الأصل في الشيء ونقيضه أن يختفي أحدهما ليظهر الآخر، بيد أن لكل قاعدة استثناء ولكل استثناء سبب يبرره ولا سيما بين الأصدقاء كما يرى الإسرائيليون.
ويبدو ذلك جليًا في العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، فالمتناقضات هنا تتجلى بأوضح صورها تحديدًا في الموقف الأميركي الأخير بشأن ملف الاستيطان.
فقد عبّرت الولايات المتحدة عن امتعاضها من قرار الحكومة الإسرائيلية بتوسيع النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، وأكد البيت الأبيض أنه يعارض بشدة هذه الإجراءات، التي وصفها بالخطوة المقوضة لجهود السلام الممكنة في حل الدولتين.
بيد أن استياء الأميركيين هذا يظل في سياق الأقوال دون الأفعال، إذ ترفض واشنطن إدانة إسرائيل رسميًا على فعلها، وتلوح بطريقة غير مباشرة باستخدام نفوذها في أروقة المنظمة الأممية، بل وتقلل من فاعلية الجهود الدولية لكبح جماح تل أبيب التوسعي عبر مجلس الأمن، في وقت يهم فيه بالتصويت على مشروع قرار يدين إسرائيل ويطالبها بالوقف الفوري لعمليات الاستيطان.
في المقابل، لا يتحرج الإسرائيليون من تأكيد رفضهم للموقف الأميركي، لكن الخلاف هنا لا يفسد للود قضية، وهم يدركون حدود تلك المواقف، ويعلمون أنهم تحت غطاء أميركي في مأمن من أمرهم في مجلس الأمن، لذا تقع عندهم موقعًا مقبولاً على حد تعبيرهم.
وتعتبر معظم القوى العالمية المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس المحتلة غير قانونية، ومع ذلك، منحت حكومة بنيامين نتنياهو تراخيص بأثر رجعي لتسعة مواقع استيطانية في الضفة الغربية، وأعلنت عن بناء عدد كبير من المنازل الجديدة في مستوطنات قائمة، وكل ذلك في سياق سياسة استفزازية تمارسها إسرائيل منذ اليوم الأول على إقامتها.
#واشنطن "منزعجة" من قرار توسيع النشاط الاستيطاني في #الضفة_الغربية المحتلة.. كيف علقت إسرائيل؟ تقرير: حنان البلخي pic.twitter.com/r7bJgw8GNI
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) February 17, 2023
"مفارقة" في العلاقات الأميركية الإسرائيلية
ويرى الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن أسامة أبو ارشيد، أن هذا الموقف يشكّل "مفارقة" في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، إلا أنّه يلفت إلى أنه ليس أول موقف من نوعه تتعرض له الولايات المتحدة.
ويشير في حديث لـ"العربي" من واشنطن، إلى وجود ما يصفه بـ"التواطؤ المؤسسي" في الولايات المتحدة لصالح إسرائيل، في مقابل "تواطؤ الضعف"، ويعتبر أنّ ما يحصل اليوم هو "مزيج بين الإثنين".
ويشرح وجهة نظره بالقول إنّ الولايات المتحدة مؤسسيًا متواطئة، كما أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تريد أن يتم توسيع المستوطنات أو بناء وحدات سكنية جديدة في مستوطنات قائمة في الضفة الغربية، وهذا هو تواطؤ الضعف، بمعنى أن واشنطن لا تستطيع أن تضغط على إسرائيل.
"أولويات" واشنطن والقضية الفلسطينية
وفيما يعتبر أبو ارشيد أنّ الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتحمل الكلفة السياسية للضغط على إسرائيل أو رفع غطاء الفيتو عنها، يشدّد على أن إدارة بايدن كانت واضحة منذ البداية أنها مع حل الدولتين، وأنها لن تجعل مفاوضات السلام الفلسطينية الإسرائيلية أولوية لها، ولذلك لم يشهد الملف أي محاولات لدفع أو إطلاق عجلة المفاوضات.
ويشير إلى أن بايدن يرى أن جهود المفاوضات دائمًا تفشل وبأنها تصبح وصمة سوداء في رئاسة أي رئيس منذ جورج بوش الأب، بالإضافة إلى إعلانه بأن الصين هي أولويته، والأولوية الثانية هي روسيا.
ويخلص الباحث في المركز العربي إلى أن الأمر الوحيد الذي أخذه بايدن من إدارة سلفه دونالد ترمب هو أنه مضى في التطبيع العربي الإسرائيلي، باعتبار أنه كلما زادت عدد الدول العربية المطبعة كلما كان الضغط على الفلسطينيين أكبر للبحث عن حل والقبول بحل.