شهدت مدينة بليم البرازيلية مطلع الشهر الجاري، ولادة تحالف جديد لمكافحة الخطر الذي يحدق بالغابات في منطقة حوض الأمازون، وذلك بهدف البحث في الإجراءات العملية للحد من تدمير إحدى أكبر الغابات المطيرة على كوكب الأرض.
ويلقي هذا التحالف بين دول الأمازون الضوء من جديد على حال الغطاء النباتي على سطح الكوكب عمومًا، لا سيما مع انحساره في العقود الماضية بسبب التوسع العمراني وقطع الأشجار والحرائق الواسعة التي قضمت مئات الآلاف من الكيلومترات المربعة في أكثر من منطقه حول العالم.
هذا فضلًا بالتأكيد عن أزمة التغير المناخي، وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.
أنواع الغابات وتوزعها
وفي دراسة شاملة لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" بشأن حال الغابات في العالم قسّمت الغابات إلى 5 مجموعات بحسب المجالات المناخية الرئيسة.
المجموعة الأولى، شملت الغابات الشمالية المعروفة أيضًا باسم "التايغا"، وهي الغابات الممتدة عبر أراضي أميركا الشمالية وأجزاء واسعة من أوراسيا، وتتميز بمناخها شديد البرودة وبقلة تنوع النباتات فيها، إذ يغلب عليها الأشجار الصنوبرية ذات الأوراق الإبرية.
وتشاركها بهذه الخصائص المجموعة الثانية، وهي الغابات الواقعة في المجال القطبي وأراضي التندرا حيث أن الغابات هناك تشكّل نحو 27 % من المساحة الحرجية حول العالم.
أما المجموعة الثالثة بحسب علم المناخ، فهي الغابات المعتدلة التي تنتشر في أجزاء واسعة من أميركا الشمالية واليابان والدول الأوراسية ويمكن تشبيهها بحزام يحيط بالمجموعتين السابقتين من الجنوب.
كما تشكل الغابات المعتدلة ما نسبته 16 % من الغابات حول العالم، وبسبب مناخها المعتدل وتعاقب الفصول الأربعة عليها فقد تنوعت فيها مختلف أصناف الأشجار والحياة البرية.
ولعلّ هذه الغابات، هي من أكثر المناطق الحرجية تأثّرًا بالنشاط البشري نظرًا للتمدد العمراني على حسابها.
والمجموعة الرابعة من الغابات هي الغابات شبه الاستوائية أو المدارية التي تتوزع كبقع خضراء منفصلة عبر القارات بمحاذاة مدار السرطان شمالًا، ومدار الجدي جنوبًا.
وتتراوح بين غابات شبه استوائية رطبة وجافة، وتعدّ من أقل المساحات الحرجية بنسبة لا تزيد عن 11% من مساحة الغابات في العالم.
وتنشتر المجموعة الرابعة هذه في الواجهات الشرقية للقرارات في آسيا وإفريقيا والأميركيتين، لتشمل أجزاء محددة من الصين وأستراليا والأميركيتين.
لكن المجموعة الأخيرة التي تضم أوسع المساحات الخضراء من الغابات على مستوى العالم، فهي الغابات الاستوائية بحيث تصل نسبتها إلى 45% من مجموع الغابات على وجه الأرض.
وشهدت الغابات الاستوائية أكثر التغيرات المناخية السلبية، من انحسار الأشجار والحرائق والتحطيب الجائر والتوسع في المراعي والنشاط البشري.
وتمتد هذه الغابات على مختلف قارات العالم على طرفي خط الاستواء شمالًا وجنوبًا، في حوض الأمازون في أميركا اللاتينية وإفريقيا الاستوائية وجنوب شرق آسيا، وتعرف بغاباتها المطيرة دائمة الخضرة.
أهمية الغابات في التوازن البيئي
وبينما تتزايد الدعوات لإنقاذ الغابات من سلسلة الحرائق الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، وتفاقم أزمة المناخ على سطح كوكب الأرض، كان لافتًا الاهتمام المتزايد بغابة الأمازون أكبر غابة في العالم والتي توصف بأنه رئة الأرض.
فقد اجتمعت مؤخرًا 8 دول في قمة منظمة معاهدة التعاون في منطقه الأمازون، لإنقاذ ما يمكن من الغابة المطيرة الأكبر في العالم.
هذه المبادرة، هي من بين جهودٍ دولية عديدة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال حماية الغابات التي تساهم في استقرار التوازن البيئي والحيوي، وامتصاص الكميات الكبيرة من الغازات الدفيئة، وعلى رأسها ثاني أكسيد الكربون.
كذلك، يشير التقرير الصادر مؤخرًا عن منظمه "الفاو" إلى قدرة الغابات حول العالم على تخزين ما يقدر بـ296 غيغا طن من الكربون سواءً فوق الأرض أو تحتها.
كما يمكن للأشجار الخضراء عزل حوالي 150 كيلوغرامًا من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وإنتاج الأوكسجين عبر عملية التمثيل الضوئي.
أيضًا، يمكن للأشجار في المناطق الحضرية والمدن تبريد الهواء الذي يخفف من استهلاك أجهزة التكييف بنسبة 30%، وبالتالي التخفيف من استهلاك غاز الفريون الذي يعد أحد أكثر العناصر الكيميائية إضرارًا بطبقة الأوزون.
أما على المستوى البيئي، فتساهم منتجات الغابات في التقليل من المواد الملوثة واستبدال السلع الكثيفة بالكربون كالألياف الخشبية المعتمدة في المنسوجات عالية الكفاءة.
مناخيًا، تبقى الغابات أحد أهم المسببات لتوزان الهطولات المطرية حول العالم، إذ إن 40% من الأمطار على سطح الأرض ناتجة من المياه الآتية من النباتات، لتضاف إلى النسب الأخرى القادمة من المسطحات المائية.
فتتضمن الغابات التي تغطي 31% من مساحة اليابسة، معظم التنوع البيولوجي على وجه الأرض، فهي تشكل مأوى لنحو 80% من البرمائيات، ونحو 68% من الثدييات، فضلًا عن التنوع النباتي.
هذا علمًا أن أكثر من نصف الغابات تنحصر في 5 بلدان فقط، هي: البرازيل، وكندا، والصين، وروسيا، والولايات المتحدة الأميركية.
وبحسب تقارير "الفاو"، يبقى التوسع الزراعي من أهم العوامل الرئيسية وراء إزالة الغابات، لا سيما تربية المواشي والمحاصيل الاقتصادية. مما يسهم في تصحر تلك المناطق مع مرور الزمن.
وتؤدي إزالة الغابات بحسب نشطاء في البيئة، إلى الإضرار بالتنوع البيولوجي الهام لتغذية التربة، والتالي فقدانها لخصائصها الزراعية على المدى البعيد وهو ما يؤثر بدوره على جودة الغذاء وإنتاجه في المستقبل.
التهديد المناخي للغابات
متابعةً لهذا الملف، يؤكد الزيتوني ولد دادة نائب مدير قسم تغير المناخ والتنوع البيولوجي والبيئة في منظمة الغذاء التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، أن الغابات تواجه خطرًا فعليًا نتيجة التغير المناخي.
ويشير ولد دادة في حديث مع "العربي"، إلى أن موجات الجفاف والحر والفيضانات والحرائق توالت هذا العام بشكل ملحوظ، وكانت مدمرة بحيث ألحقت خسائر كبيرة بالمحاصيل الزراعية والبنية التحتية.
ويردف المسؤول في "الفاو" من لندن: "الوضع الحالي مقلق ومحزن بسبب احتراق مساحات واسعة من الغابات، وسيزداد سوءًا في جميع أنحاء العالم، وهذا ما كان يؤكّد عليه الخبراء في تغير المناخ وتأثيره على البيئة والإنسان".