لم يكن وصول صدام حسين إلى الحكم في العراق عام 1979 حدثًا عابرًا أو مفاجئًا، ولا تغييرًا منفصلًا عن سلسلة الأحداث التي شهدتها البلاد على مدى عقدين من الزمن، وإن كان قد كتب لاحقًا فصلًا استثنائيًا من تاريخ العراق والعراقيين.
يؤرَخ لوصول صدام حسين إلى سدة الحكم في بلاد الرافدين في 17 يوليو/ تموز من ذلك العام، بعدما كان العراق قد شهد ثورة أطاحت بالملكية، وانقلابًا عسكريًا كرّت من بعده سبحة الانقلابات، ما أدى في النهاية لوصول حزب البعث إلى السلطة.
وبرز صدام في الحزب الذي لعب دورًا محوريًا في العراق، لا سيما إبان النكسة. وتوسّع حضوره تباعًا، إلى أن امتدت سطوته في ظل حكم الرئيس أحمد حسن البكر، حتى غدا هو الممسك بزمام الأمور وصاحب القوة والنفوذ.
جاء ليحكم 300 عام
أما سيناريو وصوله إلى الرئاسة تحت راية الحزب، ليعلن أن "البعث جاء ليحكم العراق لـ300 عام"، فتلك سيرورة، ترفدها الشهادات وتبيّنها الأحداث، من دون أن تبدد الغموض عن بعض جوانبها.
بالعودة إلى العام 1958، أطاح انقلاب الرابع عشر من يوليو، الذي قاده عبد الكريم قاسم، بالملك فيصل الثاني آخر الملوك الهاشميين في العراق، فبدأ فصل جديد في المشهد العراقي.
حينها، كان حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق قد مضى على تأسيسه سبعة أعوام. وعمل على شق طريقه نحو السلطة باعتباره قوة سياسية لا يستهان بها، متغلغلًا في صفوف القوات المسلحة. وانضم إلى صفوفه، تحت شعاراته الثورية، مئات من الشباب العراقيين.
لكن بمضي عام واحد على انقلاب 14 يوليو سيحاول البعث الانقلاب على عبد الكريم قاسم واغتياله، ولن ينجح في الوصول إلى الحكم حتى الإطاحة برئيس الجمهورية عبد السلام عارف عام 1968.
ويروي بعض البعثيين أن صدام حسين كان يومها ضمن مجموعة الدبابات التي اقتحمت القصر الجمهوري وسيطرت عليه.
صدام حسين التكريتي
يقول رئيس أركان الجيش العراقي السابق نزار الخزرجي: إن الكثير من العراقيين تعرّفوا إلى صدام حسين للمرة الأولى عبر نشرة وُزعت عقب محاولة اغتيال قاسم.
فالشاب صدام كان ضمن المجموعة التي اتهمت بتنفيذ محاولة الاغتيال في بغداد، وأطلقت النار على قاسم، فأصابته بجروح طفيفة، وأردت أحد أفرادها خطأ وأصابت آخر.
كان ذاك المصاب الآخر هو صدام حسين، وقد انسحب عقب العملية إلى تكريت، وبعدما ضمد جراحه توجّه إلى سوريا، ومنها إلى مصر، على ما يقول الخزرجي في لقاء سابق مع "العربي".
عقب إلقاء القبض على المنفذين الآخرين صدرت نشرة أمنية لحظت اسم صدام حسين التكريتي، الطالب في الصف السادس الإعدادي، على أنه مطلوب القبض عليه، وكانت مرفقة بصورته.
ويشرح الخزرجي أن صدام حسين بقي في مصر حتى العام 1963، وتابع دراسته هناك، ثم عاد عضو قيادة فرقة وعضوًا في التنظيمات الفلاحية.
ويتوقف عند "ردة تشرين" في العام نفسه، وهي حركة انقلابية قام بها رئيس الجمهورية عبد السلام عارف، فيلفت إلى أن ضربة وُجهت حينها لحزب البعث، اختفى على أثرها صدام حسين ثم ألقي القبض عليه وسجن ثم هرب من السجن.
ويتحدث عن الدور التنظيمي الفاعل الذي لعبه على مستوى الحزب، الذي كان قد تعرض للانشقاق.
الوصول إلى الحكم
جاء وصول حسن أحمد البكر إلى رئاسة العراق في يوليو 1968، بعد قرابة العام على نكسة 1967 التي مُني بها العرب. وأطلق حزب "البعث" في أعقابها نداء لأعضائه في "الأقطار العربية" بإزالة الأنظمة التي تسبّبت بالهزيمة.
لم يبقَ العراق بمنأى عن الأحداث والنداء، وبدأ العد العكسي للإطاحة بعارف، الذي خلف شقيقه في السلطة، بعدما قُتل في حادث تحطم مروحية عام 1966.
ويروي الوزير الأسبق جواد هاشم في مذكراته أن رئيس الاستخبارات العسكرية عرض فكرة الانقلاب بداية على فؤاد الركابي زعيم حزب البعث العراقي ومؤسسه، لحاجة العسكر لغطاء سياسي، لكن الركابي رفض.
ويبيّن أن القيادي البعثي أحمد حسن البكر وافق عندما عرض الأمر عليه، فتمت الإطاحة بعارف في 17 يوليو 1968.
على الأثر تسلّم البكر رئاسة العراق، وتشكلت حكومة بعثية خالصة، وراح دور صدام حسين في قصر الرئاسة، الذي عمل في أحد مكاتبه، يتضخم ويتوسع، حتى إنه عُين نائبًا للرئيس.
أما نقطة الفصل التي أدت إلى رحيل البكر ووصول صدام حسين إلى الحكم في العراق، فتُعزى إلى قرار الأول الوحدة مع سوريا، وهو ما رفضه صدام لأنه سيعلي من موقع حافظ الأسد عدوه اللدود، ويجعله هو في موقع مجهول في دولة اتحادية جديدة، وفق هاشم.
طلب صدام حينها من البكر التنحي ليحل محله، ورضخ الرئيس العراقي ليلة 17 يوليو 1979 بعدما أدرك أن الأمر انتهى، وبرّر تخليه عن منصبه بأسباب صحية.
عهد الحديد والنار
إلى ذلك، يُنقل عن صدام حسين نفيه أن يكون قد سعى للوصول إلى السلطة، مؤكدًا رغبة البكر، ابن تكريت وقريبه، في أن تسند إليه المهمة بعدما شعر بالوهن.
وفي هذا الصدد، يقول المحقق السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون نيكسون في إطلالة عبر برنامج "وفي رواية أخرى" الذي عُرض على شاشة "العربي أخبار": إن صدام روى له أن البكر جاءه يومًا يشكو تعبه وتقدمه في العمر، وقال له إنه مريض ويريد أن يتقاعد.
المحقق السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون نيكسون: الحديث عن مقتل أحمد حسن البكر أثار غضب صدام حسين#وفي_رواية_أخرى #التلفزيون_العربي pic.twitter.com/iMHFjt6jjk
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) January 25, 2020
وأضاف صدام، بحسب نيكسون، أن الرئيس العراقي في حينه قال له إنه الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يتسلم المسؤولية، لأنه الوحيد الذي يفهم شؤون الحكومة والأجهزة الأمنية وكل أمور الحكم.
وينقل نيكسون عن صدام أن رده الأول على كلام البكر كان بأنه لا يريد السلطة لنفسه ولا أن يكون في ذلك الموقع، بل أن يتقاعد في مزرعته الشخصية، لكنه استسلم في النهاية لإرادة أحمد حسن البكر.
إلى ذلك، أشار هاشم إلى أن صدام حسين بدأ عهده الذي انتهى عام 2003 بدخول الاحتلال الأميركي، بالحديد والنار، حيث قام بتصفية 22 شخصية كان قد دعاها وأخرى إلى مؤتمره الشهير في قاعة الخُلد في بغداد.
هناك أعلن تورّط دمشق في مؤامرة على حزب البعث العراقي، وتلا أسماء شخصيات طلب منها المغادرة، ليلقى عدد منها حتفه إعدامًا في وقت لاحق.