روى مدير مكافحة الإرهاب سابقًا في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية الـ"سي آي إي" روبرت غرينيه تفاصيل الخطة التي وضعها لاجتياح أفغانستان بتكليف من الرئيس الأسبق جورج بوش بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
وشرح غرينيه الذي حل ضيفًا على برنامج "وفي رواية أخرى" عبر "العربي" أنه وبينما كان يشغل منصب رئيس محطة الـ"سي آي إي" في باكستان وبعد 12 يومًا من الهجمات على نيويورك، تلقى اتصالًا من مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية آنذاك جورج تينيت.
أهداف عسكرية محدودة
ويلفت غرينيه إلى أن تينيت أبلغه في الاتصال بأن مناقشات جرت في الولايات المتحدة وأنهم سيستكملون المباحثات في كامب ديفيد للبحث في المضي قدمًا في أفغانستان، وأبلغه بأنهم لا يعلمون ما الذي يتوجب عليهم فعله، وبأنهم يبحثون عن أهداف عسكرية محتملة في أفغانستان إلا أنها محدودة جدًا.
ويؤكد تينيت بأن هناك بضعة أهداف لطالبان نظرًا إلى أن الحركة لا تمتلك تشكيلات كبيرة كوحدات الدبابات أو جيشًا نظاميًا بحسب غرينيه الذي أكد أن التركيز حينها كان منصبًا على تنظيم القاعدة، مشيرًا إلى أن تينيت أبلغه بأنهم يعرفون مواقع مسلحي القاعدة، إلا أنها فارغة لأن العناصر أخلتها بعد الهجمات.
وردًا على سؤال حول كيفية وضعه خطة للاجتياح الأميركي لأفغانستان، يقول غرينيه إن "الوضع كان استثنائيًا جدًا، وكنت أبحث عن وضع خطة شاملة مغايرة تمامًا وخشيت أن نقدم على عملية الغزو، واعتقدت أننا إذا أقدمنا على الخطوة فسنرتكب خطأ جسيمًا وأن نكرر ما فعله السوفييت في أفغانستان".
ويضيف: "نصيحتي كانت أن علينا ألا نأتي إلى أفغانستان بقوات كبيرة أو أن تكون لنا قواعد ضخمة هناك بل أن ندعم الراغبين في القتال ضد طالبان ". ويتابع: "على سبيل المثال كان التحالف الشمالي في أفغانستان يحارب طالبان لذا كان علينا دعمه إلا أنني رأيت أنه من الأهمية في مكان أن لا ندخل إلى جانب طرف في الحرب الأهلية الأمر الذي قد يدفع زعماء قبليين إلى مناصرة الحركة بدلًا من الوقوف ضدها".
ويشير إلى أن الموقف الذي اقترحه من خلال دعم المعارضين لطالبان، يستند إلى واقع أن الحركة خانت أفغانستان وباعاتها لأجنبي هو أسامة بن لادن (مؤسس وزعيم تنظيم القاعدة السابق)، مشددًا على أن القاعدة كانت آنذاك بمثابة دولة داخل الدولة، كاشفًا أن الكثير من القادة داخل الحركة كانوا يعارضون القاعدة وبن لادن نظرًا لمعاملتهم المتعالية.
وضع مخطط اجتياح أفغانستان في 3 ساعات
وحول وضعه مخطط اجتياح أفغانستان في 3 ساعات فقط، يقول غرينيه: "اعتبرت أن الساعات الثلاث التي كتبت فيها الرسالة كانت أهم ساعات في مسيرتي المهنية، نظرًا إلى المبادئ التي استندت إليها بحيث اعتبرت أن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تكون في صدارة التحرك بل أن تدعم الشعب الأفغاني بدلًا من أن تطلب منه الدعم".
ويوضح أن أعداد القوات الأميركية في أفغانستان لم تكن كبيرة في السنوات الأولى واستمر هذا الوضع إلى عام 2005 حين عادت طالبان إلى الواجهة وأعادت فرض نفسها وتنظيم صفوفها، وحينها أدرك الأميركيون أن الشأن الأفغاني أهم من أن يُترك للأفغان وحدهم، ووصل عدد القوات الأميركية إلى مئة ألف في أفغانستان، فضلًا عن 50 ألفًا من الناتو.
دعم حامد كرزاي
ويروي غرينيه أن الأميركيين دعموا حامد كرزاي (أحد قيادات البشتون وأصبح رئيسًا لأفغانستان من 2001 لغاية 2014) بقوة، كاشفًا أنه لم يكن مرشح الأميركيين الرئيسي في البداية.
ويضيف: "كان كرزاي يقيم في باكستان قبل هجمات 11 سبتمبر لأنه كان منفيًا، لذلك قلنا له إننا على استعداد لدعمه لكن عليك العودة إلى أفغانستان لتنظيم الصفوف في منطقتك القبلية وعندما تثبت لنا قدرتك على الأرض فإننا سنقدم لك الدعم".
ويتابع: "أدرك أعضاء طالبان أن كرزاي عاد، وبدأوا بتنظيم قواتهم لاعتقاله، وعلى فترة أسابيع كانت طالبان تطارد كرزاي ورجاله في الجبال، وفي فترة معينة كنا ننوي تقديم له أسلحة عبر إلقائها من الجو، لكن في مرحلة أبلغه الأعيان القبليون عدم قدرتهم على مواصلة دعمه وأن عليه الطلب من الأميركيين أن يتدخلوا لإخراجه، بينما ينظمون أنفسهم ومن ثم يعود كرزاي برفقة الأميركيين، وهذا ما قام به".
ويشدد على أن من اختار كرزاي ليرأس الحكومة الانتقالية لم يكن الأميركيين فقط فهو كان من بين القليلين من زعماء البشتون المقبولين من قبل التحالف الشمالي.
وردًا على سؤال حول تحميل واشنطن مسؤولية ما آل إليه الوضع في أفغانستان نظرًا إلى أنها أتت بكرزاي رغم أنه لم يكن مقبولًا من الشعب يقول غرينيه: "من الصعب تقييم الدعم الشعبي في ذلك الوقت لمعرفة مدى التأييد الذي حظي به كرزاي، وهو لم يكن لديه الكثير من المؤيدين المسلحين لكن الزعماء القبليين في الشمال أبدوا استعدادًا للانضمام إليه ورفده بالمقاتلين، لكن مقاتليه لم يتجاوز عددهم الـ 350 تقريبًا ولم يكن أمامه باب سوى دعمه عسكريًا من قبل الولايات المتحدة".
التعذيب والإيهام بالغرق
وعن البرنامج المثير للجدل الذي اتبعته واشنطن للتحقيق مع عناصر القاعدة والتعذيب، يقول: "هناك الكثير من سوء الفهم حول هذه المسألة وبعض الانتهاكات في هذا الإطار التي سمعنا بها من خلال مجلس الشيوخ وقعت قبل أن تضع الـ "سي آي إي" برنامجها، وكان هناك عدد من الأفراد الذين يتعاملون مع عدد من المعتقلين من دون أن يحصلوا على تدريب مناسب، وارتكبوا انتهاكات غير مقبولة من قبل إدارة الإستخبارات المركزية الأميركية".
ويضيف: "عادة لا تشارك الـ "سي آي إي" في الاستجواب، لكن الوضع الذي فُرض علينا كان مختلفًا، وشمل البرنامج نحو مئة عنصر من القاعدة، والغالبية منهم لم يتعرضوا لما كان يُعرف باسم "الاستجواب المعزز" أو التعذيب، فمعظمهم أخبرونا بما كانوا يعرفونه".
ويتابع: "أما بشأن الإيهام بالغرق، فقد تعرض 3 معتقلين فقط لهذه الممارسة ومن بينهم خالد شيخ محمد الذي كان العقل المدبر لهجمات سبتمبر، فقد أردنا منه معرفة المخططات بشأن أي هجوم لاحق". وينفي غرينيه وفاة أي شخص بسبب برنامج الـ "سي آي إي" للاستجواب.