بعد أربعة أشهر من بدء العدوان على غزة، خرج الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ على العالم في مؤتمر الأمن بميونخ ليقول إن "حماس تريد إبادة اليهود".
وأشهر كتابًا عنوانه "نهاية اليهود"، يشيد في بعضه بالمحرقة، ونسبه للقيادي في "حماس" محمود الزهار، وقال: إن "الكتاب عثر عليه في غزة"، لكن المؤلف لا يحمل حتى اسم كاتبه على الغلاف.
تصريحات إسحاق هرتسوغ
وانتشرت تصريحات هرتسوغ في الوسائل الإعلامية المؤيدة للاحتلال على أنها دليل جديد يؤكد ارتباط المقاومة بالتطرف.
ونشرت مواقع وصحف إسرائيلية وأخرى غربية تصريحات هرتسوغ دون أي محاولة للتأكد من صحتها.
فالكتاب الذي لوح به هرتسوغ ليس للزهار، بل لسلفي مصري اسمه محمد عزت محمد عارف، يرى أن ما سماه "نهاية اليهود نبوءة قرآنية وتوراتية"، بل إن المكتبة الوطنية الإسرائيلية تضمنت هذا الكتاب، وأشارت بوضوح إلى مؤلفه الملقب بأبي الفداء.
واختار هرتسوغ في روايته تجاهل مرجع آخر ليس مطعونًا في صدقيته، ميثاق حركة "حماس" الذي ينص على أن الصراع ليس مع اليهود ولكن مع الصهيونية.
إلى ذلك، تلقفت رواية هرتسوغ حسابات إسرائيلية عبر منصات التواصل، إذ قام فريق "العربي" بتحليل النقاش حول الخطاب باستخدام أدواته المتخصصة، وتحديداً في الفترة ما بين 17 و20 من فبراير/ شباط الجاري.
فقد رصد الفريق 2190 منشورًا خلال ثلاثة أيام،1429 حسابًا متفاعلًا، حيث تبين عند التدقيق في طبيعة تلك الحسابات أن أكثر من نصفها غير محدد الجنس، وهو المؤشر الأول غالبًا على نشاط اللجان.
وخلص تحليل "العربي" أيضًا إلى أن أكثر من نصف الحسابات المتفاعلة لا تحمل أي علامات توثيق، ويقل متابعوها عن ألف، وهي صفات مميزة لحسابات اللجان.
وحرصت تلك الحسابات على إعادة نشر التصريحات بالطريقة نفسها، وهي علامات تشير إلى شبكة واحدة تعمل على تضخيم ما قاله هرتسوغ عبر سلوك إعادة التغريد.
كذبة هرتسوغ
فكذبة هرتسوغ الأحدث لم تكن إلا حلقة في مسلسل تضليل بطله من وصفته صحيفة هآرتس بأقل رؤساء إسرائيل مناسبة لمنصبه.
فبعد أسبوعين من بداية العدوان، وفي لقاء مع قناة سكاي نيوز البريطانية، اتهم هرتسوغ حماس بامتلاك أسلحة كيمياوية لقتل اليهود، واستعرض ما وصفه بكتيب إرشادي لتصنيعها عثر عليه بحوزة عضو منها، قتل في غلاف غزة. لكن هنا أيضًا، عرض الكتاب بلا اسم مؤلفه.
وما يفترض أن يكون دليلًا إرشاديًا محاطًا بسرية تامة هو أمر متاح للجميع على الإنترنت. كتاب الفردوس الأعلى هو عن حياة رمزي يوسف عضو تنظيم القاعدة، وقد جاء في باب ضرورة الثبات في ما يسميه التنظيم جهادًا.
لم يكلف المذيع نفسه عناء سؤاله: لم لم يستظهر اتهامه هذا في اليوم الأول للحرب؟ كانت محاولة للربط بين حماس والقاعدة وداعش.
ورغم أن الفرق بينها وبين التنظيمين شاسع، تلقفت سفارات إسرائيل في العالم الاتهام: "يريدون إبادتنا بالغاز مرة أخرى"، غردت السفارة في باكو الأذربيجانية.
فهرتسوغ نفسه لم يبد حريصًا على متانة روايته، فلم يدع مثلًا منظمة حظر الأسلحة الكيمياوية للتحقيق. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ظهر هرتسوغ في مقابلة أخرى مع شبكة "بي بي سي" البريطانية، عرض فيها نسخة مترجمة إلى العربية من كتاب هتلر الشهير "كفاحي"، زاعمًا أن جنود جيشه وجدوها في غرفة للأطفال في أحد المنازل بغزة.
ونسي هرتسوغ أو تناسى أن الكتاب متاح للتحميل والقراءة مجانًا من الإنترنت. ولم يكن عرضًا أن يختار الرئيس بوقًا لهذه البروباغندا، ففي نظام الحكم الإسرائيلي، يتقلد الرئيس منصبًا شرفيًا يسمو به فوق الطبقة السياسية، وهو شخصية خارج الحسابات السياسية الداخلية.
وتفترض إسرائيل بالتالي أن روايته للأحداث ستحظى بالمصداقية، لكن هرتسوغ أمعن في الكذب، والكذب بلا ساقين، كما يقول المثل اليهودي.
أما في لاهاي، فقد انقلبت خطاباته التحريضية سهمًا آخر في جعبة ادعاء جنوب إفريقيا التي تقاضي إسرائيل في محكمة العدل بتهمة ارتكاب حرب إبادة في غزة.
فالرئيس الإسرائيلي الذي يرمي حماس بتهمة الإبادة، دعا إليها في غزة حين حمل الغزيين كلهم بلا استثناء، مسؤولية هجوم السابع من أكتوبر.