Skip to main content

يُذكر بتشرنوبيل.. تدمير سد كاخوفكا كارثة بيئية قريبة وطويلة الأمد

الأحد 11 يونيو 2023

أكد خبراء أن تدمير سد نوفا كاخوفكا تطوّر إلى كارثة بيئية طويلة الأمد تمتدّ لأجيال حيث ستؤثر على مياه الشرب والإمدادات الغذائية والنظم البيئية التي تصل إلى البحر الأسود.

كما يُمكن رؤية المخاطر قصيرة المدى من الفضاء الخارجي، حيث غُمرت عشرات الآلاف من الأراضي بالمياه. بينما تُركت آلاف الأسماك تختنق على المسطّحات الطينية، فيما فقدت الطيور المائية الوليدة أعشاشها ومصادر غذائها، ناهيك عن غرق عدد لا يحصى من الأشجار والنباتات.

وحذّر الخبراء من أنّ جفاف خزّان كاخوفكا يخلق مستقبلًا غير مؤكد لمنطقة جنوب أوكرانيا التي كانت سهولًا قاحلة حتى بناء سد نهر دنيبر قبل 70 عامًا.  

وكان سدّ كاخوفكا هو الأخير في نظام من ستة سدود من الحقبة السوفيتية على النهر الذي يتدفّق من بيلاروسيا إلى البحر الأسود، والذي أصبح جزءًا من خط المواجهة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا العام الماضي.

وقالت كاترينا فيليوتا، الخبيرة في الموائل المحمية لمجموعة أوكرانيا للحفاظ على الطبيعة: "شكلت كل هذه الأراضي نظامًا بيئيًا خاصًا بها".

الأضرار على المدى القريب

ويُعتبر إيهور ميدونوف جزءًا كبيرًا من هذا النظام البيئي. انتهى عمله كمرشد للصيد وصيد الأسماك بشكل فعّال مع بداية الحرب، لكنه بقي في مجمعه الصغير على الجزيرة مع كلابه الأربعة لأنه بدا أكثر أمانًا من البديل. ومع ذلك، فإن سيطرة القوات الروسية على المصب كان مصدر قلق له.

وتمّ تصميم السدود الستة على طول نهر دنيبر للعمل جنبًا إلى جنب، بحيث تتكيّف مع بعضها البعض مع ارتفاع منسوب المياه وانخفاضه من موسم إلى آخر. ولكن عندما استولت القوات الروسية على سد كاخوفكا، تعرّض النظام البيئي بأكمله للإهمال.

سواء عن قصد أو عن غير مبالاة، سمحت القوات الروسية بتغيّر منسوب المياه بشكل لا يمكن السيطرة عليه، حيث انخفض بشكل خطير في الشتاء، ثم ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة عند ذوبان الثلوج وأمطار الربيع وتجمعها في الخزّان.

الآن ومع تدمير السد، يراقب ميدونوف رزقه يتدمّر، بينما انسحبت أمواج المياه بعيدًا عن منزله.

وقال ميدونوف لوكالة اسوشييتد برس: "بدأت المياه تنسحب بعد أن أغرقت منزلي ورزقي. والآن مع انسحابها بدأ كل شيء يتعفّن".

منذ انهيار السد يوم الثلاثاء، سحبت المياه المتدفقة الألغام الأرضية، ومزّقت مخابئ الأسلحة والذخيرة، ونقلت 150 طنًا من زيون الآلات إلى البحر الأسود. ونفقت آلاف الحيوانات في حديقة وطنية كبيرة تقع تحت سيطرة الروس الآن.

وفي خيرسون، تفوح رائحة العفن من المنازل المهجورة، حيث لا تزال السيارات وغرف الطوابق الأولى والأقبية مغمورة بالمياه. أما بقع الزيوت الهائلة التي شوهدت في اللقطات الجوية، فتمتد عبر النهر من ميناء المدينة والمنشآت الصناعية، مما يدل على حجم مشكلة التلوث الجديدة في دنيبر.

وقدّرت وزارة الزراعة الأوكرانية أنّ 24 ألف فدان من الأراضي الزراعية الواقعة تحت سيطرة أوكرانيا في إقليم خيرسون غُمرت بالمياه، و "أكثر من ذلك بكثير" في الأراضي التي تحتلها روسيا.

وقال دميترو نيفيسيلي، عمدة قرية مارينسك لوكالة اسوشييتد برس" إنّ كل شخص في المجتمع البالغ عدد سكانه 18 ألف شخص سيتأثر في غضون أيام، مضيفًا: "نحن قادرون على تزويد السكان بمياه الشرب اليوم وغدًا. لكن بعد ذلك لا نعلم ماذا سيحصل خاصّة أنّ القناة التي تزود خزّان المياه لدينا قد جفّت".

العواقب على المدى الطويل

يوم الجمعة، بدأت المياه تنحسر ببطء لتكشف عن الكارثة البيئية التي تلوح في الأفق.

كان الخزّان، الذي تبلغ سعته 18 كيلومترًا مكعبًا (14.5 مليون فدان)، المحطة الأخيرة على طول مئات الكيلومترات من النهر الذي يمر عبر المناطق الصناعية والزراعية في أوكرانيا. لعقود من الزمان، حملت مياهه المواد الكيميائية والمبيدات الحشرية التي استقرت في قاع الوحل.

وقال يوجين سيمونوف، عالم البيئة في مجموعة عمل العواقب البيئية للحرب الأوكرانية، للوكالة، إنّ السلطات الأوكرانية تختبر مستوى السموم في الوحل، والتي قد تتحول إلى غبار سام مع وصول الصيف.

ويعتمد مدى الضرر طويل الأمد على حركة الخطوط الأمامية في حرب لا يمكن التنبؤ بها. فهل يمكن استعادة السدّ والخزان إذا استمرّ القتال؟ وهل يجب السماح للمنطقة بأن تصبح سهلًا جافًا مرة أخرى؟

وبينما وصف نائب وزير الخارجية الأوكراني أندريه ميلنيك تدمير سد نوفا كاخوفكا بأنه "أسوأ كارثة بيئية في أوروبا منذ كارثة تشرنوبيل"، قال سيمونوف إنّ الأسماك والطيور المائية التي أصبحت تعتمد على الخزّان "ستفقد أعشاشها ومناطق التغذية".

وأضاف سيمونوف أنّ المصب يحتوي على حوالي 50 منطقة محمية، بما في ذلك ثلاث حدائق وطنية، محذرًا من العواقب الكارثية المحتملة، سواء في المنبع أو في اتجاه مجرى النهر.

بدورها قالت فيليوتا: "ستستغرق عودة مجموعات النباتات والحيوانات والتكيف مع واقعها الجديد عقدًا من الزمن، وربما لفترة أطول لملايين الأوكرانيين الذين عاشوا هناك.

في مارينسيك، يقوم المزارعون بفحص المحفوظات بحثًا عن سجلات الآبار القديمة، والتي سيتمّ حفرها وتنظيفها وتحليلها لمعرفة ما إذا كانت المياه لا تزال صالحة للشرب.

وأبعد من ذلك، سيتعيّن على أوكرانيا بأكملها أن تتعامل مع ما إذا كان يجب استعادة الخزان أو التفكير بشكل مختلف حول مستقبل المنطقة، وإمدادات المياه، والمساحة الواسعة من الأراضي التي أصبحت فجأة عرضة للحيوانات الغازية، تمامًا كما كانت عرضة للغزو.

وفي هذا الإطار، قالت فيليوتا: "ربما لن تؤثر العواقب السيئة علينا بشكل مباشر على الجيل الحالي،  بل على أجيال المستقبل، على أطفالنا أو أحفادنا، تمامًا كما تعاني الأجيال الحالية الآن من عواقب كارثة تشرنوبيل".

المصادر:
العربي - اسوشييتد برس
شارك القصة