العام أحلام البريهي إلى أنه "كان هناك صراع نائم بدأ يستشري بين صالح وأنصار الله". وتروي أنها كانت في تلك الفترة عند رئيس المؤتمر الشعبي العام حين سيطرت جماعة الحوثي على "جامع الصالح" في العاصمة صنعاء وكيف كانت ردة فعل صالح ذاته على تلك الواقعة بدعوته إلى "عدم صنع فتنة والعمل على التهدئة".

ويعتبر الباحث توفيق الجند أن "صالح كان يلعب بمربعات الموت وينتقل من مربع إلى آخر، حيث أصبحت الساحة كلها مربعات خصوم".

وفي الثاني من ديسمبر/ كانون الأول عام 2017 دعا صالح إلى "خروج الجماهير للدفاع عن الثورة والجمهورية والوحدة والحرية" بعد "فض" التحالف مع جماعة الحوثي. وعن هذا الخطاب، تقول الإعلامية أشواق اليريمي: إنها لم تكن تتوقع أن الشارع سيثور بعد خطاب صالح.

أما الجند فيرى أن صالح في خطابه "تكلم بثقة عجيبة"، رغم "فقدانه للأدوات العسكرية الداخلية وفقدانه ثقة التحالف العربي الذي كان الخصم الطبيعي للحوثيين".

ويعتبر أن قراره في فض الشراكة مع الحوثيين كان "انتحاريا" وذلك لعدم امتلاكه لقوة عسكرية وأذرع عسكرية تمكنه من مواجهتهم.

أما الباحث عبد الجبار الحاج فيرى أن صالح "ضعف كثيرًا في تلك المعركة التي كان يعتقد أنه سيحسمها وذلك بعد أن انفضت الجماهير من حوله وتم إسقاطه خلال 48 ساعة".

طوى اليمن صفحة علي عبد الله صالح بعد 33 عامًا في الحكم (غيتي)
طوى اليمن صفحة علي عبد الله صالح بعد 33 عامًا في الحكم (غيتي)

روايات "متعددة" للاغتيال

ويروي المواطن وشاهد العيان نور الدين العزعزي أنه "تفاجأ بهروب موكب صالح من المنطقة وكان عبارة عن ثلاث سيارات مدرعة، إضافة إلى إطلاق نار وقنابل بشكل كثيف".

أما الباحث السياسي عبد الجبار الحاج فيرفض الروايات التي تتحدث عن مقتل علي عبد الله صالح خارج قصره.

لكن الباحث توفيق الجند يعتبر أن علي عبد الله صالح "انتهى" سواء كانت الرواية تقول إنه أصيب وهو في الثنية (أي في منزله) عبر شظية دبابة أو الرواية التي تتحدث عن إصابته وهو في الطريق"، لافتًا إلى أنه "لا يمكن الثقة بالروايات التي قدمت بشأنه حتى الآن".

وكانت هي "الرقصة" الأخيرة لعلي عبد الله صالح بعد قرابة 4 عقود حكم فيها اليمن ما بين السلطة والمعارضة، ليبدأ اليمن مرحلة جديدة بعيدًا عن الرقص على رؤوس الثعابين.  

تابع القراءة
المصادر:
العربي
تغطية خاصة
Close